سباق بين العملية التركية ومحاولات منعها: "قسد" تلوح بخياراتها


09 أكتوبر 2019
أعلنت أنقرة "استكمال" الاستعدادات لشن العملية (بولنت كيليتش/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي تواصل فيه تركيا استكمال حشودها العسكرية على الحدود السورية، وبروز مواقف إيرانية وروسية حاسمة باتجاه معارضة العملية العسكرية التركية في شرق الفرات، اتجهت الأنظار إلى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) لأن خياراتها، السياسية والعسكرية، ستكون حاسمة حول التوجه الذي ستنحو إليه المنطقة. يأتي ذلك في وقت حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، التخفيف من التوتر الذي تسبب به قراره غض الطرف عن العملية التركية وسحب الجنود الأميركيين، الأمر الذي عده الأكراد طعنة لهم، مشيراً إلى أنه لم يتخل عن أكراد سورية، مكرراً تحذيراته إلى تركيا. وقال ترامب أمس: "أكرر ما أكدته من قبل، أنه إذا فعلت تركيا أي شيء أعتبره بحكمتي البالغة التي لا تضاهى متجاوزاً للحدود فسأدمر الاقتصاد التركي وأمحوه تماماً. لقد فعلت ذلك من قبل". من جهته، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جوناثان هوفمان، في بيان، أن البنتاغون لا يزال يحاول إقناع تركيا بعدم غزو شمال شرقي سورية، موضحاً أن الولايات المتحدة لا تؤيد أي عملية عسكرية تركية في سورية.

كما تترافق التحضيرات الميدانية مع حراك سياسي مكثف، شمل بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، "التسوية السورية، مع التركيز على الوضع شمال شرقي سورية"، وذلك بعد ساعات من إبلاغ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نظيره التركي رفض طهران العملية العسكرية التركية في شرق الفرات. وكانت روسيا أعلنت أمس أنها لم تُبلغ مسبقاً سواء من الولايات المتحدة أو تركيا، بأي ترتيبات توصلتا إليها بشأن خطط لسحب قوات أميركية من شمال شرق سورية، مضيفة أنها تتابع الوضع "عن كثب شديد".

وفي إطار محاولاتها لوقف العملية العسكرية، تسعى "قسد" إلى إعادة طرق أبواب النظام السوري للعمل المشترك على مواجهة التهديد التركي. وقال قائدها العام مظلوم عبدي، أمس الثلاثاء، إنه يدرس إمكانية التحالف مع قوات النظام السوري لمواجهة التهديدات التركية. وأضاف، في لقاء مع قناة "أن بي سي نيوز" الأميركية، أن "أحد الخيارات المطروحة أمام قسد على الطاولة هو عقد شراكة مع رئيس النظام السوري بشار الأسد لمواجهة تركيا"، بدون أن يتطرق إلى تفاصيل المباحثات. وسبق أن قالت مصادر إن النظام السوري يجري مباحثات مع "قسد" حول التهديدات التركية بشن عملية عسكرية شرقي الفرات، تتضمن تسلم الأول حقول نفط مقابل حماية مناطق تسيطر عليها "قسد". واعتبر عبدي أن قرار واشنطن سحب قواتها من الحدود السورية - التركية "مهّد الطريق أمام تركيا لشن عمليتها العسكرية"، مضيفاً أن ذلك "يضرّ بمصداقية الولايات المتحدة".

كما تحدث المسؤول في "قسد" بدران جيا كرد عن إمكانية التحالف مع النظام السوري والروس "لسد الفراغ (الأميركي) وصد الهجوم التركي"، وهو ما سارع النظام السوري إلى محاولة استثماره عبر دعوته الأكراد لـ"العودة إلى الوطن". وقال نائب وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في تصريحات لصحيفة "الوطن"، متوجهاً للأكراد "ننصح من ضلّ الطريق أن يعود إلى الوطن لأن الوطن هو مصيره النهائي".
وفي وقت سابق تحدثت مصادر مقربة من "قسد" عن تحرك روسيا وقوات النظام باتجاه مدينة منبج بريف حلب الشرقي، بعد انسحاب القوات الأميركية. وذكر مركز التنسيق والعمليات العسكرية لـ"قسد"، الاثنين الماضي، أن القوات الروسية، بالتعاون مع قوات النظام السوري، تستعد لدخول مدينة منبج.

