ينطلق الرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد في مهامه بعد أداء اليمين أمام البرلمان نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، ليجد نفسه محاطاً بحزمة من الحواجز والعراقيل لتحقيق الآمال الكبيرة المعلّقة حوله، بسبب محدودية الصلاحيات.
أول الامتحانات التي تعترض سعيّد فور تقلّده منصبه رسمياً، يتمثّل في تشكل الحكومة الجديدة، المسؤولة عن إدارة حياة المواطنين والإصلاحات والإنجازات، وإن كانت صلاحية الرئيس محدودة في ذلك، إذ تقف في البداية عند تكليف رئيس الحكومة الذي سيختاره الحزب البرلماني الفائز بأكبر عدد من المقاعد، وبالتالي سيكون رئيس الحكومة الجديد بحسب الدستور، على الأرجح سليل حزب "النهضة" أو شخصية قريبة منه لأنه الحزب الأكبر بـ52 مقعداً.
وبحسب ما أعلنه رئيس مجلس شورى "النهضة" عبد الكريم الهاروني، فإن رئيس الحزب النائب راشد الغنوشي هو المرشح الطبيعي بحسب القانون الداخلي للحركة لهذا المنصب، مضيفاً أن الغنوشي سيكون إما رئيس الحكومة الجديدة أو أنّه سيقترح اسم شخصية أخرى لهذا المنصب.
غير أن الحاجز الأكبر يتمثّل في حالة عجز "النهضة" عن تشكيل حكومة وجمع أغلبية برلمانية بـ109 نواب نظراً لاختلاف المواقف والتوجّهات وتقارب الكتل الست متوسطة الحجم، "قلب تونس" بـ38 نائباً، و"التيار الديمقراطي" بـ22 نائباً، و"ائتلاف الكرامة" بـ21 نائباً، و"الحزب الدستوري الحر" بـ17 نائباً، وحركة "الشعب" بـ16 نائباً، و"تحيا تونس" بـ14 نائباً.
ويفرض الدستور أنه في حال انقضاء شهر من دون تشكيل الحكومة، يتحمّل سعيّد المسؤولية ويجمع الكتل البرلمانية والأحزاب والائتلافات الانتخابية إلى طاولة الحوار لفتح مشاورات بينها في غضون 10 أيام قبل أن يختار الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة الجديدة في غضون شهر.
ويُعد خيار فتح مشاورات بين الأضداد والخصوم مسؤولية جسيمة تفترض مكانة اعتبارية وشخصية جامعة لإنجاح مهمة شبه مستحيلة في ظل مرجعيات الكتل وتصريحاتها ومواقفها، من دون اعتبار غياب السند السياسي والحزبي الواضح لقيس سعيّد.
ويخوض سعيّد فرصته مدججاً بدعم شعبي منقطع النظير ومتسلحاً بتفويض قارب 3 ملايين صوت، وهي النسبة الأعلى منذ قيام الثورة، حتى أنها تضاهي ما حصده جميع أعضاء مجلس النواب من أصوات خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت في 6 أكتوبر الحالي.
ويُعدّ الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية، رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، هاجساً عاشته تونس زمن الترويكا في المجلس الوطني التأسيسي، ثم بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في نهاية الولاية، وهو ما أثّر بوضوح على سير أعمال الدولة وإن كان النزاع مفصولاً في الصلاحيات ومحسوماً دستورياً لصالح رئيس الحكومة، وبالتالي سيجد سعيّد نفسه شاهداً على السياسات العامة والقرارات والبرامج غير قادر على التغيير إلا بموافقة رئيس الحكومة والحزام البرلماني الداعم له.
وعلى الرغم من الآليات الممكنة لسعيّد للمشاركة في تغيير واقع التونسيين، باقتراح مبادرات تشريعية على شكل قوانين أو باقتراح تعديل الدستور، فإن هذه الصلاحية تبقى رهينة النواب والكتل والأحزاب البرلمانية التي سيرتهن لها سعيّد طيلة ولايته، فحتى السبسي الذي كان مسنوداً بحزبه "نداء تونس" الذي كان متصدراً بـ86 نائباً إلى جانب حلفه البرلماني القوي الذي جاوز 170 نائباً عند تشكيل الحكومة، فإنه عجز عن تمرير مبادرات رئاسية بقيت في رفوف البرلمان لأن الأغلبية البرلمانية عارضته، مثل قانون المساواة في الميراث وقانون المصالحة.
وترتبط مبادرات القوانين والتعديلات الدستورية بموافقة أحزاب الائتلاف الحاكم الجديد الذي سيقوده حزب "النهضة" على ما يبدو، وبالتالي فإن التناغم بين سعيّد والغنوشي خيار لا مفر منه، إلا إذا جنح سعيّد إلى التصعيد والاعتصام بالشارع والشعب وباللجوء إلى التونسيين لفرض تمرير القوانين على الحكومة ومجلس النواب.
