رغم الهدوء الحذر الذي يسود معظم محاور التماس بين القوات التركية و"الجيش الوطني السوري" (يضم فصائل من المعارضة السورية) من جهة و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى، إلا أن اشتباكات متقطعة لا تزال تدور بين الجانبين، بسبب محاولة "قسد" مواصلة الاحتفاظ ببعض القرى والمناطق التي ترى تركيا أنها تدخل في إطار "المنطقة الآمنة" التي اتفقت عليها مع روسيا أخيراً، وينبغي على "الوحدات" الكردية الانسحاب منها.
في هذا الوقت، وصل 300 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى سورية في إطار تطبيق الاتفاق بين روسيا وتركيا، وسط انتقادات وجهتها "قسد" لدور موسكو في هذه التطورات، فيما جددت موسكو التأكيد على أن حل "المسألة الكردية" لا يمكن أن يكون إلا في إطار استعادة النظام السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن "الكتيبة الإضافية من الشرطة العسكرية التي أرسلت إلى سورية تأتي من الشيشان".
وقالت وزارة الدفاع التركية إنها تراقب عن كثب العملية المتعلقة بانسحاب "قوات سورية الديمقراطية" من "المنطقة الآمنة" في إطار الاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث خرجت 136 عربة من المنطقة، فيما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه تم حتى الآن انسحاب نحو 800 عنصر من المنطقة، بينما ما زال هناك نحو 1300 آخرين يواصلون الانسحاب. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الجيش الروسي على اتصال وثيق بالمقاتلين الأكراد السوريين، ويقوم "بعمل دقيق" في تنسيق انسحابهم من المناطق الحدودية. وأشار إلى أن الأكراد تعهدوا بالالتزام بالصفقة، مضيفاً أن الفشل في ذلك سيضعهم في مأزق. وقال بيسكوف "إذا لم يتم سحب الوحدات الكردية بأسلحتها من تلك المنطقة، فسيتم تركها للأسف وجهاً لوجه مع الجيش التركي لأن حرس الحدود (السوري) والشرطة العسكرية الروسية لن يقفوا في ما بينهم".
وفي إطار الخلافات حول المناطق التي يشملها الاتفاق التركي مع كل من روسيا وأميركا بشأن شرق الفرات، تواصلت الاشتباكات، أمس الجمعة، بين "الجيش الوطني السوري" و"قسد" في ريف الحسكة، وذلك عقب تسيير روسيا دورية في المنطقة الواصلة بين القامشلي والدرباسية. كما اندلعت اشتباكات بين الطرفين في محور تل رفعت بريف حلب الشمالي. وقالت مصادر مقربة من "قسد"، لـ"العربي الجديد"، إن الاشتباكات بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من الجيش التركي و"قوات سورية الديمقراطية" المدعومة بقوات النظام السوري تتواصل في محوري الكوزلية وليلان في ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، مشيرة إلى مقتل عنصر على الأقل وإصابة آخرين من قوات النظام السوري خلال الاشتباكات، فيما تدور اشتباكات أخرى على محور قرية المناجير، وذلك وسط قصف متبادل على محوري الجهفة والدردارة، جنوب شرق مدينة رأس العين، التي سيطر عليها "الجيش الوطني" أخيراً، فيما استهدفت طائرات مسيرة تركية نقطة لـ"قسد" في منطقة بير نوح بريف رأس العين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
في هذه الأثناء، وصلت ليل الخميس قوات كبيرة تتبع للنظام السوري إلى مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي تطبيقاً للاتفاق الروسي التركي الأخير حول شمال سورية. وقالت مصادر محلية إن هذه القوات تضم عشرات الآليات ومئات العناصر، وقد تمركزت في محور تلة الإذاعة، غرب المدينة. وقد شهدت العديد من مناطق محافظة دير الزور تظاهرات بعد صلاة يوم الجمعة رفضاً لدخول قوات النظام إلى مناطق الجزيرة السورية. وذكرت شبكة "فرات بوست" المحلية أن العديد من بلدات ريف دير الزور الشرقي شهدت تظاهرات حاشدة تحت شعار "الأسد وإيران محور الإرهاب" رفضاً لدخول قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له إلى المنطقة و"التأكيد على ثوابت الثورة السورية". يأتي ذلك، استجابة لدعوات من نشطاء المجتمع المدني في مناطق سيطرة "قسد" بمحافظة دير الزور، وذلك بعد انتشار قوات النظام السوري في مناطق عدة تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" في أرياف الرقة والحسكة وحلب، فيما لا تزال قوات التحالف الدولي تمنع النظام من الدخول إلى مناطق ريف دير الزور الخاضع لسيطرة "قسد".
