هل تنجح المقاربة التركية الروسية بشأن ليبيا؟

24 ديسمبر 2019
مشاورات تركية روسية للوصول لتفاهمات بشأن ليبيا (Getty)
+ الخط -
مع استمرار تأزم الأوضاع السياسية وتشابكها على خلفية الاتفاق الموقع بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، يبدو أن المشاورات بين المسؤولين الأتراك والروس، في موسكو بشأن ليبيا، لم تفض إلى اختراق نوعي، مع التصريح بـ"استمرار الاتصالات" و"تقديم المساعدة الممكنة لإنجاز التسوية".

وأجرى وفد تركي رفيع مع مسؤولين روس في موسكو، منذ أمس الاثنين، مشاورات لبحث الملفين الليبي والسوري، وهي محادثات قال عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنها ستحدد مسار عمل بلاده في المنطقة.

وحتى البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية، اليوم الثلاثاء، أكد أنه "بناء على نتائج تبادل وجهات النظر، تم التوصل إلى اتفاق لمواصلة الاتصالات بشأن القضية الليبية، بما في ذلك تقديم المساعدة الممكنة في التسوية السريعة للأزمة في هذا البلد"، دون أن يكشف عن تفاهمات جرى التوصل إليها فعليا.

وبحسب "رويترز"، فإن الوفد التركي، بقيادة نائب وزير الخارجية سادات أونال، حل بموسكو لبحث احتمال تقديم تركيا دعما عسكريا لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، بعدما وقع البلدان اتفاقية تعاون عسكري الشهر الماضي. 

وكانت روسيا قد أعربت عن قلقها بشأن التحرك التركي الأخير، في وقت شدد أردوغان، في تصريحات الأحد الماضي، على أن بلاده قد تقدم الدعم العسكري لحكومة الوفاق لمواجهة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر "إذا طلبت ذلك".

ولم يكشف بيان الخارجية الروسية اليوم عما يعكس أي تغير في الموقف الروسي، المعروف بدعمه لحفتر إلى حد إرسال مقاتلين يشاركون قواته عملياتها القتالية جنوب طرابلس، لكنه أكد "التوصل إلى اتفاق لمواصلة الاتصالات".

وكان رئيس مجموعة الاتصال الروسية بشأن ليبيا، ليف دينغوف، قال إن بلاده "قد تصبح منصة لتسوية النزاع في ليبيا"، مؤكدا أن "روسيا لديها نفوذ، بحيث تمتثل الأطراف المتصارعة للاتفاقات".

وأضاف دينغوف، في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية أمس الاثنين: "لطالما شاركت روسيا في التسوية في ليبيا، وقامت وزارة الخارجية ومجموعة الاتصال، برئاسة رئيس جمهورية الشيشان، ونواب مجلس الدوما، بعمل ضخم. التقينا بممثلين مختلفين ومجموعات تحليل الموقف لنفهم بأنفسنا من يمكنك العمل معه".

وفي إشارة إلى اختلاف تعامل السياسة الروسية عن غيرها، قال "يمكن لروسيا أن تكون منصة ممتازة لحل النزاع، فقد التقى حفتر وسراج في دبي وباريس وتونس وباليرمو، لكن منظمي هذه الاجتماعات لم يكن لديهم السلطة المناسبة لأطراف النزاع في ليبيا لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بعد الاجتماع"، بل ويؤكد أنه في ظل الخلافات الدولية بشأن ليبيا، روسيا "لديها النفوذ الذي يمكننا به ضمان تنفيذ الأطراف للاتفاقيات".

ولم تكن هذه التصريحات كافية للوقوف على مدى الاختراق الذي يمكن أن يكون قد حصل خلال المشاورات التركية الروسية، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق.

ويرى البرق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موسكو لديها سياسة خاصة بها لاختلاف مصلحتها عن المصالح الأوروبية والأميركية، فهي تقدم الدعم من تحت الطاولة لحفتر، لكنها لا تثق به بكل تأكيد"، مرجحا أن "الموقف الروسي مفتوح على كل السيناريوهات حتى الآن".

وبحسب البرق، فإن إمكان نجاح المساعي التركية لتبديد المخاوف الروسية بشأن حلفها العسكري مع الحكومة في طرابلس "لا يزال صعبا"، فدينغوف يقول صراحة إن "ليبيا ليس فيها حكومة شرعية حاليا"، في إشارة إلى عدم اعترافه بحكومة الوفاق، واعتبارها "طرفا في الصراع ليس إلا".

