الثورة السودانية بالأرقام: الضحايا ومبادرات التكافل الاجتماعي

19 ديسمبر 2019
سقط 150 قتيلاً بعد إطاحة البشير (أحمد مصطفى/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن مسار ثورة ديسمبر/ كانون الأول العام 2018 في السودان، حتى الوصول إلى هدفها بإطاحة عمر البشير ونظامه، سهلاً، بل عبّدته دماء مئات الضحايا، الذين سقطوا في معركة قاسية في مواجهة عنف النظام وقواته الأمنية. وحتى سقوط البشير في 11 إبريل/ نيسان الماضي، أحصت لجنة أطباء السودان المركزية، وهي كيان نقابي منتمٍ إلى "تجمّع المهنيين السودانيين"، سقوط أكثر من 80 قتيلاً، معظمهم في العاصمة الخرطوم، فيما المفارقة تسجيل سقوط أكثر من 150 قتيلاً بعد الإطاحة بالبشير، وتحديداً في الفترة التي تسلم فيها المجلس العسكري السلطة.

وكان أول قتلى الانتفاضة في حقبة البشير هو محمد عيسى "ماكور"، في مدينة بربر بولاية نهر النيل، شمال البلاد، وسقط في 20 ديسمبر 2018 برصاصة مباشرة في الرأس. وللمفارقة فإن 19 قتيلاً سقطوا فقط يوم تنحي البشير في 11 إبريل، 8 منهم في مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، ما يعكس حجم المقاومة لعملية التغيير. وتوزع الضحايا منذ اندلاع الثورة وحتى سقوط البشير بين الولايات السودانية. وفي العاصمة الخرطوم وحدها سقط قرابة 51 قتيلاً، و9 في احتجاجات القضارف و8 وسط دارفور، بينما قدّمت القوات المسلحة السودانية 12 قتيلاً ذادوا عن الثوار في محيط مركز القيادة العامة للجيش في العاصمة، إبان الاعتصام (من 6 إبريل حتى 3 يونيو/ حزيران)، أولهم سامي شيخ الدين في محاولة مليشيات النظام فض الاعتصام في 8 إبريل.

كما كان للمرأة السودانية حضور مهم في المواكب والفعاليات الثورية، فقد كانت حاضرة أيضاً في قوائم الضحايا، بتقديم 4 ضحايا قبل تاريخ تنحي البشير. وتصدرت قائمة النساء مريم محمد عبد الله، من مدينة عطبرة، التي قضت برصاصة في الصدر يوم 23 ديسمبر. وما يعكس بربرية نظام البشير، شملت قائمة الضحايا 12 طفلاً، أولهم مازن محمد محجوب (10 سنوات)، الذي سقط نتيجة طلق ناري في البطن في ولاية القضارف في 23 ديسمبر، فيما جرى دهس الطفل مؤيد ياسر جمعة (3 سنوات)، بواسطة عربة تخص مليشيا النظام في 26 فبراير/ شباط 2019. وكانت إحدى كبرى فواجع الثورة رحيل 8 أطفال دفعة واحدة في منطقة الفتح بأم درمان جراء انفجار عبوة ناسفة يوم 23 مارس/ آذار. وتراوحت وسائل القتل بين القنص بالرصاص، والاختناق بعبوات الغاز، والكسور الناجمة عن تصويب عبوات الغاز على الرأس والصدر، والدهس بالسيارات، إلى جانب الوفاة جراء التعذيب في أقبية أمنية أو تابعة للنظام.

وأدى تمسك البشير بمنصبه إلى التوسع في حصد الأرواح خلال الفترة من 19 ديسمبر 2018 وحتى 11 إبريل 2019، لكن ذلك ساهم أيضاً في تنامي المد الثوري، لا سيما أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت، إلى جانب التنظيم، في تزايد الحنق على النظام. فعلى سبيل المثال، وثّقت كاميرات الثوار لحظة قنص عبد العظيم أبو بكر برصاصة في الصدر في 24 يناير/ كانون الثاني، أثناء تلويحه بعلامة النصر أمام رتلٍ من ناقلات الجنود والملثمين، وهو أمر حوّله إلى أيقونة ثورية، وحوّل أحياء أم درمان، حيث كان يقطن، إلى قلاع للثورة، ومحطة رئيسية للمحتجين إبان كافة الفعاليات والمواكب.



