تبون رئيساً للجزائر: تحدي تنفيذ التعهدات

14 ديسمبر 2019
حسم تبون الانتخابات في دورها الأول(رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -
طوت السلطة في الجزائر صفحة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، والتي حصلت في ظروف عصيبة ومحتقنة بسبب رفض الحراك الشعبي وقوى سياسية لها. وسلمت مطالب الحراك وتطلعات الجزائريين إلى الرئيس الذي أفرزته انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.

لم تكن المفاجأة الكبرى في الانتخابات الرئاسية التي جرت الخميس الماضي في الجزائر فوز رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون بالرئاسة، فقد كان الرجل أبرز المرشحين منذ إعلانه الترشح قبل فترة، لكن المفاجأة الكبرى تخصّ حسمه الانتخابات في دورها الأول، وهو أمر لم يكن متوقعاً بالمطلق، بسبب تقارب الحظوظ بينه وبين المرشح الثاني علي بن فليس من جهة، وانقسام كتلة الناخبين من التيار الوطني بين ثلاثة مرشحين، هم تبون وبن فليس وعبد العزيز بلعيد، وكذلك غياب أي دعم واضح من قبل الجيش ومؤسسات الدولة، بخلاف الاستحقاقات السابقة التي كانت تحسم فيها السلطة الموقف الانتخابي لصالح مرشح محدّد.

وبحسب النتائج التي أعلنها رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، أمس الجمعة، فقد "حصل تبون على أربعة ملايين و945 ألفاً و116 صوتاً، أي نسبة 58.15 في المائة من الأصوات". وجاء في المركز الثاني المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة بنسبة 17.38 في المائة من الأصوات، فيما حلّ علي بن فليس في المرتبة الثالثة، ولم يحصل سوى على 10.55 في المائة من الأصوات. وحصل وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي على 7.26 في المائة من الأصوات، بينما جاء النائب السابق عبد العزيز بلعيد أخيراً بـ6.66 في المائة من الأصوات. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 39.83 في المائة، أي ما يقارب عشرة ملايين ناخب من أصل أكثر من 24 مليوناً مسجلين في القوائم الانتخابية. كذلك سجلت السلطة إلغاء أكثر من 1.2 مليون صوت، لكن لم يؤثر ذلك على النتائج بالنظر إلى الفارق الكبير بين الأول والثاني. وتكشف البيانات الخاصة بالانتخابات الرئاسية أن نسبة التصويت تقارب نفس نسبة التصويت في آخر انتخابات شهدتها الجزائر قبل الحراك الشعبي في يونيو/ حزيران 2017 (نيابية)، والتي سجلت نسبة 37 في المائة، فيما سجلت انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2014 نسبة تصويت بلغت 51 في المائة.

وفي استقراء العوامل التي منحت تبون هذا التقدم، سيكون لافتاً أنه استفاد من عاملين أساسيين، هما توقيت المحاكمات التي جرت قبيل التصويت بثلاثة أيام، إذ ظهر في المحاكمات كبار رجال الأعمال و"الكارتل" المالي الذين كان تبون قد دخل في صراع حاد معهم عند تسلمه لفترة قصيرة رئاسة الحكومة بين يونيو/ حزيران وأغسطس/ آب 2017، بعد إعلانه شن حرب على "الكارتل" المالي وتدخله في القرار السياسي. وحسم هذا الأمر صورة تبون على أنه رجل مكافحة الفساد، خصوصاً بعد إعلانه أنه يعرف وجهات الأموال المنهوبة وتقديمه تعهدات سياسية باسترجاع أموال الجزائريين تلك، بالإضافة إلى أنه استفاد بشكل كبير من الضربة الموجعة التي تلقاها منافسه علي بن فليس قبل يومين من التصويت، بعد إثارة قضية تخابر ضد أحد معاونيه في الحملة الانتخابية، وقضية امتلاكه حساباً مصرفياً في فرنسا، وهو ما زحزح بن فليس إلى المرتبة الثالثة بنسبة 10.55 في المائة، على الرغم من أنه كان من أبرز المرشحين، لكن كتلته الناخبة، التي يعد الحراك جزءاً منها، لم تسعفه في التقدم. واعتبر بن فليس أن فوز تبون "تشويه للرئاسيات و(ولاية) خامسة (للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة) بثوب آخر".



ثاني مفاجآت انتخابات 12 ديسمبر هي صعود المرشح الإسلامي عبد القادر بن قرينة بشكل لافت، إذ حقق نسبة تصويت مقبولة، وجمع 1.4 مليون صوت من الناخبين، على الرغم من أنه لم يكن ضمن المرشحين البارزين في هذه الانتخابات. ويعتقد متابعون أن بن قرينة نجح في إعادة استقطاب قواعد التيار الإسلامي، خصوصاً مع التزامه بالحفاظ على مقومات الهوية الوطنية. وتنعش هذه النتيجة آمال الإسلاميين في العودة إلى المشهد السياسي بعد فترة فراغ طويلة.

