طرح عضو مجلس النواب المصري، أحمد الطنطاوي، مبادرة إصلاحية من خلال تقدمه بطلب إلى رئيس المجلس علي عبد العال، بشأن تشكيل 12 لجنة برلمانية تستهدف إحداث حالة من الحوار الوطني حيال المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد، نتيجة عدم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وانفراد رئيس الجمهورية بسلطة اتخاذ القرار.
ودعا الطنطاوي الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مغادرة الحكم في عام 2022، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة لا يكون مترشحاً فيها أو منافساً، التزاماً منه بالتعهد الذي قطعه على نفسه مراراً بعدم الاستمرار في الحكم لأكثر من دورتين رئاسيتين، مشدداً على أهمية العدول عن التعديلات التي أدخلت على دستور 2014، لما مثلته من انتكاسة كبيرة في التوازن بين السلطات.
وقال الطنطاوي في مقطع فيديو مطول نشره على موقع "يوتيوب"، مساء الأحد، إن التعديلات الدستورية الأخيرة عادت بنظام الحكم إلى أنماط تشبه إدارة الدولة في القرون الوسطى، من خلال تكريس كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، الأمر الذي عُد ضربة موجعة لعملية التحول الديمقراطي، بالرغم من أنه آن الأوان لاتخاذ الدولة المصرية خطوات عملية بهدف إتمامها.
وأضاف: "مصر أكبر من أنها تقف على أحد الأشخاص أو الرؤساء، لأن الخطورة تأتي من التشبث بالسلطة، واتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة تمتد آثارها إلى أجيال قادمة بشكل فردي"، مردفاً أن "رئيس الدولة هو مكلف بإدارة الحاضر، وليس مصادرة المستقبل، أو صرف مبالغ طائلة على مشاريع معرضة للتوقف، كونها لا تعبر عن إرادة الشعب، ولكن عن إرادة سلطة ترغب في الربط بين استمرارها في الحكم، واستمرار تلك المشاريع".
وتابع الطنطاوي أن "العدول عن تعديلات الدستور هو الضمانة لتجنيب البلاد خطر الانجرار إلى مسارات لا يتحملها الوطن"، مشدداً على أن "التحول الديمقراطي هو السبيل والضمانة الحقيقية لاستقرار البلاد، لا الاستقرار المبني على الإكراه، وإخضاع شرائح واسعة من المواطنين لسلطة بعينها على غير رغباتها، بما يدفع الكثير منهم إلى خيارات لا يوجد داع للمخاطرة بها في هذه المرحلة من عمر الوطن".
وأوضح بقوله: "كان البديل الأول هو تشكيل تحالف سياسي لخوض الاستحقاقات الانتخابية، وتقديم البديل للمصريين، لأنه من غير المقبول لدولة بقيمة وحجم وعراقة مصر أن تشهد انتخابات يتنافس فيها الرئيس مع أحد أعضاء حملته الانتخابية... وهذا التحالف كان اسمه المقترح هو (الأمل)، ولكنه تعرض لعنف شديد وغير مبرر من السلطة الحاكمة، لتوصيل رسالة مفادها أن هذا الطريق ليس متاحاً الآن".
وزاد الطنطاوي: "من منطلق مسؤوليتنا، وخوفنا على البلاد، فكرنا في بدائل أخرى، منها طرح مبادرة إلى رئيس الجمهورية للجلوس مع تيارات المعارضة، والاستماع إلى وجهات نظر أخرى وبديلة، خصوصاً وأنني لدي ما يشبه مسودة لرؤية أو مبادرة تطرح مخارج للأزمة... ولكن هذه الدعوة التي كررتها في مناسبتين لم تلق استجابة حتى جاء حديث الرئيس السيسي خلال افتتاح مصنعين تابعين للقوات المسلحة يوم الخميس الماضي".
وواصل حديثه: "لقد اختلفت مع كل العناصر الواردة في خطاب الرئيس حينها، ولكن استوقفتني نقطة شديدة الأهمية، وقد تكون مدخلاً لمبادرة أخرى لعملية الإصلاح، وتأسيس الدولة المدنية الحديثة التي لطالما حلم بها المصريون... فالرئيس قال إن على البرلمان التصدي لأي شكوك أو اتهامات، سواء لشخصه أو بالنسبة للحكومة، وعرض التقارير التي سينتهي إليها على الرأي العام".
وقال الطنطاوي: "خضوع المسؤولين للاستجواب هو أفضل مدخل لعملية الإصلاح، وهو ما دفعني للتقدم بمبادرة متكاملة إلى البرلمان، والذي يمتلك كافة الصلاحيات الدستورية لاتخاذ القرارات... وكنت قد تقدمت بأول استجواب في البرلمان مطلع أغسطس/آب 2016، بشأن مخالفات دستورية وقانونية ترتكبها الحكومة، ولم يناقش هذا الاستجواب أو غيره على مدى 4 سنوات كاملة، هي مدة انعقاد مجلس النواب الحالي".
