في خضم الأحداث المتسارعة في العراق والتداعيات السياسية التي رافقت التظاهرات الأخيرة، وتسارع الكتل والأحزاب وقادتها، في الإدلاء بتصريحات واقتراحات للخروج من الأزمة، يبدو زعيم "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، الأبعد عن المشهد السياسي العراقي، بالتزامه الصمت في كل ذلك.
وليس معتاداً أن يركن المالكي نفسه عن الأزمات، فهو المعروف بالشخصية الأكثر دراماتيكية بإثارة الأزمات وركوب الموجات، إلا أن ثمة عوامل في هذه الأزمة أجبرته على الابتعاد والترقب من بعيد، وفقاً لمراقبين، الذين رأوا أن المالكي اليوم يريد أن يكون بمنأى عن عاصفة التظاهرات، كونه متورطا في ملفات فساد كبيرة، كما أنه خسر اليوم طموحه بالحصول على منصب نائب رئيس الجمهورية.
وكان المالكي قبل أحداث التظاهرات قد أعلن تمسّكه بمنصب نائب رئيس الجمهورية، كاستحقاق محاصصاتي لكتلته، موجهاً الانتقاد لرئيس الجمهورية، برهم صالح، كونه يلتزم جانب الصمت إزاء ذلك.
وبحسب عضو بارز في البرلمان، تحدّث مع "العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، فإنّ "ضمن ملفات الفساد التي بدأ البرلمان والحكومة بمراجعتها لتحقيق وعود الإصلاح التي أطلقتها للمتظاهرين، ملفات تتعلق برئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، تخص صفقات سلاح ومشاريع إعمار لم ترَ النور، إضافة إلى هدر مالي كبير كان عبارة عن هدايا وهبات من المال العام قدمها المالكي لسياسيين وزعماء دين وشيوخ عشائر وأشخاص من خارج العراق، والتلاعب بالقانون أيضاً، عدا عن ملف سقوط الموصل وارتكاب جرائم طائفية مختلفة"، مبيناً أن "المالكي وكتلته على دراية بهذه الملفات، وإن لم يتم البت فيها، وهو يسعى إلى تسويتها مع الجهات المسؤولة".
وأكّد العضو البرلماني أنّ "المالكي التزم الصمت تجاه التظاهرات ولم يلق باللائمة على الحكومة وعلى البرلمان، كونه لا يريد أن يخسرهما، في محاولة منه لإرضائهما وعدم فتح ملفاته"، مبيناً أن "المالكي يجري اتصالات ويمارس ضغوطاً مختلفة على الجهات ذات الصلة لعدم فتح ملفاته السابقة، كما أنه تجاوز مرحلة المطالبة بمنصب نائب رئيس الجمهورية الذي يعتبره استحقاقاً له، كون المطالبة بالمنصب في الوقت الحالي ستضعه في موقف محرج".
ولم يصدر عن المالكي أي تصريح داعم لمطالب المتظاهرين طيلة الفترة السابقة، إلا أنه وجّه دعوة إلى ضبط النفس في تغريدة سابقة على "تويتر".
وعبّر المالكي عن أسفه عن "ما حدث في ساحة التحرير، وأنه لا يصب في مصلحة أحد"، داعياً، في التغريدة ذاتها، المتظاهرين، إلى "الالتزام وضبط النفس والاحتكام إلى القانون، والحفاظ على سلمية التظاهرات، وتجنب الصدام مع الأجهزة الأمنية أو تعريض المصالح العامة والخاصة للضرر والتخريب".
Twitter Post
|
بينما دافع مكتبه عن موقفه، وأنه ليس رافضاً للتظاهرات، وقال مدير مكتبه عباس الموسوي، إنّ "المالكي لا يرفض خروج أي تظاهرات في الوقت الحالي"، مؤكداً "سنكون داعمين للتظاهرات معروفة الجهة، والتي ستحصل على الموافقات الرسمية، ونحترم القانون والتشريعات العراقية".
ويرى مراقبون أن التظاهرات أطاحت بطموحات المالكي وأحلامه السياسية، وأن خوفه من نتائجها حتّم عليه التزام الصمت.
وقال الخبير في الشأن العراقي، طالب البياتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع الحالي يحتم على المالكي التزام الصمت، كونه يريد أن يبتعد عن الأضواء"، موضحاً أن "ملفات الفساد التي تورط فيها المالكي كبيرة جداً، وهو اليوم يريد أن يحلها سلمياً، وأن ذلك أصبح واضحاً للشارع العراقي، كونه التزم جانب الصمت غير المعتاد عنه".
وأشار إلى أن "المالكي اليوم ضحى بمنصب نائب رئيس الجمهورية الذي كان يطمح في الحصول عليه"، مؤكداً "في حال تجددت التظاهرات وكانت قوية، فإن المالكي لن يكون بمنأى عنها مهما حاول، ولن تنتهي عند الإطاحة بطموحاته، بل إن ملفات فساده ستفتح ولا تستطيع الحكومة والبرلمان أن يتجاوزاها".
ويُعد المالكي من أكثر الشخصيات العراقية جدلاً في الشارع، بسبب حجم ملفات الفساد التي تورط فيها وأدين ببعض منها، بينما استطاع رغم كل ذلك أن يستعصي على السلطة القضائية لما يتمتع به من قوة ونفوذ.