وتعرض القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي، رئيس المجلس المحلي لمدينة كاسل الألمانية العمدة فالتر لوبكه، للاغتيال على يد النازيين الجدد في يونيو/حزيران الماضي. وقبل أسبوع،
نفذ أحد الذين يتبنون أفكار النازيين الجدد وتفوق العرق الأبيض، ويدعى شتيفان بالييت، اعتداء على كنيس في مدينة هالة شرق البلاد في يوم الغفران اليهودي، محاولاً ارتكاب مذبحة وفق ما اعترف الجاني نفسه أمام المحققين، والذي يواجه حالياً تهمة قتل شخصين ومحاولة قتل سبعة آخرين. وتعززت المخاوف جراء الأفكار التي يتبناها أصحاب اليمين المتطرف، وباتوا يجاهرون بها علانية، بما في ذلك نشر منفذ هجوم الكنيس بياناً تحدث فيه عن الرغبة بـ"قتل أكبر عدد ممكن من المعادين للبيض ويفضل أن يكونوا يهوداً".
وأبرز الانتقادات على هذه الحوادث جاءت من قبل المرشح لزعامة الاشتراكي الديمقراطي مايكل روث، الذي قال لصحيفة "دي فيلت" أخيراً، إن "الذراع السياسي للإرهاب اليميني يجلس في البوندستاغ (البرلمان) الألماني وفي برلمانات الولايات، وهو حزب البديل من أجل ألمانيا"، مطالباً الأخير بتوضيح علاقته مع أولئك الذين يستعدون للقيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية بدافع الكراهية. بدوره، اعتبر رئيس كتلة الحزب الاجتماعي المسيحي ألكسندر دوبراندت، في حديث مع صحيفة "بيساور نويه بريسه"، أن "البديل يسلك طريقاً يمثل أرضاً خصبة للأنشطة اليمينية المتطرفة"، ملمحاً إلى أن قيادة الحزب اليميني تعترف عن قصد بعناصر الأيديولوجية الراديكالية، وأن بعض ممثلي الحزب تجاوزوا الحدود الفكرية للتطرف اليميني.
من جهته، اعتبر نائب المستشارة الألمانية الاشتراكي أولاف شولز، في حديث مع مجموعة "فونكه" الإعلامية، أمس الأربعاء، أن "البديل من أجل ألمانيا" لا يمكن أن ينكر مسؤوليته في هذه القضية، ولا ينبغي أن يتظاهر بأن لا علاقة له بكل هذا. أما "البديل" فرفض محاولات استغلال الجريمة ضده. وقال زعيمه يورغ مويتن، لوكالة الأنباء الألمانية أخيراً، إنه ليس هناك أدنى صلة بين حزبنا والحادثة.
تدابير أكثر فعالية لقمع التطرف اليميني
ورداً على الهجوم الدموي الذي طاول مدينة هاله، طالب الحزب المسيحي الديمقراطي باعتماد مجموعة من التدابير التي من شأنها أن توفر مزيداً من الصلاحيات لعناصر الشرطة وأجهزة المخابرات على الشبكة العنكبوتية، لكي تكون قادرة على مراقبة الجماعات والجمعيات اليمينية المتطرفة بشكل أكثر انتظاماً وفعالية، وهي التي كانت حذرت من أن أيديولوجية هؤلاء تهدف إلى تغيير المجتمع، وفق ما أشارت إليه قناة "أيه آر دي" الإخبارية.
وفي هذا السياق، أيد الأمين العام للحزب، بول زيمياك، الاحتفاظ بالبيانات من قبل الشرطة والمخابرات، في حين شكك الحزب الاشتراكي الديمقراطي في اعتماد التخزين للبيانات الشخصية. وأعلن الأمين العام لارس كلينغبيل أن حزبه لا يمكن أن يوافق على هذا الأمر من دون وجود سبب محدد.
في موازاة ذلك، برز امتعاض من قبل سياسيين ألمان، بينهم منضوون داخل الأحزاب الحاكمة، من التأخر في تطبيق إجراءات رقابية على هذه الفئات، مشيرين إلى أنه كان بإمكان الائتلاف، الذي كان يحكم منذ وقت طويل، فعل الكثير قبل وقوع الحوادث.
أما وزير الداخلية هورست زيهوفر فأوضح، في حديث مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني، أنه بات من الضروري التشدد أمام التهديد الكبير لمعادي السامية، مبرزاً أن عدد الملتزمين باليمين المتطرف ازداد خلال السنوات الأخيرة، ووصل إلى 24 ألف شخص، نصفهم يمكن تصنيفهم بالعنيفين. وطالب بمنح المخابرات وأجهزة الشرطة مزيدا من الصلاحيات، فيما تعتبر بعض المقترحات التشريعية أنها تشكل تعدياً على الحقوق الأساسية للمواطنين. ولفت إلى أنه "لا يجب البدء من الصفر، ولكن بنفس درجة محاربة الإرهاب الإسلامي"، على أن يصار إلى مسح البيئة التي ينتمي إليها أفراد اليمين المتطرف، مطالباً "البديل" اليميني الشعبوي بالإعلان صراحة وبوضوح أنه لا علاقة له بهم.
