حملات شيطنة لتشويه التظاهرات العراقية

28 نوفمبر 2019
يخشى الحراك تصعيد القمع (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
في ساعة متأخرة من ليل أول من أمس الثلاثاء نشرت وسائل إعلام عراقية محسوبة على الحكومة والأحزاب الداعمة لها، بياناً، قالت إنه صادرٌ عن مجلس عشائر وأعيان وسط وجنوب العراق، يطالبون فيه المرجع الديني علي السيستاني باتخاذ موقفٍ مما يجرى "من حالة انهيار الدولة وانعدام القانون وإطلاق يد العصابات والمافيات في الجنوب والوسط تحت غطاء التظاهرات". وخُتم البيان، الذي تداولته لاحقاً وسائل إعلام ووكالات أجنبية، بمناشدة السيستاني "عاجلاً أن توقف نزيف الدم والفوضى، لأن الحرب الأهلية قادمة، ولن ينجو منها أحد".

البيان، الذي روجته بادئ الأمر وسائل إعلام يطلق عليها في العراق اسم "قنوات ومواقع إعلام اتحاد الإذاعات"، في إشارة إلى أنها ممولة من إيران عبر اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الإيراني، والذي يهدف إلى شيطنة الحراك الشعبي والتهويل بالحرب الأهلية، ولكن بلغةٍ تلوم السلطة على الفساد لإبعاد الشبهات، لم يحمل أي توقيع، ولا أسماء شيوخ العشائر الذين قيل إنه يرفع صوتهم، أو مكان انعقاد أيّ اجتماع لهم. وفيما يؤكد نائب عراقي أن هذا البيان هو أحد سيناريوهات السلطة وداعميها لتأليب المرجعية على المتظاهرين، مع تنصل زعماء عشائر في حديثهم لـ"العربي الجديد" منه، كان اللافت تزامنه مع تأكيد حكومة عادل عبد المهدي عزمها دخول مرحلة مختلفة من القمع، بحجة حماية النظام ودرء "الفتنة".

بيان "مجهولٌ" للسيستاني
وخاطب البيان، الذي وزع بدايةً عبر مجموعات "واتساب" تضم صحافيين ومراسلي وكالات محلية، السيستاني بالقول: "نناشدكم اليوم من الباب الشرعي والإنساني، أن يكون لكم موقف مما يجرى من حالة انهيار الدولة وانعدام القانون وإطلاق يد العصابات والمافيات تحت غطاء التظاهرات". وأضاف "سيدنا المفدى، نعلم جيداً أن السياسيين ملأوا قلبك قيحاً، وأحزابهم عاثت بالأرض فساداً ودماراً وفقراً، وأنت تريد تأديبهم، وتريد للناس أن يطالبوا بحقوقهم، لكن الأمر بات مكشوفاً لسماحتكم، وعليكم الطلب من وكلاء ومعتمدي سماحتكم أن يقدموا لك حقيقة ما يجري في محافظاتنا، فالأمر لا يتحمل مزيداً من التأخير، ففي كل لحظة يسفك دم بريء وتروع عوائل وتحرق الدور والدوائر وتقطع الطرق العامة، وكل ذلك من باب الفقه والشرع ومن باب حفظ النظام العام الذي يتوجب تدخلكم". وتابع البيان "سيدنا المرجع نحن أبناء العشائر أسلحتنا جاهزة وأرواحنا مستعدة للشهادة، فإذا تتطلب الأمر، نحن نواجه الأحزاب والفاسدين، ونبعد كل من يستغل التظاهرات ليحصل على المال والمناصب". وقال إن "الموظفين يهانون، والمعلمون والمدرسون والأساتذة والأطباء وغيرهم يشتمون يومياً ويهددون، ومنهم من تعرض للضرب والأذى، ومشاريع الخدمات جميعها تعطلت في الجنوب وأموالها ستذهب إلى المحافظات الآمنة، ونحن في ضياع ولا حل في الأفق، الأجهزة الأمنية انهارت وأهينت وهي تريد من يحميها". وختم البيان بالقول "نناشدك عاجلاً أن توقف نزيف الدم والفوضى، والله الحرب الأهلية قادمة، ولا أحد ينجو منها".

وتعليقاً على البيان، رأى نائب عراقي أنه يحمل بصمة الأحزاب القوى السياسية الداعمة للحكومة، والتي تسعى إلى التأثير على رأي السيستاني الداعم للتظاهرات ومحاولة منع أي تصعيد في نبرته ضد الحكومة في الخطبة المقبلة أو إعلانه دعماً جديداً للحراك الشعبي. ولفت إلى أن البيان تضمن اتهامات خطيرة للمتظاهرين ومغالطات كبيرة، وتلويح بما كانت لوحت به أحزاب سياسية ومسؤولون حكوميون بينهم عبد المهدي، بـ"حرب شيعية ـ شيعية"، واصفاً البيان بأنه من "ألاعيب حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبدر"، في إشارة إلى الأحزاب الثلاثة الرئيسية الداعمة للحكومة.