وأضاف: "في 15 يناير/كانون الثاني 2016، جمعت توقيعات للمطالبة بتشكيل لجنة لفحص ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات في حينه، بشأن فاتورة الفساد المرعبة، وقرر البرلمان تشكيل اللجنة من خلال الأخذ بتصويت الأغلبية مرتين متتاليتين، ولم يُنفذ هذا القرار... بل فوجئنا بعدها بتعديل قانون الجهاز المركزي، بما يتيح لرئيس الجمهورية إعفاء رئيسه من منصبه، وهو ما مثل اعتداءً صريحاً على الجهاز الرقابي الأهم والأكبر في البلاد".
الإصلاح الدستوري
وتابع الطنطاوي: "تقدمت بطلب تشكيل 12 لجنة نيابية خاصة، متضمناً طريقة تشكيلها، وآلية عملها، أولها عن الإصلاح الدستوري، وتكون معنية بمراجعة التعديلات التي أدخلت على دستور 2014، والتي كانت جميعها في الاتجاه الخاطئ، بما فيها أكثر مادتين جرى الترويج لهما في الإعلام، وهما النص على نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وتخصيص نسبة 25% من مقاعد مجلس النواب للمرأة".
واستكمل: "في النظم الديمقراطية المستقرة يُجرى انتخاب نائب الرئيس معه في آلية دستورية حقيقية، لا أن يُعين الرئيس منفرداً نائباً له، ليوكل إليه مهاماً تتعلق بها مصائر الوطن... أما عن نسبة المرأة، فمن الأفضل للمجالس النيابية أن تشهد تقسيمات سياسية، وليست فئوية، خصوصاً أن هذه النسبة قد تكون ذريعة لفرض نظام انتخابي، لا يُنتج البرلمان الذي يستحقه المصريون".
وأردف بقوله: "يجب العدول والعودة عن هذه التعديلات الدستورية الضارة، والسير قدماً في آلية دستورية لإصلاحها من قبل البرلمان، فلا يجب البحث عن التغيير خارج الأطر الدستورية... واللجنة ستكون من مهامها إيجاد آليات لتحييد دور مؤسسات الدولة، وأجهزة الإعلام، أثناء عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وخلال الاستحقاقات الانتخابية على وجه أعم".
الإصلاح الاقتصادي
وعن اللجنة الثانية، قال الطنطاوي إنها للإصلاح الاقتصادي، لأنه جاء وقت الاعتراف بأن ما يجرى الآن في مصر هو إجراءات وقرارات مالية ونقدية وفق روشتة صندوق النقد الدولي، ولا يصح وصفها بأنها "إصلاحات اقتصادية"... وهو ما يستدعي التباحث حول روشتة وطنية لمعالجة الأمراض المزمنة في الاقتصاد المصري، وقضية الفقر، والبطالة، وارتفاع الدين العام، ومدى جدوى المشروعات القومية".
وأضاف: "هناك فارق بين برامج الحماية والعدالة الاجتماعية المنشودة، وهذه اللجنة مطالبة بمراجعة المشكلات التي تعاني منها الكثير من القطاعات في الزراعة أو الصناعة، حيث لدينا الآلاف من المصانع المتوقفة... والبرلمان لديه السلطة في أن يطلب الأرقام من المسؤولين، واستدعائهم لمناقشة كل القرارات الاقتصادية بشفافية، من دون استثناء الاقتصاد المتعلق بالجيش، وهو الابن البكر للدولة المصرية منذ نشأتها".
هيكلة الموازنة
أما عن اللجنة الثالثة، فقال الطنطاوي إنها لإعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، ووضعها "البائس" على كل المستويات، لأنه لا يجب الاستمرار في موازنات تُخصص نصف جملة الإنفاق العام لصالح خدمة (فوائد) الدين، بينما يوزع النصف المتبقي لأبواب الأجور والدعم والخطة الاستثمارية، مؤكداً أن مشروع موازنة الدولة يزداد سوءاً عاماً بعد عام، وأنه لا سبيل أمام هذه الأزمة سوى الأخذ بمبدأ "وحدة الموازنة".
وبين قائلاً: "لا يجب أن تكون هناك موازنات لجهات وهيئات خدمية مستقلة، على غرار هيئة المجتمعات العمرانية التي تحقق أرباحاً بعشرات المليارات من الجنيهات، ثم توجه للصرف على مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة... ويخرج بعدها رئيس الدولة، والمسؤولون في الحكومة عبر وسائل الإعلام، للادعاء أن إنشاء العاصمة بموارد من خارج الموازنة العامة".
مكافحة الفساد
وأشار الطنطاوي إلى أهمية تشكيل لجنة معنية بمكافحة الفساد، بهدف مراجعة بعض التشريعات الهامة مثل قانون حماية المبلغين والشهود، والاستقرار على رؤية تتكامل فيها أجهزة ومؤسسات الدولة في هذا المجال، لاسيما أن دولاً أفريقية عدة سبقت مصر بخطوات واسعة في مجال مكافحة الفساد.