ومع بداية فبراير 2019، قتل أمنيون أحمد الخير عوض الكريم، في منطقة خشم القربة التابعة لولاية كسلا، شرقي البلاد، في أقبية تعذيب، وهو أمر ترتبت عليه احتجاجات عارمة في مسقط رأسه وبقية مدن البلاد، ولم تفلح ادعاءات النظام في ملاحقة القتلة في التخفيف من الفاجعة أو نتائجها التي سرّعت من سقوط البشير. لكن المفارقة في أن أعداد الضحايا، بعد الإطاحة بالبشير وإبان إمساك قادة المجلس العسكري بالسلطة، كانت أكبر بكثير من أعدادهم طوال عمر الثورة التي استمرت خمسة أشهر، إذ سجلت لجنة أطباء السودان المركزية سقوط 11 قتيلاً في اشتباكات بمحيط القيادة العامة في الخرطوم قبل حلول منتصف شهر رمضان، لتأتي الجريمة المروعة بسقوط 132 قتيلاً، تم التعرف على جثامين 5 منهم أخيراً بواسطة اختبارات الحمض النووي، في مجزرة القيادة العامة يوم 3 يونيو الماضي. وعقب المجزرة، سقط أيضاً 16 قتيلاً، بعضهم في مليونية 30 يونيو التي أجبرت المجلس العسكري على إعادة التفاوض مع "قوى الحرية والتغيير"، وذلك بعدما كان قد أوصد الباب أمام الحوار عقب مجزرة القيادة العامة.

وعلى مستوى الإصابات، كشفت مبادرة "حاضرين" المستقلة، عن تكفلها بعلاج قرابة 4 آلاف مصاب، 3 آلاف منهم صنفت إصاباتهم بالخفيفة. ويقول إبراهيم علي ساعد، وهو ناشط في مجال العمل الطوعي، وأحد مؤسسي المبادرة، لـ"العربي الجديد"، إن المبادرة قامت على أيادي شباب نشطوا في العمل التطوعي لسنوات طويلة، وبدأت باتصالات شخصية لعلاج أحد مصابي الثورة في القضارف، ثم توسعت المبادرة لتغطية كافة المصابين، مقدراً التمويل المالي الواصل للمبادرة حتى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بنحو 925 ألف دولار تقريباً، وهو مبلغ جاء من مساهمات السودانيين فقط، سواء داخل البلاد أو خارجها. ويلفت إلى توجيه هذا الدعم لعلاج جرحى الثورة، ودعم أسر الضحايا، وتعويض المتضررين، وتقديم الدعم النفسي للضحايا وأسرهم، مضيفاً أنه على الرغم من اعتقال 7 من أعضاء المبادرة، المُقدر فريقها بعشرين عضواً، وعلى رأسهم أحد أبرز المؤسسين، وأيقونة العمل التطوعي في البلاد ناظم سراج الدين، إبان حقبة البشير، فإن المبادرة واصلت أنشطتها، ونجحت في علاج أكثر من 50 حالة خارج البلاد (تركيا، الهند، مصر، روسيا)، إلى جانب مئات من الحالات في مستشفيات البلاد الرئيسية (رويال كير، وفضيل).

وقدّمت المبادرة كشفاً مالياً لأنشطتها، مع تسمية المساهمين الذين فاقت مساهمتهم مبلغ مليار جنيه بالعملة المحلية. من جهته، يشيد أبو بكر عبد المنعم الفاضلابي، وهو طالب في جامعة الخرطوم أصيب أثناء الاحتجاجات ضد النظام في 19 ديسمبر، بمبادرة "حاضرين"، وتكفلها بتركيب طرف صناعي عوضاً عن كف يده الذي فقده أثناء محاولته إعادة عبوة متفجرة أطلقتها "ناقلات الجنود". ويشرح الفاضلابي، لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة تكفلت بمتابعة حالته بالبلاد، ولاحقاً نفقات سفره إلى الهند، وجميع تكاليف تركيب الطرف الصناعي، مشيراً إلى أن تلك الأعمال قادته للتطوع في المبادرة فور عودته من الخارج.

وعلى صعيد المفقودين، تقدّر المديرة الإدارية لمنظمة "أسر الشهداء والمفقودين القسريين" نجاة محمد صالح أعداد مفقودي مجزرة القيادة العامة بنحو 36 شخصاً، تقلصوا لاحقاً بعد استبعاد 5 منهم أضيفوا إلى الشهداء بعد إجراء فحوص الحمض النووي. وتوضح، لـ"العربي الجديد"، أن المنظمة أقامت داراً للحيلولة دون نسيان قضية مفقودي مجزرة القيادة العامة، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والقانوني للضحايا وذويهم. وأفلحت جهود المنظمة في إعادة طفل من ولاية سنار إلى ذويه، بعد فقدانه إبان مجزرة القيادة العامة. وتكشف صالح أنه إلى جانب اهتمام المنظمة بقضية مفقودي مجزرة القيادة، فقد تحوّلت الدار إلى مركز للتبليغ عن المفقودين، سواء في العاصمة أو الولايات، وهو دور تضطلع به المنظمة حالياً بالتوازي مع مهمتها الرئيسية. وتعمل المنظمة بأسس مبادرة "حاضرين" نفسها، المتمثلة في الاستقلالية التامة، والاعتماد على تبرعات الخيرين.

المساهمون