على وقع تواصل التظاهرات في العراق بزخم وسقوط مزيد من الضحايا، باتت الأنظار تتجه نحو البرلمان أكثر من الحكومة. فمهمة سنّ قانون جديد للانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة تتولى إدارة عملية الاقتراع أصبح يتصدر الحدث السياسي العراقي في الوقت الحالي، بعد استنفاد حكومة عادل عبد المهدي جميع حزمها الإصلاحية، وفشل وثيقة الاتفاق السياسي التي وقعت الاثنين الماضي بين 12 كتلة سياسية مختلفة، بعدما لاقت رفضاً شعبياً واسعاً، بسبب ما اعتبر أنه محاولة كسب وقت والمراهنة على ملل المتظاهرين.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان العراقي جلسةً جديدة له ظهر اليوم السبت، لإجراء قراءة ثانية لقانون الانتخابات الجديد، والذي يتضمن بنوداً عدة مهمة، من بينها منع من يشغل مناصب رئيس الجمهورية ونوابه، رئيس الوزراء ونوابه، الوزراء ووكلاء الوزارات، المحافظين، والمديرين العامين، من الترشح للانتخابات، وتقليل عدد أعضاء البرلمان إلى 223 بدلاً من 329 نائباً، وأن يكون الفوز للأعلى أصواتاً بغض النظر عن موقف كتلته أو حزبه وعدد أصواته.
ووفقاً لمسؤول في الدائرة القانونية بالبرلمان العراقي تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنّ القانون يحتاج لأكثر من قراءة، موضحاً أنه "توجد ملاحظات كثيرة من النواب عليه ومن قانونيين وقضاة أيضاً وخبراء فنيين، لذا قد يحتاج لقراءات ومناقشات عدة قبل الانتقال إلى مرحلة التصويت عليه التي من المؤكد أنها ستكون الشهر المقبل".
وأكد المسؤول نفسه أنّ هناك استعجالاً من أطراف عدة لإقرار القانون وقد يكون ذلك إيذاناً بالذهاب لانتخابات مبكرة عامة في البلاد العام المقبل. مع العلم أن عدد القراءات يبلغ في حده الأقصى سبع، وفي حال انقضاء هذه القراءات من دون التوصّل إلى اتفاق على تمرير مشروع القانون، يعاد إلى الحكومة لإعادة صياغة مشروع جديد.
في الأثناء، اعتبرت خطبة المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، التي ألقاها ممثله عبد المهدي الكربلائي، أمس الجمعة، بمثابة إعلان عن رفض اتفاقية القوى السياسية الموقعة الاثنين الماضي بين 12 كتلة سياسية، وتأكيداً على دعمه للتظاهرات. وقال ممثل السيستاني إنّ "المرجعية الدينية أوضحت موقفها من الاحتجاجات السلمية المطالبة بالإصلاح في خطبة الجمعة الماضية والتأكيد على سلميتها وخلوها من العنف والتخريب، والتشديد على حُرمة الدم العراقي، وضرورة استجابة القوى السياسية للمطالب". وأضاف أنّ "المرجعية إذ توكّد على ما سبق، تُشدّد على ضرورة الإسراع في إنجاز قانون الانتخابات وقانون مفوضيّتها بالوصف الذي تقدّم في تلك الخطبة، (الخطبة الماضية)، لأنهما يُمهدان لتجاوز الأزمة الكبيرة التي يمر بها البلد".
وعقب انتهاء الجزء المتعلق بحديث السيستاني، عقّب ممثله الكربلائي بالقول إنّ "الثورات في العالم تقوم بسبب الظلم الذي يلحق بالشعوب"، موضحاً أنه "لا يجوز للحاكم والمسؤول أن يعتبر الرعية فريسة والاستحواذ من خلال السلطة على مقدراتهم وأموالهم". وأكّد أنّ "التظاهرات السلمية هي من الأساليب العصرية في إسماع مظلومية الشعوب وشكاويهم، ولا بدّ من أن يفسح لهم الحاكم والمسؤول المجال لذلك، ويسعى إلى الاستجابة لهم وفق مبادئ الحق والعدل".
وأضاف الكربلائي: "لو تأملنا صفحات التاريخ لوجدنا أنّ الكثير من ثورات الشعوب وتمردها إنما هو بسبب الظلم الذي استشرى وسطهم، ولم يجدوا غير ذلك سبيلاً للخلاص". ولفت إلى أنّ "المستشارين قد يضللون الحكام والمسؤولين"، محذراً من أنّ "سفك الدماء قد يؤدي إلى زوال الحكم وانتقاله إلى آخرين".
