العراق: أساليب جديدة للترهيب والقمع

07 ديسمبر 2019
في ساحة التحرير ببغداد (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
دخلت التظاهرات العراقية مرحلة جديدة مع نزول مناصري أحزاب ومليشيات مسلحة بشكل واضح إلى الشارع ضمن لعبة التظاهرات المضادة، بالتزامن مع عودة حالات الاختطاف بعد توقفها لأيام منذ إعلان رئيس الحكومة عادل عبد المهدي استقالته وقبولها في البرلمان الأحد الماضي. سياسياً، برز رفض واضح من مرجعية النجف لأي تدخّلات خارجية في تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك بعد حراك قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ومسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، لبحث قضية تشكيل الحكومة.

وشهدت ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد ما وُصف بجيب معزول لمتظاهري الأحزاب والمليشيات يومي الخميس وأمس الجمعة، وهو ما تكرر أيضاً في واسط وذي قار والنجف على نحو أقل من بغداد، في مؤشر على أيام غير مسبوقة تمر على المتظاهرين الذين أطلقوا شعارات عديدة في ساحات التظاهر يوم أمس ركز بعضها على وسائل الإعلام، وطالبوها بألا تكون التظاهرات حدثاً ثانوياً مع طول مدتها، كون ذلك يعتبر نقطة في صالح الأحزاب والقوى السياسية في البلاد.

وللأسبوع الثالث على التوالي نجحت عملية التحشيد لتظاهرات الجمعة، إذ غصت ساحات وميادين التظاهرات في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق بالمتظاهرين، وسط هتافات وشعارات جديدة ركزت على رفض التدخل الإيراني والأميركي، منها "من نصّبكم أوصياء علينا"، و"طعنتم العراق من قبل لا غرابة في طعن أبنائه"، و"اتركونا نعيش كما نريد". بينما رُفعت في كربلاء يافطة كبيرة كُتب عليها "إن أريد إلا الإصلاح في أمة جدي"، في إشارة إلى مقولة الإمام الحسين التاريخية التي رفعها في كربلاء، وهو تطور اعتبره مراقبون تأكيدا من المتظاهرين على عدم التراجع ومواصلة التظاهرات.

وقال الناشط حمزة غريب من النجف، لـ"العربي الجديد"، إن الأسبوع الثامن من التظاهرات "يدخل بنا في مرحلة كسر عظم، ليس بين المتظاهرين والسلطة بل مع الأحزاب والفصائل الولائية"، في إشارة إلى المليشيات المرتبطة بإيران. وأضاف غريب، وهو اسم حركي مستعار قال إنه يستخدمه لحماية نفسه، أن التحشيد على مجموعات "فيسبوك" و"واتساب" من قبل عدة أحزاب "لأن تكون تظاهراتها دائمة وتنافس تظاهراتنا وبشعارات خبيثة". وأضاف "اليوم حزب الدعوة والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة والنجباء والكتائب (كتائب حزب الله) والعصائب وبدر وآخرون، صاروا يحشدون للتظاهر، وخطبة السيستاني اليوم (أمس) كانت رداً عليهم في إشارته إلى أنه يرفض استخدام اسمه أو حشر المرجعية في الموضوع كونها للجميع، بسبب قيام تلك الأحزاب والمليشيات برفع صور السيستاني ومقتطفات من خطبته السابقة التي دعا لمحاربة المخربين وتم استخدامها بطريقة خبيثة توحي بأننا مخربون". ولفت إلى أن "أعدادهم ما زالت قليلة جداً مقارنة بتظاهراتنا لكنهم يحشدون، ونخشى الآن ليس من عددهم بل من تكرار عمليات طعنهم للمتظاهرين أو افتعال المشاكل والأكثر من ذلك أن زميلات غادرن ساحات تظاهرات عدة بسبب وجودهم".

