وفي كلمته في الندوة التي نظمها منتدى التفكير العربي، استذكر عسيري لقاءً جمعه عام 2017 مع الراحل جمال خاشقجي، وكيف أن خاشقجي أخبره بأنه رفض الاستماع إلى الحكومة السعودية، عندما طلبت منه الوقوف ضد الربيع العربي، ودعم التوجه السعودي للتقارب مع إسرائيل، وأنه لا يمكن أن يتخذ مثل هذه المواقف.
وحول محاكمة مجموعة الاغتيال، التي عُقد جانب من جلساتها في محاكم الرياض، كشف عسيري عن معلومات مؤكدة لديه، عن أن السعودية سمحت في الجلسة الثانية لخمسة مراقبين من دول مختلفة حول العالم بحضور المحاكمة، وعندما سأل القاضي أشخاصاً من الخلية في تلك المحاكمة، منهم محمد المدني وصلاح الطبيقي وماهر المطرب عن الجريمة، قال واحد منهم إنهم كانوا يقومون بعملهم، وإنهم كانوا يتلقون التعليمات من الرياض، وينفذونها حرفياً، وإنه إذا حصل خطأ، فإن مردّ هذا إلى الشخص الذي كان يعطيهم التعليمات في الرياض، وهنا قالوا للقاضي: هل تريد أن تعرف الشخص الذي كان يعطينا التعليمات؟ وردّ القاضي سريعاً: لا، ثم أوقف المحاكمة، وأنهى الجلسة ولم تعقد جلسات أخرى عقبها.
ولفت عسيري إلى أنه في الغرب عندما يقول المسؤول: "أتحمل المسؤولية"، فإنه يستقيل أو يتعرض للمحاكمة والمساءلة من البرلمان، موضحاً أنه في السعودية لا يوجد قضاء مستقل، ولا برلمان مستقل، كذلك فإن محمد بن سلمان لم يستقل ولن يستقيل.
وانتهى عسيري للإشارة إلى أن السعودية تستعمل أموالها للتأثير بقرارات الدول، وتشتري المواقف، لكن لا أحد حتى ممّن تدفع لهم السعودية يؤمن بالنظام السعودي.
وشهدت الندوة حضوراً مكثفاً من النخب العربية وصحافيين وناشطين احتشدوا لإحياء هذه الذكرى، والمطالبة بتحقيق العدالة لخاشقجي، ووقف عمليات تصفية الصحافيين والمعارضين، وطالبوا بمواصلة رفع الصوت في وجه النظم الديكتاتورية، وضرورة مواصلة النضال من أجل حرية الكلمة والمعتقد.
وعبّر أوبرن عن "شعوره بالخجل والعار" جراء ردّ فعل الحكومات الغربية على الطريقة الوحشية التي قتل بها خاشقجي، وخاصة الولايات المتحدة التي واصلت التعاون مع السعودية، قائلاً إن حزنه نابع من إيمانه حين كان صغيراً بأن الولايات المتحدة هي رمز وعاصمة للحريات، والليبرالية، ولكونه بريطانياً يشعر كذلك بالعار من موقف بلاده.
وقال أوبرن إن عملية القتل الوحشية تحتاج لتحقيق دولي آني، ومعاقبة القتلة ومَن أمرهم، معتبراً أن نضال الصحافيين في هذا الميدان هو بمثابة نضال من أجل الإنسانية.
وختم أوبرن كلمته بنبرة عاطفية طالب فيها الصحافيين عبر العالم بعدم السماح بموت ذكرى خاشقجي، فالقيم التي دفع المغدور حياته من أجلها تستحق من كل الصحافيين مواصلة النضال من أجلها. وقال إن السعودية التي قال محمد بن سلمان إنه يريد إصلاحها ونقلها إلى المستقبل، قد جنت الفشل والدمار جراء سياساته.
واشتملت الندوة على أسئلة ونقاش من الحضور، حول سبل إبقاء ذكرى خاشقجي حية، وتحقيق العدالة لروحه.
وتساءل الصحافي البريطاني بيل لاو، الذي أدار الندوة، مستنكراً تناقضات ولي العهد السعودي الذي أعطى المرأة حق القيادة، ثم اعتقل الناشطات اللواتي ناضلن من أجل هذا الحق، معتبراً أن هذه الممارسات تكشف عدم جديته في الإصلاح، وأنه يستعمل هذه الإجراءات فقط لتحسين صورته، مؤكداً أن اعتراف بن سلمان بالمسؤولية غير كافٍ، "فمن يعترف بالمسؤولية، يجب أن يتعرض للعقاب".
ولفت إلى أن بن سلمان سيكون مخطئاً إذا ظن أنه بهذه التصريحات يمكنه التأثير بالرأي العام الغربي؛ فالغرب يحتاج لمعرفة الحقيقة الكاملة، ومعاقبة القتلة.