لا يزال الشارع في تشيلي، وخصوصاً في ساحات اعتصام وسط العاصمة سانتياغو، التي تتصدرها ساحة إيطاليا، التي غيّر المتظاهرون اسمها إلى ساحة الكرامة أو "ديغنتي بلازا"، مصرّا على مواصلة حراكه رغم كلمة الرئيس سبستيان بنييرا، التي ندد من خلالها، بعد أسابيع من انطلاق الاحتجاجات، بعنف الشرطة والأمن بحق هؤلاء الذين سقط من بينهم نحو 20 قتيلا، وأكثر من ألف جريح.
وما يغضب الشارع في سانتياغو أن بنييرا نفسه متهم بأنه "قاتل"، بعد كلمة سابقة له تحدث فيها بما يسميه المحتجون بـ"استعلائية وتحريض"، حين اعتبر أن الأولوية هي لحفظ الأمن، ما اعتبر رخصة للأمن باستخدام كل وسائل العنف بحق المتظاهرين.
وما يغضب الشارع في سانتياغو أن بنييرا نفسه متهم بأنه "قاتل"، بعد كلمة سابقة له تحدث فيها بما يسميه المحتجون بـ"استعلائية وتحريض"، حين اعتبر أن الأولوية هي لحفظ الأمن، ما اعتبر رخصة للأمن باستخدام كل وسائل العنف بحق المتظاهرين.
وكان أمس الأحد قد شهد مواجهات لم تخلُ من عنف الشرطة التي طاردت بعض الشبان والنساء، واستخدمت قنابل صوتية، وغازا مسيلا للدموع رائحته قوية ونفاذة عن بعد. وأثناء جولة قرب ساحة الاعتصام، وفي الحدائق المحيطة بها، حيث نصب البعض ما يشبه الخيام، لوحظ أن تعهدات بنييرا بملاحقة الضباط الذين "استخدموا القوة المفرطة" قانونيا قوبلت باستهجان وهتافات غاضبة.
واعترف بنييرا بأنه "لم يجر احترام حقوق الجميع"، وهو قول يقصد به تلك القوة التي جابهت حركة احتجاجية بدأت سلميا ضد رفع أسعار المترو لتتطور مع الوقت، ومع زيادة منسوب البطش واللامبالاة التي واجه فيها الرئيس الحركة الاحتجاجية، إلى مطالب أبعد من أسعار المترو.
ففي العاصمة سنتياغو يشكو الجميع، بمن فيهم ميسورو الحال، من ارتفاع الأسعار وشبه انعدام لدور القطاع العام في خدمات الصحة والتعليم والبنى التحتية، إلى جانب حقوق أخرى كثيرة ذات أولوية "أهم من قضية تعديل الدستور التي دخلت فيها الطبقة السياسية لحرف الأنظار عن مطالبنا"، بحسب ما تحدث به ناشط في الحركة الاحتجاجية، كان يحمل مكبر صوت ويخاطب مجموعة من الناس الذين حضروا تضامنا مع المحتجين إثر كلمة الرئيس. ويقول سيرخيو الذي حضر إلى ساحة الاعتصام، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس سبستيان بنييرا يقدم نفسه وكأنه غير مسؤول ولا يعرف بالقتل الذي تم والعنف الذي جرح كثيرين من رفاقنا، هو المسؤول المباشر مع طبقة سياسية وأمنية، وبعضهم من عصر بينوشيه، وعليه سنصعد مطالبنا ليرحل هو ومن معه ولتدخل تشيلي مرحلة ديمقراطية حقيقية ومباشرة لقول الشعب كلمته الفصل".
وبعد شهر على الاحتجاجات التي تشهدها سنتياغو للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومواجهة تردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان العملة المحلية لقوتها الشرائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، لا يزال الناس مصرين على إنهاء ما يطلقون عليه "الفوارق الطبقية الهائلة بين أثرياء البلد ونخبة الحكم وبقية الشعب". وحتى الطبقة المتوسطة في تشيلي، باتت تشكو من تردي الأوضاع، ويعني هؤلاء بشكل رئيس خدمات الصحة والرواتب والتقاعد وانتشار الفساد.
