"لماذا يختفي المختطفون عن الظهور والمشاركة في الاحتجاجات بعد الإفراج عنهم؟"، هو أبرز الأسئلة التي تُطرح في العراق وبين صفوف المحتجين، فقد سكت ميثم الحلو، وهو أبرز الداعمين للاحتجاجات في بداية انطلاقها وقد حشّد لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الإفراج عنه، كما الحال مع ماري محمد، وهي ناشطة نسوية ظهرت في مقاطع مصورة كثيرة تدعم المتظاهرين بالمال والطعام، ولم يختلف الأمر مع علاء صاحب، الناشط الذي اشتهر بأنه أول من هتف "إيران بره بره" في مدينة بابل، وبقية الذين تعرضوا للخطف.
ولم يظهر من المختطفين إثر اندلاع الاحتجاجات في الإعلام غير الناشط البغدادي علي هاشم، وقال في مقابلة تلفزيونية قصيرة، وقد كان مرتبكاً ومذعوراً، إن "الخاطفين سألوني إن كنت أتقاضى راتباً أو حوالات من الخارج، وتحديداً من أميركا أو الإمارات". هذا التعليق كان مشابهاً لتعليق المدون شجاع الخفاجي الذي قال لموقع عراقي قبل أن يختفي إن "الجماعة التي خطفته اتهمته بالانتماء لوكالة المخابرات المركزية الأميركية"، وهو ما يؤكد أن المليشيات الخاطفة مؤمنة بأن الحركات الاحتجاجية ممولة من الخارج، بحسب مراقبين.
صحافي عراقي متخصص بكتابة المواد الاستقصائية، تحدَّث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، قائلاً إن "الناشطين الذين تعرضوا للاختطاف اختفوا بعد الإفراج عنهم لأنهم مهددون بالقتل في حال العودة إلى سلوكهم القديم وممارسة نشاطاتهم السابقة، وهذه اللغة كافية لردع أي ناشط عراقي أو متظاهر".
وأضاف أن "ناشطين مثل ميثم الحلو وغيره حتى أولئك الذين غادروا العراق بعد الإفراج عنهم، هجروا مواقع التواصل الاجتماعي ولم يُعلقوا على ما تعرضوا له أو كواليس التحقيق الذي جرى معهم، وهذا الأمر يؤكد شدة ما تعرض له المختطفون"، مؤكداً أن "الجهات الخاطفة أقوى من الدولة وهي متجذرة في الحكومة ولها مناصب أمنية وسياسية حساسة، ولها ارتباطات خارجية، وبالتالي فهي قادرة على اختطاف أي عراقي سواء كان مواطنا عاديا أو مسؤولا حكوميا".
وأشار في معرض حديثه إلى أن "رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي تعرض لمحاولة اختطاف في الأيام الأولى من الاحتجاجات بسبب انتقاده للقمع والعنف الذي تعرض له المحتجون، لكن العملية انتهت بتسوية بين العبادي والجهة المسلحة، ويعني هذا أن الخاطفين أقوى من الدولة وقواتها".
في السياق، أكد عضو بمجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، أن "معظم المتظاهرين تم اختطافهم من قبل مليشيات مسلحة، وبعض عمليات الخطف نفذتها القوات الأمنية من دون أوامر اعتقال صادرة عن القضاء، وتمت عملية التحقيق معهم من قبل المليشيات"، مبيناً أن "المختطفين مهددون بالتصفية البشرية مع عوائلهم، والمختطف يدرك جيداً إمكانية هذه المليشيات في تنفيذ تهديدها، فهو يحاول إبعاد أي أذى عن نفسه وعن عائلته، خصوصاً مع غياب سلطة القانون، التي تحميه وتحمي عائلته".
بدوره، ذكر الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي كان قد وعد العراقيين بمحاسبة وملاحقة أي جهة تعتدي على المحتجين وتختطفهم، إلا أنه أخفق بتنفيذ وعده"، مبيناً أن "الوعد الذي قطعه عبد المهدي لم تمضِ عليه ساعات حتى اختطف متظاهر وناشط، وتم اصطحابهما إلى مطار المثنى في بغداد بدون أوامر قبض وبطريقة مستهترة، معناه أن كلام رئيس الوزراء غير مسموع ولا تحترمه العصابات".
أما الخبير بالقانون العراقي علي التميمي، فقد بيَّن لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية الحالية هي لتصريف الأعمال فقط، ولا يحق لها عقد الاتفاقيات والعقود وكل عمل يحتاج إلى مصادقة البرلمان، ولكنها مسؤولة وفق الدستور عن ضبط الأمن العام وحماية المواطنين، والعمل الأمني هو من صلب عمل حكومة تصريف الأعمال"، مشيراً إلى أن "عادل عبد المهدي ليس معفًى من حماية الناس وفقاً لمفهوم تصريف الأعمال، وإن أي محتج يقتل في بغداد أو مدينة أخرى أو أن يتعرض ناشط للاختطاف، فإن المسؤولية تقع على القادة الأمنيين والقائد العام للقوات المسلحة، وهذا وفقاً لقانون العقوبات العسكرية".
وكانت منظَّمة العفو الدولية قد طالبت السلطات العراقية بوضع حدّ، فوراً، للحملة المتواصلة من الترهيب والاعتداء على الناشطين في بغداد وبقية المحافظات الجنوبية، وكشف أماكن وجود آخرين، ومن بينهم أطباء ومحامون وصحافيون اختفوا قسراً، مؤكدة أنه من خلال تقصيها للأحداث في العراق تبين أن قوات الأمن تستهدف، بشكل ممنهج، أي شخص يتحدث علناً عن سلوك قوات الأمن خلال الاحتجاجات.