وفي إطار محاولاتها للتخويف من نتائج العملية العسكرية التركية، سعت "قسد" للتلويح بورقة "داعش" والمعتقلين من عناصر التنظيم لديها. وقالت، على حسابها على "تويتر"، إن الهجوم الوشيك الذي تهدد تركيا بشنّه سوف "يقوض الجهود التي بذلتها للقضاء على تنظيم داعش، وسيسمح بعودة قادة التنظيم المتوارين في الصحراء". وقال المتحدث باسم "قسد" مصطفى بالي، في تصريح لوسائل إعلام أميركية، إن "قوات سورية الديمقراطية" قررت سحب بعض قواتها التي تحرس معتقلي "داعش" الذين تحتجزهم، وذلك لمواجهة "الغزو التركي". وأضاف "نحن نبذل قصارى جهدنا لضمان أعلى درجات الأمن في السجون والمخيمات، ومع الغزو التركي أصبحنا مجبرين على سحب بعض قواتنا من السجون والمخيمات وإرسالهم إلى الحدود لحماية شعبنا".


كما أدلى قائد "قسد" مظلوم كوباني بتصريحات مماثلة لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. وقال إن "قسد تواجه خطر فقدان السيطرة على مخيم الهول الضخم، والذي يحتوي على عوائل المقاتلين المنتمين إلى صفوف تنظيم داعش". وأضاف أن "داعش يعيد تجميع صفوفه وإعادة تنظيم قواته داخل المخيم"، معتبراً أن قواته "لا يمكنها السيطرة مائة في المائة على المخيم"، واصفاً الوضع هناك بـ"الخطير". من جانبه، اعتبر القيادي في الجيش السوري الحر مصطفى سيجري أن على "حزب العمال الكردستاني أن يتوقف عن ابتزاز العالم والتهديد بإطلاق سراح الدواعش". وأكد سيجري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، استعداد الجيش الحر "لتسلم أسرى داعش في المنطقة، وعبر ترتيبات يمكن الاتفاق عليها فوراً، والتعهد بضمان عدم فرار أي أسير، ووضعهم في مراكز أمنية خاصة، مع ضمان العمل على إجراء محاكمات عادلة للمتورطين بالجرائم والعمليات الإرهابية".

ميدانياً، أعلنت أنقرة "استكمال" الاستعدادات لشن عملية عسكرية في شمال سورية. وقالت وزارة الدفاع التركية، في تغريدة، "استُكملت جميع التحضيرات لتنفيذ عملية". وقال مسؤولان تركيان، لوكالة "رويترز"، إن الجيش التركي نفذ ضربات جوية استهدفت الحدود السورية-العراقية ليل الإثنين الثلاثاء، لمنع القوات الكردية من استخدام الطريق لتعزيز شمال شرق سورية. وقال مسؤول أمني "أحد الأهداف الرئيسية كان قطع طريق المرور بين العراق وسورية قبل العملية في سورية. بهذه الطريقة تم قطع طريق عبور الجماعة إلى سورية، وخطوط الإمداد بما في ذلك الذخيرة".

وقالت مصادر محلية إن الهدوء الحذر يسود مناطق الشريط الحدودي، فيما رفعت "المجالس العسكرية" المحلية التابعة إلى "قسد" من درجة استنفارها، خصوصاً بعد دخول رتل عسكري تركي إلى منطقة جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي، فيما أرسلت تركيا مجموعات من الأطباء وسيارات الإسعاف إلى مدينة جيلان بينار الحدودية المقابلة لمدينة رأس العين السورية. كما توجهت أرتال من الفصائل العسكرية المدعومة من تركيا من منطقة عفرين ومناطق "درع الفرات" إلى محيط منبج للمشاركة بالعمل العسكري المرتقب. وذكرت شبكات محلية أن عناصر "الدفاع الذاتي"، التابعين إلى "قسد "، انتشروا في قاعدة تل أرقم الواقعة على بعد 8 كيلومترات جنوب مدينة رأس العين، بعد انسحاب القوات الأميركية منها الاثنين الماضي. وأوضحت أن "قوات سورية الديمقراطية" سحبت مجموعة من عناصرها الذين كانوا يحرسون حقل العمر النفطي في محافظة دير الزور، بهدف إعادة نشرهم في هذه القاعدة.

