يبدو أنّ المشهد الأمني في السويداء، جنوب سورية، ذات الغالبية من أبناء طائفة الموحدين الدروز، بدأ يشهد تطوراً جديداً، في ظلّ ما يبدو أنه صراعات أمنية بين أجهزة النظام على إحياء مليشيا "قوات الدفاع الوطني" وإطلاق يدها لضبط التردي الأمني في المحافظة، جراء ازدياد حالات الخطف والسلب، الأمر الذي يثير القلق لدى المجتمع، إذ تُستغلّ تلك الأعمال لشيطنة السويداء وزرع شرخ بينها وبين السوريين، ومحاولة إثارة فتنة مع جارتها درعا.
وبدأ الأمر مع دفع رئيس شعبة المخابرات العسكرية في سورية اللواء كفاح الملحم، بشخصيات محلية من السويداء، لطرح فكرة إحياء "الدفاع الوطني" في المحافظة، عبر إعادة هيكليته وخلق مرجعية محلية تكون مشرفة على تحركاته وأعماله داخلها، وضم الفصائل المسلحة المحلية له، وذلك ضمن اجتماع عقد في وقت سابق من الشهر الحالي، في دار عرى بريف السويداء بحضور مشايخ عقل الموحدين الدروز ومجموعة من الوجهاء، على رأسهم الأمير لؤي الأطرش، الذي تبنى طرح الفكرة على الحاضرين، إضافة إلى عدد من متزعمي المجموعات المسلحة المحلية، بحسب ما أفاد به أحد المشاركين بالاجتماع في حديث مع "العربي الجديد".
وأضاف "لكن الفكرة لم تجد استحساناً لدى عدد من المشاركين، وعلى رأسهم شيخ عقل الموحدين الدروز يوسف جربوع، معيدين السبب إلى سوء سمعة الدفاع الوطني وتورّط الكثير من عناصره بأعمال غير مشروعة". وأوضح أنّ هناك من يطرح "الاعتماد على الجيش الشعبي، للقيام بالمهمة المطروحة ذاتها وبمرجعية محلية، بما أنه مؤسسة عسكرية رسمية تتبع لوزارة الدفاع ومن مهامها الحفاظ على الأمن الداخلي، في ظلّ تمنّع الشرطة والأجهزة الأمنية عن القيام بمهامها في وضع حدّ لعمليات الخطف والسلب".
وما أن انتشرت أجواء الاجتماع، حتى أعلن "الدفاع الوطني" في السويداء عبر صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، عن تسيير دوريات للتدقيق بالسيارات وتفتيشها، قائلاً "لا يحفظ العرض إلا حماته، ولا يذود عن الوطن إلا كماته. حرصاً على الأمن والأمان في ربوع المحافظة، قوات الدفاع الوطني المنتشرة في أرجائها ستبدأ بطلب أوراق السيارات وتفتيش جميع الآليات. يطلب من الإخوة المواطنين التعاون التام مع عناصر الدفاع الوطني لتفويت الفرصة على المارقين والعابثين والخارجين عن القانون".
في السياق، اعتبر ناشطون في السويداء، طلبوا عدم كشف هوياتهم، في أحاديث مع "العربي الجديد"، تحرك "الدفاع الوطني" بمثابة "ضربة استباقية" لمشروع اللواء كفاح الملحم، وهو المسؤول الأمني عن السويداء، والذي يبدو أنه يسعى للسيطرة على فرع "الدفاع الوطني" في المحافظة بشكل غير مباشر، عبر أدوات محلية تواليه. الأمر الذي دفع قيادات حالية في هذه المليشيا للتحدّث عن أنها لن تقبل بقيادة بديلة عن اللواء بسام الحسن، وهو إضافة إلى أنه رئيس أركان "الدفاع الوطني"، أحد ضباط قوات الحرس الجمهوري، ويشغل منصب مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري، كما أنه متهم بارتكاب جرائم عبر استخدام الأسلحة الكيميائية.
وأضاف الناشطون "منذ أن تسلّم الملحم رئاسة اللجنة الأمنية في المنطقة الجنوبية في يوليو/تموز 2018، أفرد للسويداء حيزاً كبيراً من اهتمامه، خصوصاً أنّ هناك شخصيات في السلطة كانت تدفع لاعتماد دخول الجيش إلى المحافظة، ليتم تأديبها بحجة ضبط الأمن فيها وسوق عشرات آلاف الشبان المستنكفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، فقام بإعادة تقييم للوضع الأمني وتصنيف الفصائل المسلحة المحلية وربطها به، والبحث عن تسوية ما مع العصابات. لكن تكليفه برئاسة شعبة المخابرات العسكرية في مارس/ آذار الماضي، غيّر على ما يبدو من جدول أولوياته، حتى أنّ الكثير من الشخصيات التقته بشأن وضع السويداء، لكنه كان دائماً يطمئنها ويقول إنه ليس هناك ما يثير القلق".
