اعتصامات تتحدى القمع والطقس
وتدخل التظاهرات، التي حافظت على شعارها الرئيس "نريد وطناً"، أسبوعها الخامس على التوالي منذ استئنافها في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد توقف دام لنحو أسبوعين، تزامن مع مراسم إحياء ذكرى أربعينية استشهاد الإمام الحسين بن علي، حيث توافد ملايين العراقيين والزائرين من خارج العراق إلى مدينتي النجف وكربلاء.
ووفقا لناشطين في كربلاء والبصرة وذي قار وميسان، أكثر محافظات الجنوب والوسط العراقي حراكا، فإن الآلاف باتوا في الخيام بساحات وميادين التظاهرات رغم انخفاض درجات الحرارة، في وقت عادت لتتجدد مرة أخرى صباح الخميس مع توافد طلاب المدارس والجامعات إلى ساحات وميادين التظاهر.
وتتركز في هذه الأثناء التظاهرات في البصرة، وتحديدا بلدة سفوان، حيث قطع متظاهرون الطريق الرئيسية إلى منفذ سفوان البري بين العراق والكويت، فضلا عن شط العرب والمدينة، بينما تتركز التظاهرات في كربلاء بساحة التربية، وقرب مبنى الضريبة القديم، وفي النجف بالشارع الرئيس للمدينة، وفي الكوت مركز محافظة واسط، التي شهدت تظاهرات واسعة بعد التاسعة من صباح اليوم بتوقيت بغداد، وهو الأمر نفسه في السماوة مركز المثنى والديوانية مركز القادسية والعمارة مركز ميسان.
وفي ساحة الخلاني، وسط بغداد، تجددت صباح اليوم المواجهات بعدما حاول المتظاهرون التقدم نحو جسر السنك، وقد واجههم عناصر الأمن بقنابل الغاز، فتراجعوا، ومن ثم تقدموا مرة أخرى بالرغم من تسجيل حالات اختناق، قبل أن يعلن عن سقوط قتيلين.
وشهدت بلدة الغراف، بمحافظة ذي قار، ليلة أمس، انفجار عبوة صوتية قرب ساحة الاعتصام لم تسفر عن تسجيل ضحايا.
ولا يبدو المشهد في تلك الساحات، التي نصبت في بعضها الخيام وأوقدت النيران للتدفئة، أن هناك مجالا للتراجع عن التظاهرات، في وقت يؤكد متظاهرون أن سلب الحقوق "أشد وطئاً علينا من موجات البرد وعنف عناصر الأمن".
وحمل المتظاهرون شعارات "لا تراجع حتى إعادة الحقوق" في تظاهرات بات واضحا أن الحكومة تواجه صعوبات في التعامل معها لاحتوائها وإنهائها، رغم القمع الشديد، في ظل تشبث المتظاهرين بمطلب تغيير الحكومة.
ناشط: لن نتراجع
وبحسب الناشط المدني جمال الساعدي، فإن "المتظاهرين حسموا أمرهم، فلا عودة إلا بتحقيق المطالب"، مبينا لـ"العربي الجديد" أن "موجات البرد وزخات المطر ورصاص عناصر الأمن والعبوات الناسفة والصوتية وقنابل الغاز كلها تجمعت علينا، لكنها زادت من صمودنا وإصرارنا على البقاء".
وأكد الساعدي أن "المعاناة التي عشناها طوال الـ16 عاما التي مضت من أعمارنا، والتي سلبتنا فيها أحزاب السلطة حقوقنا، جعلتنا نتحمل كل شيء في سبيل استعادتها مجددا"، مبينا: "نعمل يوميا على نصب الخيم والسرادقات في ساحات الاعتصام، ونوقد النيران لأجل التدفئة، وزودنا الأهالي بملابس شتائية وأغطية بكميات كبيرة تكفي لقضاء فترة الشتاء كلها"، مبينا: "لقد عزمنا على الاستمرار بالتظاهرات.. ساحات الاعتصام أصبحت بيوتنا".
ولم يقتصر الحال على المتظاهرين من الرجال، بل إن الإصرار والتحدي اتصفت بهما حتى النساء المتظاهرات.
وتقول أم أحمد، ذات الـ54 عاما: "نعمل يوميا بالتعاون مع إخواننا المتظاهرين على تنظيف ساحات الاعتصام، وتهيئة الأجواء المناسبة للبقاء في تلك الساحات"، مبينة لـ"العربي الجديد": "لقد بدأنا بخطوات استعادة الحقوق، ولا تراجع حتى لو كلفنا ذلك أرواحنا".
حالة التحدي التي اتصف بها المتظاهرون جعلت من تلك الساحات ساحات للكر والفر يوميا بين عناصر الأمن والمتظاهرين، الذين لا يحملون أي سلاح.
إلى ذلك، وزع ناشطون في ساحات وميادين التظاهرات منشورات تدعو للتحشيد لجمعة مليونية جديدة يوم غد، لتأكيد المطالب وأيضا رفض وثيقة الاتفاق السياسي التي اعتبروها محاولات تشبث بالسلطة لا أكثر.
انتشار أمني كثيف
وتجري هذه التظاهرات في ظل انتشار أمني واسع لقوات من الجيش وجهاز فضّ الشغب والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية، يقدر عددهم بعموم مدن جنوب ووسط البلاد بأكثر من ربع مليون عنصر مستنفرين أمنيا منذ انطلاق التظاهرات.
وقال مسؤولون أمنيون إن الانتشار الأمني يأتي منعا لأي انزلاق خطير أو استغلال للتظاهرات، لكن المتظاهرين يقولون إن وظيفة الأمن إطلاق قنابل الغاز والرصاص الحي، والتي خلفت نحو 200 ضحية بالجنوب الوسط العراقي، وآلاف المصابين حتى الآن، وهو الأمر ذاته في بغداد التي تتصدر مدن التظاهرات في عدد الضحايا، حيث بلغت أكثر من 125 ضحية وآلاف المصابين أيضا.
الإفراج عن 2400 متظاهر
في غضون ذلك، كشف مجلس القضاء الأعلى عن عدد المطلق سراحهم من المتظاهرين حتى اليوم.
وقال المتحدث باسم المجلس القاضي عبد الستار بيرقدار، في بيان مقتضب، إن "عدد المطلق سراحهم في قضايا التظاهرات، بكفالة أو بالإفراج، بلغ 2400 حتى اليوم"، دون أن يكشف مزيدا من التفاصيل.