كما لجأت "قسد" إلى تلغيم الأنفاق المحيطة بالبوابة الحدودية في مدينة رأس العين، وعززت مواقعها في محيط المدينة بأسلحة ثقيلة ونشرت قناصين قبالة الحدود. وقال موقع "الخابور" المحلي إن "الوحدات" نشرت قناصين على أسطح المنازل في بلدة سلوك شرق تل أبيض، ومنعت المدنيين من النزوح، بالتزامن مع حملة اعتقالات في المنطقة طالت عشرات الشبان بهدف سوقهم للخدمة العسكرية في صفوفها. وبحسب الموقع فإن الجيش التركي أبلغ سكان المنازل القريبة من الحدود السورية في مدينة جيلان بينار مقابل رأس العين بضرورة إخلائها بأسرع وقت ممكن. وقال الناشط خليل الحسين، لـ"العربي الجديد"، إن بعض قادة "قسد" عمدوا إلى ترحيل عائلاتهم من المناطق المتوقع أن تشملها العمليات العسكرية، مثل تل أبيض ورأس العين وتل فندر والعزيزية شرق نهر الفرات. وفيما تحدثت أنباء عن إخلاء منظمة "أطباء بلا حدود" مقرها في تل أبيض، أصدرت المنظمة بياناً أكدت فيه أنها تستمر بتقديم الرعاية الطبية في شمال شرق سورية.

من جهته، طالب "الجيش الوطني السوري"، في بيان أمس الثلاثاء، عناصر "قسد" برمي السلاح والتزام منازلهم.

وبشأن سيناريو العمليات العسكرية، ومقاومة "قسد" المتوقعة، رأى المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر أنه "سيكون هناك تمهيد ناري كثيف على بنك الأهداف الذي تم تحديده قبل شهور بواسطة عمليات الاستطلاع، بالترافق مع قصف جوي". وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن تحديد مدى المقاومة التي قد تبديها "قسد"، وهي مرتبطة بعوامل عدة، مثل "الروح المعنوية والإمدادات وتكتيك القتال والتحصينات والتمويه"، مضيفاً "لكن إذا قارنا عملية نبع السلام المتوقعة مع عملية غصن الزيتون، التي سقطت خلالها عفرين بشكل سريع نسبياً برغم تضاريس الأرض الوعرة ولم تستخدم فيها الآليات المدرعة، فإن التوقعات ألا تصمد المليشيات الكردية كثيراً، حيث من المتوقع أن تعتمد تركيا على قوة نارية كبيرة لتحقيق الصدمة والترويع لإحباط معنوياتهم". وتوقع الأسمر أن تنطلق العملية من عدة محاور من عين عرب وتل أبيض ورأس العين ومحاور ثانوية أخرى بهدف منع "قسد" من تركيز قوتها باتجاه واحد. ولم يستبعد أن تكون العملية طويلة بهدف تلافي وقوع خسائر بين المدنيين أو عمليات تدمير واسعة بالممتلكات، "حيث ستكون على عدة مراحل، تستهدف أولاً الإمساك بموطئ قدم على الأرض، ثم مهاجمة الأطراف".

أما المحلل العسكري العميد أحمد رحال فقد أعرب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن العملية العسكرية التركية "لن تخرج عن التفاهمات التي توصل اليها المبعوث الأميركي جيمس جيفري مع أنقرة. وستعمل العملية على تطبيق ما تم التوافق عليه، لن يكون هناك بالتالي اصطدام فعلي بين قسد والجيش التركي، وإن حصل سيكون محدوداً، وتحت السيطرة الأميركية".

المساهمون