ولفت الناشطون إلى أنّ "الملحم عمل على إبقاء ملف السويداء بيده بشكل مباشر، حتى أنه قطع الطريق على فرع أمن الدولة في السويداء قبل أشهر قليلة، حيث أعاد استقطاب قائد مليشيا حماة الديار نزيه جربوع، بعدما حصل على تكليف من أمن الدولة بإجراء تسويات أمنية لأفراد العصابات المتهمة بالخطف، ليقوم بالمهمة ذاتها والتي لم تثمر إلى اليوم أي نتائج ملموسة. واللافت في الأمر أنّ الملحم أوصى جربوع بأن يحاول جذب جميع الفصائل والمجموعات، من دون اللجوء إلى العنف إلا بعد موافقته".
وأوضح الناشطون أنّ "أهالي السويداء يترقبون ما قد ينتج عن تحركات الدفاع الوطني، على الرغم من عدم وجود تفاؤل بالدور الذي قد يلعبونه، خصوصاً أنّ عناصر هذا الجهاز كانوا في الأمس القريب أهم مسيّري الأعمال غير المشروعة من الاتجار بالمحروقات بين تنظيم داعش في البادية ومناطق الفصائل المسلحة التكفيرية والمعارضة في درعا. كما أنهم ساهموا بجلب السيارات التي لا تحمل لوحات من درعا، والتي يستخدم جزء منها من قبل المجموعات الخارجة عن القانون".
وتابعوا "كما أنّ الهيكلية الحالية للدفاع الوطني لا تبشّر بالخير، خصوصاً أنّه تمّ أخيراً تعيين كمال ش. ضمن قيادات هذا الجهاز، وهو شخصية مرتبطة بالأمن وفي الوقت ذاته متهم بأنه مرتبط بعصابات الخطف في بلدتي مجادل وعريقة، ما قد يمنح العصابات غطاءً جديداً لارتكاب المزيد من الأعمال المخلة بالأمن المجتمعي".
من جهتهم، لم يكن الروس بعيدين عن هذا الصراع الأمني، إذ تمّ قبل أيام إرسال ضابط روسي من قبل "مركز المصالحات في سورية"، ومركزه قاعدة "حميميم" العسكرية الروسية، إلى دار عرى، حيث التقى الأطرش ومجموعة من الشخصيات، وطرح عليهم تشكيل لجنة ثلاثية مكونة من شخصيات من السويداء يختارها الأطرش، وشخصيات من درعا إضافة إلى الروس، تعمل على حلّ مشكلة الخطف والخطف المضاد، واحتواء أي توتر يتم بين المحافظتين.
واللافت أنّ الروس اختاروا الجهة ذاتها التي دفع بها اللواء الملحم لطرح إحياء "الدفاع الوطني" بمرجعية محلية، في وقت يدعم كل منهما حركة "رجال الكرامة"، في محاولة لتعويمها وكسبها إلى صف كل منهما.
ويعتبر الوضع في السويداء وعموم الجنوب السوري غير مستقرّ بعد، في ظلّ عدم وضوح المستقبل، حيث تغيب الأجهزة الأمنية والشرطة التابعة للنظام عن المحافظة بشكل كبير، وتتحاشى أي صدام مع المجموعات المسلحة المحلية. كما أنها لا تتدخل بالأحداث الأمنية، محاولةً تحميل مسؤولية حلّ هذه القضايا للمجتمع المحلي وبعض المجموعات المسلحة، بذريعة عدم رغبتها بوقوع أي أعمال عنف أو سفك دماء.
يشار إلى أنّ أهالي السويداء يشكون من صمت الأجهزة المختصة وعدم وضع حدّ لمجموعات الخطف والسلب التي استهدفت بشكل ممنهج، بدايةً، المقيمين في المحافظة من مناطق أخرى، لدفعهم للرحيل عنها، إضافةً إلى سيارات نقل البضائع إلى المحافظة، حتى بات التجار من المحافظات الأخرى يطلبون من تجار السويداء إرسال سيارات من الأخيرة لجلب البضائع. الأمر الذي تسبّب بتدهور الأسواق في المحافظة، وكأنها عملية حصار اقتصادي وتضييق مقصود على أهلها، كنوع من العقوبة الجماعية، لأخذهم موقفاً محايداً من الحرب الدائرة في سورية.