في السياق، قال ناشطون في بغداد إن مناصري الأحزاب والمليشيات يصلون بحافلات ويتم إنزالهم قرب ساحة الخلاني أو تقاطع مول النخيل وهناك يجمعون أنفسهم بالمئات ويدخلون إلى ساحة التحرير. وقال ناشط في بغداد يدعى منتظر عزيز لـ"العربي الجديد"، إنهم "تحوّلوا إلى جيب صغير بعد امتلاء الساحة والمناطق القريبة منها بالمتظاهرين". وأضاف أن "الخشية فقط من افتعالهم مشاكل ونحن نتوقع ذلك، لكن نأمل من الجميع إهمالهم فليس لنا سلطة لطردهم".

من جهته، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي علي اللامي، لـ"العربي الجديد"، إن تحالف المستفيدين من الواقع الحالي يريد المساعدة في إنهاء التظاهرات بقمع أكثر خبثاً من قنابل الغاز والرصاص الحي. وأضاف أن الصفحة الحالية يمكن تجاوزها من خلال فضح هؤلاء إعلامياً، لافتاً إلى أن "غزوة الطعن التي قامت بها قوى وأحزاب السلطة ستبقى وصمة عار على من سكت عنها قبل فاعليها".


في المقابل، جدد المرجع الديني علي السيستاني، رفضه لأي تدخّلات خارجية في قضية تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً في خطبته أمس ضرورة اختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها ضمن المدة الدستورية ووفقاً لما يتطلع إليه المواطنون.
خطبة السيستاني الرافضة للتدخلات الخارجية، جاءت بعد تأكد معلومات عن حراك يقوم به كل من قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ومسؤول "حزب الله" محمد كوثراني، منذ أيام في بغداد، وعقدهما اجتماعات مع عدد من قادة الكتل السياسية العراقية، لبحث قضية تشكيل الحكومة الجديدة.

وقال نائب عن تحالف "الفتح"، طلب عدم ذكر اسمه، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "خطبة المرجعية جاءت لرفض أي تدخّل خارجي، بعد ورود معلومات لها تؤكد تحرك سليماني وكوثراني في بغداد وممارستهما ضغوطاً على قوى سياسية عدة، وعقد اجتماعات وحوارات مع القوى السياسية من أجل تشكيل الحكومة الجديد". ولفت النائب إلى أن "سليماني، وقبل قدومه إلى بغداد، عقد اجتماعاً مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في قم، لبحث عملية تشكيل الحكومة الجديدة، من دون أن يتوصل الرجلان لأي اتفاق بسبب نأي الصدر عن مهمة اختيار رئيس الحكومة وهو ما تُرجم بإعلان تحالف سائرون ذلك رسمياً". وأضاف أن "سليماني وخلال اجتماعاته مع قادة الكتل السياسية، أكد لهم أنه ليس له مرشح معين لرئاسة الحكومة الجديدة، لكن يجب ألا يكون بهوى غربي".

من جهته، أكد القيادي في تحالف "القوى العراقية" حيدر الملا، لـ"العربي الجديد"، أن "معادلة نجف-طهران-واشنطن، لتشكيل الحكومة العراقية، قد تغيّرت بعد ثورة أكتوبر، وأصبحنا أمام معادلة جديدة، فالحراك الشعبي بات عاملاً أساسياً، وبعد أن اصطفت المرجعية مع الشعب العراقي، فأصبحت المرجعية مع الشعب في مواجهة التدخلات الخارجية وأبرزها الإيرانية". وأضاف: "ما زال قاسم سليماني يعتقد بولايته على المشهد السياسي العراقي، من دون أن يدرك أن مثل هذه الولاية وسياسة التبعية أثرت على الواقع العراقي وعلى الواقع الإيراني، وشنّجت العلاقة بين الشعبين". وأضاف أن "خطبة المرجعية كانت واضحة وهي رسالة إلى سليماني والقوى السياسية الشيعية تحديداً، التي ما زالت تعمل وفق عقيلة سليماني".

من جهته، أكد النائب عن تحالف "سائرون" غايب العميري، لـ"العربي الجديد"، أن "تحالف سائرون يرفض أي تدخّلات ووصايات خارجية من أي جهة وطرف كان، في قضية تشكيل الحكومة أو أي شأن داخلي، وسنكون رافضين لهذه التدخلات، ولن نرضى بها، بل سوف نتصدى لها بالطرق المشروعة سياسياً وشعبياً".

(شارك في التغطية من ذي قار: محمد علي)