جدل حول إلزامية الاحتفاظ بالبيانات
ويتركز الجدل السياسي حالياً حول الطريقة التي تمكّن السلطات الألمانية من حماية الناس بشكل أفضل من الإرهاب. وينصب النقاش حول مقترحات عدد من السياسيين، بما في ذلك ما طرحه القيادي في الحزب المسيحي الديمقراطي ماتياس ميدلبرغ، الذي دعا فيه إلى السماح بالوصول إلى قنوات الاتصال المشفرة، مثل "واتساب"، وأنه يجب على مقدمي خدمات الهاتف والإنترنت الاحتفاظ، لفترة زمنية معينة، بالبيانات المتعلقة بعمليات الاتصال لجميع السكان وعدم حذفها. ويعتبر هذا الأمر بمثابة جزء من حزمة من التعديلات التشريعية التي يطالب بها السياسيون الألمان، لكن لا يمكن تمرير التدابير المقترحة بشأنها بين ليلة وضحاها، بينها قانون أمن تكنولوجيا المعلومات أو منح سلطات الأمن والاستخبارات مزيداً من الصلاحيات، وفق ما بينت العديد من التقارير.
هذه الاقتراحات عطلتها وزارة العدل، التي يقودها الحزب الاشتراكي، ولم يتم تبني بعضها قبل العطلة الصيفية للبوندستاغ لأنها تُقلل تدريجياً من الخصوصية، بحسب ما ذكرت صحيفة "دي تسايت"، في حين يعتبر حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن من المفيد تطبيق سياسات داخلية أكثر صرامة. وهنا تطرح التساؤلات عما إذا كانت التدابير المخطط لها يمكن أن تُوفر بالفعل حماية أفضل ضد الإرهاب اليميني من دون التعرض لخصوصية الأفراد، وهو ما وصفه المحامي ألكسندر روسناغل للصحيفة عينها بأنه "مجموعة مراقبة"، منبهاً إلى المدى الذي يمكن أن تصل إليه عملية رصد السكان بشكل عام، لأن ذلك، وبكل بساطة، سيكون غير متوافق مع الصورة الإنسانية للدستور الألماني. وفي المحصلة، يبقى الهدف النهائي تحسين بنية الأمن في ألمانيا وتطوير قوانين ومسؤوليات تفي بمعايير عالية جداً في الشفافية والفعالية واليقين القانوني وحماية الحقوق الأساسية للأفراد.
وفي هذا الإطار، برزت بعض الأفكار والطروحات، ومفادها أنه وبدلاً من الدعوة إلى قوانين جديدة أكثر شمولية بالنسبة للسلطات، وكنوع من تكتيك السلامة والأمان، يقتضي الأمر إجراء مقاربة عقلانية، وعندها سيتعين على الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات أن تدرس وتحلل، عبر هيئة مشتركة مستقلة مع بعض الأمنيين، حوادث محددة. مع العلم أنه وفي مايو/أيار الماضي دعا المفوض الاتحادي لحماية البيانات وحرية المعلومات أولريش كيلبر إلى وقف تطبيق القوانين الأمنية حتى يتم تطبيق شروط معينة، وهو ما لم يلق اهتماماً كبيراً حتى الآن.
توظيف العام الافتراضي لنشر خطاب الكراهية
إلى ذلك بينت الوثيقة التي تركها مهاجم الكنيس على شبكة الإنترنت، وكتبت باللغة الإنكليزية، أنه "يريد نشر العملية من أجل تعزيز معنويات البيض المقهورين". حيال ذلك، استنتج الخبير في التطرف اليميني ماتياس كونت أن الجاني شتيفان بالييت، حتى وأثناء البث المباشر لجريمته تعمد التحدث بالإنكليزية، لأنه كان مهتماً بالوصول إلى أكبر شريحة من المعادين للسامية والعنصريين الذين يستخدمون الإنترنت. ولفت في حديثه إلى صحيفة "دويتشه فيله" إلى أن "القاتل أراد إقناع هؤلاء وتحريضهم على ارتكاب مثل هذه الأفعال بأنفسهم، خصوصاً قتل اليهود".
وفي السياق، لفت الباحث السياسي يان راتجي إلى أن "هذه الفئة من المستخدمين المتطرفين عبر الشبكة نشأت ضمن هذا العالم الافتراضي والشبكات، وبعضها ضمن مجموعات مغلقة، حيث لا يوجد سوى بضعة حواجز للولوج إليها، وهي تشجع على التحريض والكراهية، وارتبطوا بها نظراً لتشابههم في التفكير وتوافقهم مع هذه الأيديولوجية اليمينية المتطرفة".
وبينت تقارير صحافية أن المستخدمين تبادلوا لاحقاً واقعة مدينة هاله على منصاتهم، وشرعوا في الضحك على صور المرأة التي قتلها شتيفان في الشارع، كما وحول الضحية الثانية، حتى أن العديد من الروابط ومواقع الدردشة تضمنت النسخة الأصلية من الفيديو، ومدتها 35 دقيقة، فيما سخر آخرون من نوعية السلاح المستخدم من قبل مرتكب الجريمة، وأن سلاحه المحلي لم يسعفه في قتل مزيد من الناس.
تجدر الإشارة إلى أن آلاف الأشخاص خرجوا في مسيرة احتجاج، قبل أيام في برلين ومدن ألمانية أخرى، ضد معاداة السامية وعنف اليمين، ووصفوا الهجوم في هاله بالفضيحة الشنيعة، واعتبروا أن القاتل كان مدفوعاً وبوضوح بتخيلات يمينية متطرفة. واعتبر رئيس المجلس الأعلى للمسلمين، أيمن مزيك، الذي زار الجالية اليهودية في هاله للتضامن، أن اليهود والمسلمين مستهدفون على حد سواء من قبل اليمين المتطرف، داعيا السلطات إلى مكافحتهم.