لا تزال منطقة شرق نهر الفرات في صدارة المشهد السوري، مع تلاحق التطورات الميدانية والعسكرية فيها، وأبرزها محاولة "الجيش الوطني" السوري التابع للمعارضة والمدعوم من الجيش التركي توسيع نطاق نفوذه في المنطقة، بهجوم جديد بدأه أمس السبت للسيطرة على بلدة عين عيسى الاستراتيجية في ريف الرقة الشمالي، وهو أمر إن حصل سيفرض معادلات جديدة في المنطقة، ولا سيما لجهة التحكّم بالطريق الدولية "أم 4". في غضون ذلك، تتواصل التفجيرات في شرق الفرات، ولا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ تركيا وحلفائها، وهو ما يطرح تساؤلات عمّن يقف خلفها. وتتواصل التطورات العسكرية والميدانية في الريف الشمالي لمحافظة الرقة، التي قد تتحول إلى مواجهة مفتوحة بين "الجيش الوطني" الساعي إلى توسيع نطاق سيطرته في شرق الفرات، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تحاول الحد من تمدد فصائل المعارضة السورية في المنطقة. وفي هذا الصدد، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي شنّت أمس السبت هجوماً على محيط بلدة عين عيسى وأطرافها بريف الرقة الشمالي، مشيراً إلى أن الاشتباكات التي وصفها بـ"العنيفة" تدور بين هذه الفصائل و"قسد" على بعد نحو كيلومتر من البلدة. وأشار المرصد السوري إلى أن قوات النظام المتمركزة في المنطقة، انسحبت من مواقعها مع بدء الهجوم، موضحاً أن قوات النظام دأبت على الانسحاب من المناطق التي يستهدفها "الجيش الوطني" السوري، في محاولة - كما يبدو - لتجنب مواجهة مفتوحة بين الطرفين يمكن أن تودي بالتفاهمات بين موسكو وأنقرة حول منطقة شرق نهر الفرات. من جهتها، أكدت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أن فصائل "الجيش الوطني" للمعارضة تشنّ هجوماً وصفته بـ "العنيف" على بلدة عين عيسى.
وعين عيسى، التي تقع إلى الشمال من مدينة الرقة بنحو 35 كيلومتراً، من البلدات المهمة في ريف الرقة الشمالي، لكونها تقع على الطريق الدولية "أم 4" التي تربط مدينة حلب بمحافظة الحسكة. وجغرافياً تقع عين عيسى خارج "المنطقة الآمنة" التي نص عليها الاتفاق الروسي التركي، وتبعد عن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً، فضلاً عن كونها تقع إلى الجنوب قليلاً من الطريق الدولية المذكورة. وعقب سيطرة "قسد" على منطقة شرقي نهر الفرات حوّلت بلدة عين عيسى إلى مقرّ مهم من مقارّها في المنطقة، وانشأت فيها واحداً من أكبر المخيمات التي ضمّت نازحين بسبب المعارك بين القوات وتنظيم "داعش"، وخصوصاً في عام 2017.
ورفض قادة في "الجيش الوطني" الإدلاء بأي تصريح حول العملية العسكرية التي بدأت باتجاه بلدة عين عيسى. ومن الواضح أن "الجيش الوطني" يحاول فرض معادلات صراع جديدة بتوغله جنوباً ليقترب أكثر من مدينة الرقة السورية في تقطيع لأوصال المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة "قسد". وفي حال سيطرة "الجيش الوطني" على بلدة عين عيسى، يكون بذلك المتحكم بالطريق الدولية "أم 4"، وهو ما يحدّ من قدرة قوات النظام على توسيع نطاق انتشارها في المنطقة وفق الاتفاق العسكري الذي أبرمته مع الجانب الكردي.