ويأتي صعود بن قرينة في مقابل سقوط سياسي وانتخابي حر ومدوٍّ للمرشح وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، الذي كان يُقدم على أساس أنه مرشح تدعمه السلطة ويقف خلفه الجيش. وزادت التعليمة التي وجهها الأمين العام بالنيابة لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد صديقي، إلى مناضلي الحزب وقواعده بالعمل لصالح ميهوبي والتصويت لصالحه، وتحرك بعض رؤساء البلديات في هذا الاتجاه، من هذا الانطباع. لكن الواقع الانتخابي أظهر أن الكتلة الناخبة لحزب ميهوبي "التجمع الديمقراطي" و"جبهة التحرير" تبخرت باتجاه مرشحين آخرين، فيما يعتقد متابعون أن هذه النتيجة التي حصل عليها ميهوبي تعرّي بشكل كبير حقيقة هذين الحزبين، اللذين كانا يعتمدان على الجهاز الإداري فقط لتزوير الانتخابات، والتلاعب بنتائجها في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

وأظهرت الانتخابات تمرّد قواعد الأحزاب السياسية على توجهات وقرارات قيادات الأحزاب، في صورة قواعد حركة مجتمع السلم، التي كانت قيادتها قد قررت في وقت عدم تزكية أي من المرشحين، بمهن فيهم المرشح الإسلامي وأحد مؤسسي وقادة الحركة عبد القادر بن قرينة (انشق عن الحركة في عام 2008)، لكن كتلة مهمة من مناضلي الحركة قررت التصويت لصالحه، بسبب رصيده الحركي وتجاوزاً لمشكلات تخص انشقاقه. وفي السياق نفسه تمرّدت قواعد "جبهة التحرير الوطني" على قيادتها، التي كانت قد أصدرت قراراً يقضي بدعم ميهوبي، بحكم القرب السياسي بين حزبه "التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة التحرير"، لكن ميهوبي لم يحصل سوى على نسبة ضئيلة من الأصوات. وتوجهت الكتلة الغالبة من مناضلي الحزب إلى دعم تبون، الذي يعدّ عضواً في اللجنة المركزية للحزب نفسه. وقال القيادي في حزب "جبهة التحرير الوطني" بعجي أبو الفضل، لـ"العربي الجديد"، إنه يتفهّم موقف مناضلي الحزب. وأكد أن "قرار دعم ميهوبي كان تصرفاً منفرداً من مسؤول الحزب (عبد الحميد صديقي بصفته الأمين العام بالنيابة للحزب)، إذ لم يكن هناك أي إجماع داخل قيادة الحزب على هكذا خيار، وليست هناك قيادة شرعية في الوقت الحالي للحزب، عدا اللجنة المركزية".

وفي سياق آخر، وحتى إن حازت هذه الانتخابات شرعيتها الشعبية من منطق الدستور، الذي لا يضع حداً لنسبة التصويت، فإن بعض المؤشرات تخدش بعض الشيء شرعيتها، وتفرض على الرئيس الجديد طرح مقترحات سياسية تُرمم شرعيته، خصوصاً في علاقة بالمقاطعة القياسية وغير المسبوقة للانتخابات في منطقة القبائل، والتي شُلّ فيها الفعل الانتخابي بالكامل. وسجلت ولاية تيزي وزو أقل نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الجزائرية بـ0.14 في المائة، بتصويت 250 شخصاً فقط من أكثر من 700 ألف مسجل، تليها ولاية بجاية 2.21 في المائة، إذ اقترع 1181 ناخباً من بين أكثر من نصف مليون مسجل في هذه الولاية، وتليها البويرة بـ21,24 في المائة ثم بومرداس بـ25,37 في المائة. وبخلاف منطقة القبائل، التي تظلّ متمردة على السلطة لأسباب سياسية وتاريخية، والمناطق الحضرية كالعاصمة والمدن الكبرى في الشمال، والتي تشهد أكبر حيوية للحراك الشعبي، فإن مناطق الجنوب والداخل ظلت الأكثر تصويتاً، إذ سجلت ولايات ادرار وورقلة وتمنراست والجلفة والأغواط نسبة تصويت تفوق 60 في المائة، على الرغم من أن هذه المناطق نفسها هي الأقل استفادة من برامج التنمية، وتعاني على صعيد البنية التحتية والأوضاع الاجتماعية للسكان.