النظام يستثمر في ملهاة اللجنة الدستورية: "الثوابت" قبل الدستور

27 نوفمبر 2019
تصر المعارضة على بحث ملفات دستورية (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
لم يسجل اليومان الأولان من الجولة الثانية لاجتماعات الهيئة المصغرة من اللجنة الدستورية السورية في جنيف أي جديد، في ظل رفض وفد النظام الدخول بمناقشة الدستور، مصرّاً على بحث قضايا تصنف سياسية ولا صلة لها باللجنة الدستورية، ومنها إدانة الإرهاب ورفع العقوبات وغيرها. وبعد مغادرة وفد النظام، الإثنين، المقر الأممي في جنيف، عقب رفضه جدول أعمال المعارضة، تعثّر انعقاد اجتماعات اللجنة، أمس الثلاثاء أيضاً، مع عدم تراجع وفد النظام عن مطالبه، والحديث فقط عن ركائز تتضمن نقاطاً لا تتعلق بالدستور، رافضاً الخوض في أي تفاصيل تتعلق بالدستور.

وأوضحت مصادر من داخل قائمة المعارضة المشاركة في جنيف، لـ"العربي الجديد"، أنه "بحسب القواعد الإجرائية لعمل اللجنة، من المطلوب تسليم جدول الأعمال من قِبل كل قائمة قبل بدء الجولة بـ72 ساعة للمبعوث الأممي، والمعارضة سلّمت ورقتها في الموعد المحدد وتضمّنت نقطتين، الأولى مقدمة، والثانية مبادئ أساسية، لكن يوم الإثنين ومع بدء الجولة تقدّم رئيس وفد النظام أحمد الكزبري بورقة حملت عنوان (ركائز وطنية تهم الشعب السوري) وأطلق على وفد النظام تسمية (الوفد الوطني)".
وتابع المصدر أن "تقديم الورقة وإطلاق هذه التسمية على الوفد، كان طريقة استفزازية جديدة، الهدف منها التعطيل والإساءة للآخرين، وتلك (الركائز الوطنية) لا يختلف اثنان عليها، لكنها خارج نطاق الدستور وخارج ولاية هذه اللجنة، ويمكن أن تكون ضمن مبادئ تناقش لاحقاً وتلحق بالدستور فلا مانع من ذلك، أما اشتراط مناقشتها أولاً قبل البدء بمناقشة الدستور، فهذا ما أحدث الإشكالية".

وتضمّنت الورقة التي قدّمها الكزبري عدة نقاط، منها "إدانة الإرهاب والتطرف والعنف والعمل على مكافحته، واعتبار كل من حمل سلاحاً خارج سلطة الدولة السورية إرهابياً، والتأكيد على وحدة واستقلال وسيادة سورية من خلال إدانة الاحتلالين التركي والأميركي وغيرهما من الوجود الأجنبي خارج موافقة الدولة السورية والمطالبة بخروجه، والمطالبة برفع الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري من قبل دول غربية".

وطلب الكزبري من المبعوث الأممي غير بيدرسن قبيل بدء الجلسة الافتتاحية، الإثنين، التوافق على هذه الورقة من جميع الوفود الثلاثة كشرط لبدء المناقشات، لكن الأطراف المعارضة إلى جانب بيدرسن أبدت تحفظاً على هذا الشرط، معتبرة أن مضامين الورقة لا تدخل ضمن تفاصيل أعمال اللجنة، ما استدعى موقفاً روسياً فورياً إلى جانب النظام. إذ حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مكتب المبعوث الأممي غير بيدرسن من مغبة التدخل في عمل اللجنة الدستورية السورية، مشدداً على ضرورة تحقيق التوازن الجغرافي في كادر موظفي هذا المكتب. وقال لافروف أيضاً: "خطر التدخّلات الخارجية وفرض حلول من الخارج على السوريين موجود، وعلى زملائنا في الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى سورية غير بيدرسن، إيقاف المحاولات من هذا النوع بكل حزم".