كما نبه إلى ضرورة تشكيل لجنة للإصلاح السياسي، لأنه لا بد من توفير الحريات السياسية والتعددية الحزبية، للوصول إلى سلطة تخضع للمسؤولية والمحاسبة، وتكون قادرة على اتخاذ القرار بطريقة مؤسسية وديمقراطية، حتى لا يفاجأ المصريون بقرار فردي تكلفته تصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات، من دون دراسة لجدواه على غرار ما يحدث الآن في بعض المشروعات.
وشدد الطنطاوي على ضرورة الأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات النيابية المقبلة، بدلاً من الأخذ بنظام القائمة المغلقة المطلقة التي تؤصل لنظام "فاشي"، مستطرداً "يجب أيضاً فتح المجال العام والحريات، من خلال الإفراج بعفو عام عن كل المسجونين في قضايا لا تتعلق بممارسة العنف أو التحريض عليه... والنظر بجدية في مسألة الحبس الاحتياطي، الذي يُقيد حرية المئات من المواطنين لسنوات خلف القضبان، استناداً إلى تحريات أمنية، من دون أن يحالوا إلى المحاكمة".
مواجهة الإرهاب
كذلك نوه إلى تشكيل لجنة لوضع استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب، باعتباره خطراً حقيقياً وكبيراً يجب التصدي له، منادياً بتضافر جهود كل مؤسسات الدولة للتعامل مع هذه الآفة الخطيرة، شريطة تجفيف منابعها في إطار رؤية إجرائية عملية محددة، والالتزام بصحيح القانون أثناء مواجهتها، لأن "تعرض المواطنين للظلم قد يدفعهم إلى سلوك عدواني تجاه الآخرين"، على حد تعبيره.
حقوق الإنسان
وتطرق الطنطاوي في حديثه إلى تشكيل لجنة لدراسة الحالة العامة لحقوق الإنسان والحريات في مصر، للبحث عن طريقة أخرى لتعاطي الدولة مع التقارير الصادرة عن الحالة الحقوقية من خارج البلاد، موضحاً أن "إنكار الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان ليس حلاً، بيد أن الأولى من مهاجمة تقارير المنظمات الدولية، هو الاعتراف بوجود مشكلات حقيقية ومؤلمة في هذا الملف الهام".
ونبه الطنطاوي إلى مسألة تعزيز منظومة العدالة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، عن طريق تعديل قوانين مثل الإجراءات الجنائية والمرافعات والسلطة القضائية، وإعادة مراجعة إجراءات التعيين والترقي والندب والإعارة للقضاة، بداية من طريقة الالتحاق بالسلك القضائي، ووصولاً إلى طريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وما تعرضت إليه من تغول بواسطة السلطة التنفيذية جراء التعديلات الدستورية.
مراجعة التشريعات
وأشار إلى تشكيل لجنة لمراجعة التشريعات التي أثارت حالة من الجدال أثناء مناقشاتها، وترتبت عليها مشكلات بعد تطبيقها، مثل قانون الخدمة المدنية، وقانون التعاقدات الحكومية، والذي رسخ لعملية طرح مشروعات الحكومة بالأمر المباشر، محذراً من وجود شبهات فساد حول مشروعات تجرى في الوقت الراهن، تصل تكلفتها إلى المئات من المليارات.
الاتفاقات الدولية
وتابع أن هناك ضرورة في تشكيل لجنة لدراسة الاتفاقات الدولية محل الخلاف، وعلى رأسها الاتفاق الإطاري المتعلق بسد النهضة الإثيوبي، والذي يجب أن يعرض على البرلمان ليقرر ما يشاء بشأنه، علاوة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تم التنازل بموجبها عن جزيرتي "تيران وصنافير"، وتترتب عليها آثار خطيرة على الأمن القومي المصري نتيجة تدويل مضيق تيران.
وأشار الطنطاوي في هذا الصدد إلى أهمية مراجعة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر وقبرص واليونان، في ضوء ما يتردد حول تنازل مصر عن حقوقها في الغاز الطبيعي داخل مياهها الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي استفاد منه العدو التاريخي للدولة المصرية، في إشارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وختم مؤكداً أهمية تشكيل لجنة للإصلاح الإداري والمؤسسي، لتغيير أنماط اتخاذ القرار في الدولة، مبيناً أن عدد أعضاء البرلمان المعارضين حالياً لا يتجاوز في أحسن الأحوال 20 نائباً، غير أنهم على استعداد لتقديم منتج وبديل حقيقي للدولة في مجال الإصلاح والتغيير، في إطار إجرائي يتبع خطوات مُحددة، تصل في النهاية إلى مصادقة البرلمان على قرارات تُحال للحكومة لتطبيقها، تحت سلطة ورقابة كاملة من مجلس النواب.