ومع تعدّد الفرضيات للتحالفات في المرحلة المقبلة، وبتضييق حزب "النهضة" لدائرة الحلفاء المفترضين له خلال المرحلة المقبلة بتعهده بعدم العمل مع "الفاسدين والمتورطين"، حشر حزب "التيار الديمقراطي" في الزاوية، فإما أن يقبل العمل في حكومة ائتلافية مع "النهضة" أو يتم وصمه بالرافض للحكم هربا من أعباءه. وإزاء ذلك، قدم التيار شروطا تعجيزية للمشاركة في الحكومة المقبلة ليرمي الكرة في ملعب "النهضة".
وكانت قيادات "النهضة" قد شددت خلال حضورها الإعلامي منذ صدور التوقعات الأولى لنتائج الانتخابات التشريعية، على أنها لن تعيد خطأ "التحالف مع الفاسدين" الذي اقترفته إثر انتخابات سنة 2014، وجاء حديث رئيس الحركة راشد الغنوشي لتلفزة محلية أكثر وضوحا، قائلا "منفتحون على الجميع ولابد من شراكات لقيادة تونس ومواجهة التحديات، والنهضة استفادت من تجربة التاريخ فلا شراكة مع المتورطين في الفساد فشرط من شروط الشراكة مكافحة الفساد ومقاومة الفقر".
وتقلصت بذلك دائرة التحالفات الممكنة لـ"النهضة" لتحذف منها حزب "قلب تونس" صاحب ثاني أكبر حاصل انتخابي باعتبار تورط رئيسه نبيل القروي في قضايا فساد، إضافة إلى تفاديها التعليق على إمكانية تحالفها مع "ائتلاف الكرامة" وبقية القائمات المنتسبة لليمين الديني، بالرغم من إعراب هذه الأخيرة صراحة عن رغبتها في ذلك.
بالتوازي مع ذلك، واجه "التيار الديمقراطي" الفائز مبدئيا بسبعة عشر مقعدا موجة من التأليب والانتقادات التي حصرته في زاوية المعارضة الاحتجاجية الرافضة لممارسة الحكم نظرا لموقفه الرافض للدخول في شراكة حكم مع "النهضة"، موجة وصفها أمينه العام محمد عبو في تصريح تلفزي "بمحاولة للإحراج وتصويره كحزب يمتهن المعارضة ويهرب من الحكم حتى لا يتحمل المسؤولية".
وإذ شدد عبو على أن حزبه يتمنى أن يكون يوما ما في السلطة لكن بصلاحيات حقيقية، فإنه ربط المشاركة بإسناد وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري للتيار وبرنامج حكم موضوع بطريقة تشاركية يجتمع عليه الحلفاء ويلتزمون به بحذافره، وهو أمر اعتبره مستحيل، وأن هذا العرض "موقف يسجل على حركة النهضة وكرة ترمى في ملعبها".
شروط مستحيلة
من جهته، أكد القيادي بالتيار غازي الشواشي لـ"العربي الجديد" أن موقف أمين عام حزبه هو "موقف إثر نقاش وله أسبابه". وفسر أن "النهضة" اليوم "تواجه أزمة في إيجاد شركاء للحكم بعدد مقاعد يفوق المائة وتسعة اللازمة لمنح الثقة للحكومة وتمرير مشاريع القوانين، لذلك فإنها حاولت إحراج التيار الديمقراطي حتى تدفعه للتحالف معها".
وأوضح الشواشي لـ"العربي الجديد" أن عبو الذي جرب سابقا الحكم مع "النهضة" خلال توليه حقيبة الإصلاح الإداري زمن الترويكا وتعرض للعرقلة وأفشلت كل مساعيه الاصلاحية آنذاك "لا يمكن أن يقحم الحزب اليوم في تحالف دون شروط واضحة ولا يرضى أن يستعمل التيار كواجهة تعلق عليها مسؤولية الفشل في نهاية التجربة".
وأمام الاتهامات الموجهة إليه بالتهرب من الحكم والمسؤولية، قدم التيار، وفق ذات المتحدث، شروطه للدخول في ائتلاف مع "النهضة" متمثلة في برنامج حكم واضح مع التزام تام ببنوده، وإسناد حقائب الداخلية والعدل والإصلاح الإداري بصلاحيات واسعة تمس مكافحة الفساد في الصفقات العمومية وفي الإدارات الحكومية.
واعتبر محدث "العربي الجديد" أن "النهضة" لن تقبل هذه الشروط "المستحيلة"، ولن تقبل أن يتولى التيار إصلاح الداخلية والحرص على استقلال القضاء وإصلاح منظومته والدفع نحو مراجعة المنظومة التشريعية اللازمة للعمل الإداري والاستثمار. وحتى إذا قبلت النهضة هذه الشروط، فان كل أسباب فشل التجربة متوفرة، حسب الشواشي، "فالإصلاحات لا يمكن القيام بها إذا لم يكن رئيس الحكومة المقبلة منخرطا في مشروع الإصلاح".