اقــرأ أيضاً
ولم يُخفِ سعيّد في تصريحاته نيّته التوجّه إلى الشعب، قائلاً إنه سيعرض مبادراته أمام الشعب وفي حال رفض البرلمان سيحمّله المسؤولية أمام الشعب، كما هدد بأقوى ما يملك من صلاحيات وهي "رفض ختم القوانين القادمة من البرلمان إذا كانت تتعارض مع إرادة الشعب وتطلعاته". إلا أن الإفراط في استعمال هذا "الفيتو" قد يعرّضه إلى تجاوز صلاحياته الدستورية ويدخله في صدام مع الأغلبية المعززة من البرلمانيين وربما توجيه لائحة لوم في حقه وسحب الثقة منه برلمانياً بتهمة الخطأ الجسيم وتعطيل مسار الحكم.
ورفع سعيّد خلال حملته من حجم الآمال والأحلام لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما جعل سقف تطلعات التونسيين من الرئيس يجاوز صلاحياته في نظام برلماني معدل، وهي تطلعات أعادت إلى الأذهان زمن ما قبل الثورة ومبنية على ما ترسّب في العقل المجتمعي التونسي من تراكمات أكثر من خمسة عقود من حكم رئاسي شمولي.
وتتوقف صلاحيات سعيّد بحسب الدستور في تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والأراضي التونسية من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة دوماً، كما يعيّن الوظائف العليا المدنية والخارجية والعسكرية باستشارة رئيس الحكومة أيضاً. وحتى في المجال الدبلوماسي الذي يُعد اختصاصاً حصرياً له، فإن سعيّد رفع من سقف الطموح حتى أقصاه، وخصوصاً في ما يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية، بحديثه عن تصنيف كل من يتعامل مع الكيان الصهيوني متهماً بالخيانة العظمى وتطبّق عليه عقوبتها وهي الإعدام بحسب المجلة العسكرية.
وتساءل الخبير والمحلل السياسي محمد الغواري، في حديث مع "العربي الجديد"، عن "مدى المسافة التي يستطيع سعيّد أن يقطعها مع مقترحاته وتصوراته التي جمعها من الشباب والحملة، حتى لا نقول وعوداً وبرامج". ولفت إلى أن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ملف حارق يتفادى الجميع الخوض فيه وخصوصاً من يصطدم بإكراهات الحكم ومؤسساته، مشيراً إلى أنه سبق أن عجزت أحزاب مناضلة وشخصيات ثورية عن تجريم التطبيع في الدستور، ليس لقلة وطنيتها أو لنقص في شعورها وحماسها للقضية الفلسطينية، بل لاصطدامها مع موجات الحكم وتأثيرات الخارج على القرار التونسي في وضع هش وصعب تمر به البلاد، مضيفاً أن السلطة الفلسطينية القائمة نفسها لا يناسبها انعزال تونس، التي ترى فيها سنداً قوياً، عن المحيط الإقليمي والدولي، وخصوصا مع نفاذها وعضويتها خلال هذه الدورة في مجلس الأمن الدولي.
ورأى الغواري أن تطبيق عقوبة الخيانة العظمى على من يتعامل مع الكيان الصهيوني سيفتح أبواب ضغوط خارجية وحتى داخلية على تونس من قبل اللوبيات والدول والمنظمات المانحة التي يعلم الجميع أن إسرائيل نافذة فيها وصاحبة قرار قوي.
واعتبر أن هناك تناقضاً في توجّه سعيّد على المستوى الخارجي، فيبدو في غالبية تصريحاته متمسكاً بثوابت الدبلوماسية التونسية التي قامت منذ الاستقلال ومعتصماً بالشرعية والقرارات الأممية على نفس نهج سلفه السبسي، إلا أنه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية قرر رفع حالات الحظر والهجوم إلى أقصاها في تغيير شامل لبوصلة العلاقات، متسائلاً "هل سيُعدّ جلوس وزير الخارجية في مجلس الأمن إلى جانب ممثل الكيان الصهيوني ضرباً من التعامل معه أم ستترك تونس كرسيها شاغراً رفضاً لأي تفاوض مستقبلاً، وكذلك في منظمات حكومية وبرلمانية دولية على غرار الاتحاد البرلماني الدولي أو البرلمان من أجل المتوسط، فهل سيعاقب البرلمانيون التونسيون بتهمة الخيانة العظمى لجلوسهم على الطاولة نفسها؟".
