ليس ممكناً فصل الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، عن سياق طويل ومسار ملتحم من المحطات السياسية والمفصلية في التاريخ السياسي للجزائر. ويتم التسويق للانتخابات الأخيرة من قبل البعض على أنها منعطف وتحوّل، ولكن موضوعياً من المبكر الحكم على صدقية ذلك، ويكمن الحكم فقط من خلال المآلات اللاحقة، وملاحظة مدى التغيير الذي سيحصل في إدارة الدولة والشأن العام، وحجم الرصيد الذي سيصب في صالح الديمقراطية أولاً وفي رصيد التنمية ثانياً وفي تقلّص الفساد ثالثاً.
يستوجب في هذه المرحلة تلافي تكرار تجارب الإخفاق السياسي السابقة. فبالنظر قليلاً إلى الوراء، ثمة أوجه عدة للشبه بين انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 1995 وانتخابات ديسمبر 2019، في الظروف المحيطة بكل استحقاق، وبالأزمة السياسية بمظاهرها المختلفة (العنف السياسي أو الغليان المطلبي). لكن وجه الشبه البارز أنّ الاستحقاقين كانا يمثلان حلاً لأزمة النظام أكثر منه حلاً لأزمة البلد. وإذا تمّ تجاوز نقاش المشروعية والتعامل مع الرئيس الجديد عبد المجيد تبون كأمر واقع، فإنّ ما لا ينبغي أن يكون مشابهاً، هو المآلات والأدوات المتبنّاة في حلّ أزمة كل مرحلة.
بعد انتخابات 1995، تحرّرت السلطة من عقدة الشرعية وأغلقت باب الحوار، واستعرضت منطق القوة، واستغرقت في الحلّ الأمني، وسدّت كل محاولة للشراكة السياسية مع القوى المعارضة. لم ينتج ذلك سوى أزمات أخرى داخل النظام نفسه، ولم يتولّد عنه سوى احتقان مضاعف. ولذلك، يتعين في المرحلة التالية للانتخابات الأخيرة، تجنّب هذه الأدوات التي أثبتت فشلها.
ويتوقف حلّ الأزمة الراهنة في الجزائر ومظاهرها المتعددة، أولاً على مدى استعداد الرئيس الجديد والسلطة التي تقف خلفه، لتوسيع قاعدة الديمقراطية والشراكة المجتمعية لصياغة مشروع ديمقراطي مشترك، وعلى المنهجية التي سيعتمدها في تسيير شؤون الدولة.
من سوء حظ تبون، أنه جاء في عهد "الشعب الرقيب"، مقارنة مع كل رؤساء الجزائر السابقين، إذ لم يكن الشعب فاعلاً مركزياً في المشهد وقوة ضغط أساسية كما هو الحال عليه بعد حراك فبراير/شباط الماضي. هذه المرة الشعب يعرف الشارع والشارع يعرف الشعب. تكفي ربع ساعة لتعجّ الشوارع بالآلاف، رداً على أي قرار ملتبس أو خيار إقصائي غير سليم. وقد يكون ذلك من حسن طالع الرئيس الجديد في أن يشكّل دخول الشارع كفاعل مركزي ومراقب، عاملاً محفزاً لتصويب السياسات وبذل جهد أكبر لتصحيح الاختلالات، وتجاوز كل الممارسات السابقة.
عبد المجيد تبون هو أول رئيس للجمهورية الجزائرية من خارج الحقل الثوري ولا يستند بخلاف الرؤساء السابقين، إلى الشرعية الثورية، وهو أول رئيس يحمل في رصيده العلمي شهادة جامعية. والمعطى الأخير بالغ الأهمية في علاقة بممكنات التحوّل في إدارة الدولة، وفي الاستئناس بالمعرفة والعلوم والتخطيط العلمي والإدارة الجيدة للشأن العام، ولا يعني ذلك إغفال الدور المحوري للجيش في المرحلة المقبلة. ويبقى أنّ المائة يوم الأولى من عهده ستظهر ملامح إجابة على كل هذه الهواجس.