في السياق، قال قيادي بارز في التيار الصدري ومقرب من زعيمه مقتدى الصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ النجف "تريد قانوناً جديداً للانتخابات قبل أن تؤيد صراحة مطلب الشارع في انتخابات مبكرة"، وأضاف طالباً عدم ذكر هويته: "انتخابات مبكرة على أساس القانون الحالي تعني عودة الوجوه نفسها والأحزاب نفسها والاقتسام نفسه. لذا، الجميع ينتظر إقرار القانون الجديد وتشكيل المفوضية الجديدة"، معتبراً أنّ "الشارع صار يؤثر كثيراً على مواقف المرجعية الدينية".
في المقابل، قال عضو "الحزب الشيوعي العراقي"، علي سعد اللامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الجميع بمن فيهم نحن الشيوعيون الذين كنا نعتبر أنفسنا الأقرب للشارع وهمومه، لم نتوقع هذا الانفجار الشعبي في العراق". وتابع "لذلك، الجميع يتوخى اليوم أن يكون في مرمى المتظاهرين، وهذا ما بدا واضحاً ليلة الخميس وفجر أمس الجمعة، إذ أُحرقت دواوين لشيوخ عشائر ومقر لمجلس عشائري في الجنوب من قبل المتظاهرين، رداً على مشاركة بعض شيوخ القبائل باجتماع مع عادل عبد المهدي، والأغرب أنّ الحرق جاء على يد أبناء من تلك العشائر أنفسهم".
وكان متظاهرون قد أضرموا النار بمقر مديرية شؤون العشائر وثلاثة دواوين أحدها من القصب ذي الرمزية الاجتماعية الكبيرة في الجنوب العراقي، رداً على الاجتماع الذي شارك فيه شيوخ عشائر مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، فيما تم ترديد هتافات ضدهم أمس الجمعة من قبيل "الشيوخ اللي راحت بغداد موش ويانه".
وعلى غرار الجُمع السابقة، شهد يوم أمس الجمعة الذي أطلق عليه اسم "جمعة الخلاص"، أحداثاً دامية في بغداد والبصرة وذي قار، بعد احتشاد أعداد كبيرة من المواطنين في "يوم الخلاص" في ساحات وميادين التظاهرات، فيما بدت عودة العنصر النسوي واضحةً أكثر من الأيام الماضية.
وشهدت بغداد تظاهرات حاشدة، حيث غصّت ساحات التحرير والطيران والخلاني بالجموع، وكذلك عند جسور الأحرار والجمهورية والسنك، فضلاً عن المطعم التركي وشارع الرشيد ومنطقة حافظ القاضي.
وقالت مصادر طبية عراقية إنّ 3 مدنيين قتلوا من بينهم الناشط علي خضر الملقب بعلي الكرار، وهو أحد أفراد فريق صدّ قنابل الغاز التي تطلقها قوات الأمن والتخلص منها، وقد ذاع صيته بين المتظاهرين في الفترة الماضية. كما أصيب نحو 30 متظاهراً آخرين. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنّ الضحايا سقطوا بين ساحة الخلاني ومنطقة حافظ القاضي على يمين شارع الرشيد ببغداد.
وفي البصرة، سجلت إصابة نحو 20 متظاهراً بمنطقة أم قصر بعد إطلاق قوات الأمن النار بشكل عشوائي لفتح طريق "بئر 20" والطريق الفرعي المتجه إلى ميناء أم قصر على الخليج العربي.
ولم يمنع فرض حظر التجوال في الرفاعي والغراف من خروج تظاهرات واسعة شاركت بها مختلف شرائح محافظة ذي قار جنوبي العراق، وهو الأمر نفسه الذي حصل في كربلاء والنجف والكوفة، حيث خرجت تظاهرات حاشدة عقب خطبة الجمعة.
من جهتها، نفّذت الحكومة العراقية التي كانت تأمل، وفقاً لمصادر سياسية، أن تتضمن خطب الجمعة دعوة لاستئناف الدوام بالمدارس والجامعات بالجنوب وبغداد بعد أسبوع من توقفها، وهو ما لم يتحقق لها، نفّذت عمليات اعتقال طاولت نحو 30 عراقياً في ميسان وكربلاء وبغداد، وفقاً لناشطين وحقوقيين قالوا إنّ ذلك يأتي بعد ساعات من إعلان القضاء إطلاق سراح نحو 2400 معتقل.
وفي السياق، قال الناشط أحمد حسين الوائلي من كربلاء لـ"العربي الجديد"، إنّ "جهاز الأمن الوطني التابع لفالح الفياض هو المتورط بأغلب عمليات الاعتقال، وعلى ما يبدو يستهدف من يعتبرهم يقفون وراء دعوات استمرار الإضراب في المدارس والجامعات".