وشدد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، من جهته، على رفض أنقرة قيام حلفائها بعقد لقاءات مع عبدي المطلوب للإنتربول، معتبراً مثل تلك اللقاءات "شرعنة للإرهابيين". وقال، في مؤتمر صحافي في العاصمة الأذرية باكو خلال مشاركته في قمة حركة عدم الانحياز، إن "مظلوم كوباني إرهابي، ومطلوب على النشرة الحمراء. لذا من غير المقبول عقد حلفائنا لقاء معه". وحذر من "مغبة شرعنة الإرهابيين بمثل تلك اللقاءات"، معتبراً أن "ذلك يعني إمكانية عقد لقاء في المستقبل مع إرهابيين آخرين، كزعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي". وأكد أن "لقاءات كهذه تنم عن عدم وجود جدية لمكافحة الإرهاب".
من جهة أخرى، قال أردوغان إن الجيش التركي قدم خلال العملية التي بدأت في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي 7 قتلى و95 مصاباً، بالإضافة إلى 20 ضحية من المدنيين و187 مصاباً جراء استهداف "قسد" للمدن والبلدات التركية الواقعة قبالة الحدود السورية. وشكر الرئيس التركي "الجيش الوطني السوري" الذي قدم 96 قتيلاً و374 مصاباً خلال العملية التي استمرت لعشرة أيام، قبل أن تعلن أنقرة تعليقها عقب اتفاقين مع واشنطن وموسكو.
وفيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الجمعة، وصول 300 عنصر من الشرطة العسكرية، معززين بآليات مدرعة، إلى سورية، للمساعدة في انسحاب القوات الكردية من الحدود مع تركيا، رأى مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أنه لا يمكن تسوية المسألة الكردية "دون استعادة الحكومة السورية لسيطرتها على كامل الأراضي السورية". واعتبر نيبينزيا، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الخميس الماضي، أن "المذكرة الروسية التركية لها أهمية محورية لإرساء الاستقرار في سورية"، معتبراً أنها "تؤكد بوضوح احترام سيادة ووحدة أراضي سورية ورفض كل التوجهات الانفصالية على أراضيها". وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية النرويجية اين أريكسن سوريدي، في موسكو، أمس الجمعة، أن "حقوق جميع الأطراف التي ستلتزم بمذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وروسيا سيتم احترامها". وقال "بالنسبة لتنفيذ المذكرة، التي وافق عليها الرئيسان (الروسي فلاديمير) بوتين و(التركي رجب طيب) أردوغان في سوتشي، سيتم احترام حقوق جميع الأطراف التي تمتثل للاتفاقية دون قيد أو شرط". وأضاف: "اسمحوا لي أن أذكركم بأن الاتفاقيات الروسية التركية كانت مدعومة، ووافق عليها كل من الرئيس السوري (بشار الأسد) ورئيس قوات الدفاع الكردية".
من جهتها، أعلنت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ"مجلس سورية الديمقراطية" إلهام أحمد أنه لا يمكن الوثوق بروسيا بعد اتفاقها مع تركيا. وقالت أحمد، في مقابلة مع مجلة "فورين بوليسي"، أول من أمس الخميس، إن "الإدارة الذاتية" وثقت بواشنطن "لكن للأسف فتحت المجال الجوي لتركيا، وكذلك الروس لا يمكن الوثوق بهم"، مضيفة أن لديهم خبرة سابقة في التعامل مع الروس في مدينة عفرين، في إشارة إلى عملية "غصن الزيتون" التي شنتها تركيا، العام الماضي، بموافقة ضمنية من قبل موسكو. وحول التفاوض مع النظام السوري، قالت أحمد إن مسؤولين أميركيين هددوا سابقاً بالانسحاب في حال التواصل مع النظام السوري، لكن الآن بعد التوغل التركي، فنحن "نبحث عن خيارات أخرى، ولن أنتظر أي اقتراح أو توصية من أي بلد"، مشيرة إلى أنها تسعى مع مظلوم عبدي إلى عقد لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإطلاعه على آثار الانسحاب الأميركي من المنطقة.