في غضون ذلك، قُتل وجرح عشرات المدنيين أمس السبت بانفجار سيارة مفخخة في مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، في سياق عمليات مشابهة تضرب المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي و"الجيش الوطني السوري". وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن سيارة مفخخة انفجرت أمام فرن الإسكان الاحتياطي في مدينة تل أبيض شمالي غربي الرقة، ما أوقع قتلى وجرحى، بينهم أطفال ونساء. وأشارت المصادر إلى مقتل 6 أشخاص، وجرح 15 آخرين على الأقل، فيما كانت فرق الإسعاف لا تزال تعمل في المنطقة، بينما قالت وسائل إعلام محلية إن الحصيلة الأولية لانفجار السيارة المفخخة في تل أبيض بلغت 10 قتلى وأكثر من 25 جريحاً، مشيرة إلى أن حالات حرجة بين المصابين نقلت إلى مستشفيات تركية للعلاج. ومن جهتها، ذكرت وزارة الدفاع التركية، في تغريدة على "تويتر"، أن تنظيم "الوحدات الكردية" هاجم المدنيين الذين كانوا على رأس عملهم في المنطقة الصناعية بتل أبيض عبر سيارة مفخخة، مؤكدة مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين، وفق حصيلة أولية.
واتهم القيادي في "الجيش الوطني" مصطفى سيجري الوحدات الكردية بالوقوف وراء التفجير، مشيراً في تغريدة له على "تويتر" إلى أن "هذه التنظيمات ما زالت تسيطر على جميع المناطق والبلدات داخل المنطقة المتفق عليها في سوتشي"، مضيفاً: "الوجود الروسي يهدف إلى حمايتها والتغطية على جرائمها". ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجيرات التي تضرب المنطقة الممتدة ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وهي منطقة نفوذ تركية، إلا أن أصابع الاتهام تتجه نحو "قسد"، لكونها المستفيدة من هذه التفجيرات. وكان ثمانية أشخاص قد قُتلوا، وجُرح 22 آخرون في العاشر من الشهر الحالي في انفجار كبير هزّ بلدة سلوك في ريف تل أبيض الذي شهد العديد من الانفجارات منذ انتزاع "الجيش الوطني" السيطرة عليه من "قسد" منتصف الشهر الماضي.
وكان اتفاق تركي روسي حول شرق الفرات قد أُبرم الشهر الماضي في مدينة سوتشي، نصّ على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قسد" وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات. كذلك نصّ على أن الجيشين التركي والروسي سيبدآن تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق منطقة العمليات التركية وغربها، شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين. وأشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى أن "جلّ المفخخات استهدفت الأفران والأسواق الشعبية"، مضيفة: "من الواضح أن الجهة التي تقف وراء التفجيرات تستهدف قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وخلق حالة هلع في المنطقة التي يخطط الأتراك لإعادة لاجئين سوريين في تركيا إليها".
في سياق متصل، سيّر الجانبان التركي والروسي أمس السبت دورية مشتركة جديدة في منطقة شرق نهر الفرات، وفق اتفاق سوتشي بين الطرفين، الذي حدد قواعد "اللعبة" الجديدة في المنطقة الغنية بالثروات. وذكر المرصد السوري أن الدورية جالت في ريف مدينة الدرباسية الجنوبي الغربي، وسط تحليق لمروحيتين اثنتين في سماء المنطقة. وهذه الدورية المشتركة هي العاشرة من نوعها منذ بدء تنفيذ الاتفاق بين الروس والأتراك حول شمال سورية مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.
في غضون ذلك، أشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريحات تلفزيونية نقلتها وكالة "الأناضول" أمس حول التفاهمات مع الروس لإبعاد الوحدات الكردية و"قسد" عن الحدود السورية - التركية، إلى أن الوقائع على الأرض تشير إلى أن عناصر "قسد" ما زالوا في المنطقة، على الرغم من الاتفاق الروسي التركي الذي نصّ على انسحابهم 30 كيلومتراً جنوباً داخل الاراضي السورية. وأوضح أن اللقاءات مع الروس "ما زالت متواصلة من أجل إخراج كل المجموعات الإرهابية من المنطقة"، معرباً عن اعتقاده بأن الدوريات التركية الروسية المشتركة ستكون أكثر فائدة وأكثر نجاحاً في الأيام المقبلة، لجهة رؤية التطورات في المنطقة من كثب. وأشار إلى أنه يُبحَث إنشاء نقاط مراقبة في المنطقة، إضافة إلى الدوريات المشتركة، وسيُبَتّ الموضوع خلال الأيام المقبلة، مضيفاً: "لا نطمع بأراضي أي أحد، هدفنا الوحيد ضمان أمن بلادنا وأمتنا".