ورد يحيى العريضي، عضو القائمة الموسعة في اللجنة الدستورية عن المعارضة، والذي يحضر اجتماعات الهيئة المصغرة بصفته مستشاراً لأعضاء قائمته في هذه الجولة، على ما تقدّم به النظام بالقول: "من استقدم الميلشيات الإرهابية من 80 دولة لقتل السوريين والبقاء على كرسي الحكم، واستخدم الصواريخ والطائرات والبراميل المتفجرة، واستدعى الاحتلالين الروسي والإيراني ليرعب السوريين ليدمر بلدهم وبناهم التحتية، لا يحق له التحدث عن الإرهاب"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن مستعدون لمناقشة الإرهاب وحسب القانون الدولي، فالقرار الأممي 2254 يتحدث عن سلة ومحور الإرهاب، ونحن سنكون حاضرين لمناقشة هذه المسألة، ولا يستطيع أحد أن يزايد على أحد في هذا الشأن، وهذه الحجة ذاتها استخدمها النظام في مفاوضات جنيف سابقاً وسعى لإفشالها وأفشلها، وكل ما يريده مما تقدّم به عدم الانخراط في العملية الدستورية".

وطرح العريضي تساؤلاً اتهامياً للنظام، قائلاً: "هل من حمل السلاح داخل سلطة الدولة لديه مبرر لقتل الشعب؟ إذا كان الحديث عمن استخدم السلاح خارج سلطة الدولة على أنه إرهابي، فأيضاً من استخدم السلاح من داخل سلطة الدولة ضد الشعب ولقتله أيضاً إرهابي، النظام لا يستطيع فتح هذا الباب، لكنه يراوغ ويحاول أن يخدع العالم لا أكثر". وأضاف: "أما عن مطالبتهم بوحدة واستقلال سورية، فما من سوري إلا ويطمح لوحدة سورية واستقلالها، وأول من خرق وحدة سورية بحرمانه الأكراد ومكوّنات أخرى من حقوقهم هو النظام، أما بالنسبة للاستقلال، فمن يستدعي الاحتلال لا يمكنه أن يتحدث عن الاستقلال والسيادة".

ورأى العريضي في معرض رده أنه "عندما يبارك رئيس النظام الاتفاق التركي - الروسي بالنسبة لدخول تركيا إلى شرق الفرات، وتكون هناك مطالبات بالإدانة، فهذا الموقف يجب أن يكون أول ما يُدان، واتفاق أضنة واضح في مسألة مكافحة الإرهاب بين سورية وتركيا، فالمسألة ليست استنسابية ولا انتقائية، ومن جهتنا لا نريد قدماً أجنبية على أرضنا أكثر من النظام، وعلى العكس هو من يفعل ذلك". وأشار أيضاً إلى أن "العقوبات الغربية التي يطالب النظام برفعها، وراءها عرقلة العملية السياسية من قبله، وهو غير مهتم أساساً بها، فهذه العقوبات يتحمّلها الشعب السوري وليس النظام".

من جهة أخرى، يحاول أعضاء قائمة المجتمع المدني داخل اللجنة الدستورية، حثّ المبعوث الأممي على تكثيف جهوده للضغط على الأطراف المتدخلة في سورية، ولا سيما الروس الذين يقفون إلى جانب النظام، لإيقاف العمليات العسكرية واستهداف المدنيين في إدلب ومحيطها بالتزامن مع أعمال اللجنة، واجتمع أعضاء القائمة المصغرة للمجتمع المدني مع بيدرسن وقدّم لهم وعوداً في هذا الإطار.

ويحاول النظام تمييع هذه العملية بطرح مواضيع جانبية بهدف تشتيت الجهود الدولية لإنجاح الاستحقاق الدستوري، وقد نجح سابقاً في ذلك ضمن مسارات مختلفة كجنيف وأستانة. ويوجّه سوريون معارضون أصابع النقد إلى الممثلين عنهم في المعارضة، بالذهاب إلى حيث يريد النظام في تضييع الوقت واستهلاك جهود سياسية مهدورة، فيما تدك الطائرات والصواريخ مدنهم وقراهم.