تحرك أوروبي أميركي

ورغم المعارضة أوروبيا وإقليميا للاتفاق الموقع بين تركيا وحكومة الوفاق، إلا أن البرق يرى أن "تنفيذه رهين بإقناع تركيا لروسيا بجدواه"، مشيرا إلى أن "المساعي لم تنته، فالوفد يعد لاجتماع على أعلى المستويات سيجمع أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريبا".

وفيما أبدى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو رغبة بلاده في الحوار مع اليونان لمناقشة القضايا المتعلقة بشرق المتوسط، وفق وكالة "الأناضول"، إلا أن أثينا تستعد لاستقبال حفتر في زيارة رسمية لم يكشف حتى الآن عن فحواها.

وفي السياق، قال مصدر برلماني من طبرق، لــ"العربي الجديد"، إن برلمانيين سيرافقون حفتر أكدوا أن الزيارة لها علاقة بالمساعي الإيطالية التي تلخص الموقف الأوروبي الرافض للاتفاق الموقع بين أنقرة وحكومة الوفاق.

 

وتحدث البرلماني عن سعي إيطالي حثيث لربط تفاهمات أوروبية أميركية لوقف تنفيذ الاتفاقات التركية مع حكومة الوفاق، سواء المتعلقة بترسيم الحدود المائية، أو التعاون الأمني الذي قد ينتهي بنشر قوات تركية في ليبيا.

وزيرا خارجية أميركا وإيطاليا يبحثان الأزمة الليبية  
في سياق متصل، أجرى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، مكالمة هاتفية أمس الإثنين، مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، بحثا خلالها "الأزمة الليبية والوضع الحساس على الأرض هناك"، وفقاً لما ذكرته وكالة "آكي" الإيطالية.

وتطرق دي مايو، في وقت سابق، إلى ما وصفه بـ"عمل بلا كلل" من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، وقال: "تواصلت في الساعات القليلة الماضية مع كل وزراء الخارجية المهتمين بهذه الأزمة. الوزراء الأوروبيون وغيرهم".

وأضاف وزير الخارجية الإيطالي: "إننا نعمل على مهمة أوروبية في ليبيا، بقيادة بوريل إلى جانب وزراء خارجية الدول الرئيسية المتابعة للملف الليبي"، وفقا لـ"آكي".

ويقول أستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد لـ"العربي الجديد" إن "سياسة أنقرة أقرب لسياسة موسكو في الشرق الأوسط، ويمكنها تبديد المخاوف الأميركية بشأن التوغل الروسي العسكري في ليبيا بإقناع روسيا بأن حفتر ليس حليفا استراتيجيا"، وأوضح أن "أهم عوامل نجاح المقاربة الروسية التركية عدم وضوح رؤية أغلب الأطراف الدولية بشأن الوضع القائم في ليبيا".

وتابع: "لا أعتقد أن مساعي روما تمثل كل المواقف الأوروبية، لكن وفي ظل هذه الاختلافات نجحت تركيا في فرض نفسها كطرف أساسي ومؤثر في مشاورات برلين، التي تهدف إلى وضع حل سياسي للأزمة الليبية".

ويرجح الحداد أن تصريحات قادة تركيا، وعلى رأسهم أردوغان، المصرة على تنفيذ الاتفاق مع حكومة الوفاق، تعكس "ثقتها في إقناع الأطراف الدولية الرافضة للاتفاق وتبديد مخاوفها".

وأضاف أن "تركيا كما نجحت في أن تكون رقما في الملف السوري، أعتقد أنها ستنجح في ليبيا أيضا". 

وعن مخاطر وجود قوات تركية إلى جانب حكومة الوفاق، وإمكانية تحول ليبيا إلى سيناريو سوري، استبعد الحداد ذلك بقوله إن "الملف الليبي لا يشبه الملف السوري، فكل المؤشرات تدل على قرب اتفاق دولي بشأن حلحلة الخلافات حوله، ومن بين تلك الخلافات الخلاف التركي مع الحلف الإقليمي الداعم لحفتر"، مؤكدا أن "بعض الدول باتت على قناعة بأن وجود حليف قوي على الأرض، إلى جانب قوات حكومة الوفاق، أحد سبل وقف القتال وإجبار حفتر على القبول بالحلول السياسية التي طالما صرح برفضها، وترجيح الحل العسكري لديه".​