والقضية الأخيرة أصبحت مثار سجال في الشارع، بعد أن بدا أن "الشرطة والأمن والسياسيين يغطون على بعضهم في عمليات استهداف المحتجين". وكانت نقمة بعض المحتجين ممن يوصفون بـ"الفوضويين"، قد أوقعت عمليات تخريب شهدتها بعض مناطق العاصمة، ما دفع المحلات التجارية والشركات قرب ساحة الاعتصام وفي الشوارع المؤدية إليها، للجوء إلى وسائل حماية ذاتية بتغطية محلاتهم وواجهات الشركات بألواح لتجنب غضب المتظاهرين.
وكان المركز التشيلي لحقوق الإنسان (هيئة مستقلة) قد أعلن في نهاية الأسبوع أنه سيتقدم بشكاوى ضد رجال شرطة شاركوا بالقتل وبتهمة "القتل العمد"، بحسب ما صدر عن المركز. ومن التهم التي وجهت إلى رجال الشرطة أنهم بعد أن يصيبوا المتظاهرين "يمنعون سيارات الإسعاف من الوصول إليهم، ما أدى لوفيات متعمدة، وبشكل خاص لشخص أصيب بأزمة قلبية، وجرى توثيق حالة منع الإسعاف من إنقاذه يوم الجمعة الماضي".
وتصيب قنابل الغاز التي تطلقها القوات الأمنية على المتظاهرين بعضهم بالاختناق، عدا عن إصابات في العيون بطلقات "مطاطية"، وهو ما شبهه بعض من تحدث إلى "العربي الجديد" بـ"وسائل قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا والشرق الأوسط"، معبرين عن صدمتهم مما يحدث.
وكانت إصابات خراطيم المياه لا تقل خطورة عن الطلقات المطاطية، التي لا تفرق أيضًا بين متظاهرين وصحافيين، إن كانوا محليين أو أجانب، إذ تدفع قوة المياه الشديدة الشخص لأمتار ويسقط أرضا، ويتبعها على الفور استخدام قنابل مسيلة للدموع وطلقات مطاطية تمنع الاقتراب ممن سقط.
وذهب المركز التشيلي لحقوق الإنسان، أمس، لاعتبار هذه القوة المفرطة سببا في وفاة أحد هؤلاء المشاركين، بعد نقله إلى مشفى سنتياغو وتوقف قلبه عن العمل نتيجة الاختناق. ومن اللافت أن يذكر المركز أن "المسعفين أنفسهم أصيبوا أيضا بطلقات مطاطية لمنع إنقاذ الشاب آبل أكونا".
واندلعت التظاهرات في سنتياغو ومدن تشيلية أخرى قبل نحو شهر في بلد كان يعتبر الأكثر تقدما في القارة اللاتينية، لكن يبدو أن صبر الشعب على ساسته قد نفذ بعد أن استمر الحكم عقب انتهاء الديكتاتورية في 1990 والانتقال إلى نظام ديمقراطي بطريقة يصفونها بالفاسدة، في خضم حالة جمود سياسي مع تعطيل دستوري لأية إصلاحات حقيقية في الخدمات الأساسية، وبينها التعليم والصحة والرواتب المتدنية.
ولم تعد المطالب اجتماعية فحسب هذه الأيام؛ بل تعدتها إلى السياسية المطالبة بإسقاط النخبتين السياسية والاقتصادية في البلد، وتبني دستور ونظام "الديمقراطية المباشرة للشعب".
والاتهامات الخطيرة في الشارع، ومن قبل مصادر تحدثت إلى "العربي الجديد"، عن أن تكتيكات الأمن التشيلي أتت بمساعدة إسرائيل، تزيد منسوب غضب اليسار والشارع على دولة الاحتلال، ويعبر كثيرون عن امتعاضهم من تبني أساليب دولة الاحتلال في بلد يحكمه رئيس مقرب من تل أبيب بشكل ملحوظ.