رئيس مجلس عشائر محافظة البصرة الشيخ رائد الفريجي أكد في اتصال مع "العربي الجديد" أن "البيان لا يمثل عشائر الوسط والجنوب إطلاقاً، وبل هو صادر عن جهات مجهولة، ومن روج له هي وسائل إعلام مقربة من الحكومة والأحزاب الداعمة لها".

ولفت الفريجي في هذا السياق إلى أن البيان خلا من اسم أي عشيرة أو شيخ، ما يدل على أن "لا صحة له، ولا يشكل سوى محاولة لخلط الأوراق والتشويش على الشعب، لرسم صورة مفادها أن العشائر تتخذ موقفاً ضد المتظاهرين"، مؤكداً في المقابل دعم هذه العشائر للحراك، الذي يشكل موقف المرجع الديني أيضاً، مذكراً بأن بعض شيوخ العشائر "شاركوا بقطع طرق وشوارع، لإنجاح الإضراب العام والعصيان المدني". كما ذكّر بسقوط قتلى لهذه العشائر (خلال التظاهرات)، على يد ما سماه بـ"الطرف الثالث"، محملاً الحكومة "مسؤولية قتل أبنائها"، ومتبرئاً بمن التقاها أو التقى ممثلين عنها".

بدورهما، أكد زعيمان قبليان بارزان في الجنوب العراقي عدم علمهما بالبيان. ورفض الشيخ جاسم الجبوري، أحد شيوخ الجبور في الديوانية، في حديث مع "العربي الجديد"، نفي صحة البيان، الذي رأى أنه قد يكون صادراً عن "شيوخ الحكومة"، في إشارة إلى شخصيات عشائرية التقت برئيس الوزراء الأسبوع الماضي.

من جهته، وصف أحد مشايخ بني مالك في مدينة بابل، والذي رفض الكشف عن اسمه، البيان بـ"المضروب"، مبيناً في اتصال مع "العربي الجديد" أنه خلا من تواقيع الشيوخ المشاركين فيه، وأن أي اجتماع لم يسبقه أو يعلن عنه لتداول الأفكار. ورجح أن تكون مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية العراقية هي الجهة التي تقف وراءه، كونها تتبع حزب "الدعوة الإسلامية"، مفرقاً بين "صيغة البيان التي جاءت دينية، والخطاب العشائري".

عبد المهدي: سنحمي النظام
البيان المنسوب إلى عشائر الوسط والجنوب العراقي جاء متزامناً مع حديث لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، اعتبر تلويحاً بتصعيد جديدٍ في وسائل قمع التظاهرات. وقال رئيس الوزراء إن "الناس تريد العودة إلى مصالحها، والدولة لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هكذا أمور"، معتبراً في كلمةٍ له أمام أعضاء الحكومة أن "الدولة تتخذ حتى الآن موقف الدفاع"، وأن ما يجرى في العراق "فتنةٌ كبيرة".

وعلى الرغم من إقراره بوقوع أخطاءٍ تتعلق بمسألة حقوق الإنسان، تمسك عبد المهدي بموقفه من أن "هناك اعتداء وقع على النظام، الذي من واجبنا حمايته". وأشار إلى أن الدولة "لا يمكن لها أن تقف مكتوفة أمام ما يحدث من حالات اعتداء، وإلا سينهار النظام، الدولة حتى الآن في حالة دفاع وتواجه ضغطاً شديداً، وما يجرى في العراق فتنة كبيرة، وواجبنا حماية النظام العام والمواطنين على حدٍّ سواء، ونحن مصممون على أن يفرض القانون نفسه، وأن يأخذ مجراه ضد التظاهر غير السلمي"، متحدثاً عن إطلاق سراح 2500 متظاهر معتقل حتى الآن.

شيطنة التظاهرات
وبرأي عضو التيار المدني العراقي، فراس الموسوي، فإن الحكومة والأحزاب العراقية "دخلت فعلياً مرحلة شيطنة التظاهرات لإنهائها بشكل عصاباتي". وأضاف الموسوي، وهو الاسم حركي الذي يستخدمه هذا العضو بسبب ارتفاع وتيرة الاعتقالات التي تطاول الناشطين جنوبي البلاد، أن "تلفيق البيانات والتهم ضد المتظاهرين، وتنفيذ عمليات تخريب وحرق خلال الآونة الأخيرة من قبل جهات غير معروفة، شهدنا على بعضها، تبين أننا مقبلون على مرحلة قمع مفرط".
من جهته، أقرّ عضو في "التيار الصدري" في مدينة السماوة علي الرميثي، بوجود حملة تحريض وتشويه تتعرض لها التظاهرات، وتنفذها الحكومة والأحزاب منذ أيام، معرباً في حديث لـ"العربي الجديد" عن خشيته من أن تكون هذه الحملات "مقدمة لتصعيد القمع وإنهاء التظاهرات بالقوة"، ومن أن تكون الحملة الحالية "غطاء لما هو أعظم". وقال إن "سرايا السلام لا تزال في مواقعها قرب ساحات الاعتصام والتظاهرات وفقاً لأمر السيد القائد"، في إشارة الى توجيه سابق لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، لعناصر "سرايا السلام"، وهو الفصيل المسلح التابع له، بأن يتولى تأمين مكان التظاهرات ومنع أي اعتداء على المتظاهرين والمعتصمين.