ولفت المحلل السياسي إلى أن المعارضة من كتل "الجبهة" و"الحراك" و"التيار الديمقراطي" و"الشعب" عجزت خلال الولاية الماضية عن تمرير قانون تجريم تطبيع وفرض عقوبات على المطبّعين بسبب تمسك الأغلبية الحاكمة بعدم عرضه بسبب إكراهات اقتصادية ومالية وسياسية دولية خفية تساوم تونس على الدعم المالي والاقتصادي. وأضاف أن سعيّد يطرح أيضاً سلاحاً ذا حدين يمكن أن ينقلب عليه، وهو تغيير نظام الحكم بشكل يعيد الحكم للشعب بقلب مسار الاختيار والانتخاب من القواعد وفرض تمثيلية جديدة وإدراج سحب الوكالة الانتخابية عن المسؤولين، وهو تغيير يفرض تنقيح الدستور الذي لا يملك سعيّد قدرة على تنفيذه إلا بأغلبية تتجاوز 145 نائباً على الأقل، هذا إذا لم يعد البلاد إلى مربع الصراعات الأيديولوجية والتدافع الفكري بين مكوّنات البرلمان في محاكاة لما حدث زمن المجلس التأسيسي عند تمرير بنود الدستور.
ويعرض سعيّد أفكارا يقول إنها نابعة من مشاريع الشباب وتوصيات الشعب، على غرار بعث مجلس أعلى للتربية يعتبر أنه سيُصلح به بقية القطاعات والفئات لاعتباره أن في إصلاح التعليم إصلاحاً لبقية مقوّمات وهياكل الدولة. كما يطرح سعيّد إصلاح قطاع الصحة العام بتنقيح القوانين المنظّمة للصحة في تونس، إلى جانب إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي، وهي إصلاحات عميقة تحتاج رؤية استراتيجية لإخراج البلاد من تراكمات مؤسسات الضمان الاجتماعي المشرفة على الإفلاس.
كما تقوم فلسفة الحكم عند سعيّد على اختيار مشاريع يقدّمها الشباب في المناطق ليكون الحُكم المحلي صاحب المقترح الذي يبوب وينجز من قبل الدولة، غير أن ميكانزمات الدولة وموازنتها المركزية تقوم على مشاريع تبوب وتوزع على المناطق حسب برامج وأولويات بما يجعل سعيّد أمام رهانات وحواجز اجتماعية وتنموية قال للشباب والأهالي إنه توجد آليات لتنفيذها وإنجازها.
أول الامتحانات التي تعترض سعيّد فور تقلّده منصبه رسمياً، يتمثّل في تشكل الحكومة الجديدة، المسؤولة عن إدارة حياة المواطنين والإصلاحات والإنجازات، وإن كانت صلاحية الرئيس محدودة في ذلك، إذ تقف في البداية عند تكليف رئيس الحكومة الذي سيختاره الحزب البرلماني الفائز بأكبر عدد من المقاعد، وبالتالي سيكون رئيس الحكومة الجديد بحسب الدستور، على الأرجح سليل حزب "النهضة" أو شخصية قريبة منه لأنه الحزب الأكبر بـ52 مقعداً.
وبحسب ما أعلنه رئيس مجلس شورى "النهضة" عبد الكريم الهاروني، فإن رئيس الحزب النائب راشد الغنوشي هو المرشح الطبيعي بحسب القانون الداخلي للحركة لهذا المنصب، مضيفاً أن الغنوشي سيكون إما رئيس الحكومة الجديدة أو أنّه سيقترح اسم شخصية أخرى لهذا المنصب.
غير أن الحاجز الأكبر يتمثّل في حالة عجز "النهضة" عن تشكيل حكومة وجمع أغلبية برلمانية بـ109 نواب نظراً لاختلاف المواقف والتوجّهات وتقارب الكتل الست متوسطة الحجم، "قلب تونس" بـ38 نائباً، و"التيار الديمقراطي" بـ22 نائباً، و"ائتلاف الكرامة" بـ21 نائباً، و"الحزب الدستوري الحر" بـ17 نائباً، وحركة "الشعب" بـ16 نائباً، و"تحيا تونس" بـ14 نائباً.
ويفرض الدستور أنه في حال انقضاء شهر من دون تشكيل الحكومة، يتحمّل سعيّد المسؤولية ويجمع الكتل البرلمانية والأحزاب والائتلافات الانتخابية إلى طاولة الحوار لفتح مشاورات بينها في غضون 10 أيام قبل أن يختار الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة الجديدة في غضون شهر.
ويُعد خيار فتح مشاورات بين الأضداد والخصوم مسؤولية جسيمة تفترض مكانة اعتبارية وشخصية جامعة لإنجاح مهمة شبه مستحيلة في ظل مرجعيات الكتل وتصريحاتها ومواقفها، من دون اعتبار غياب السند السياسي والحزبي الواضح لقيس سعيّد.
ويُعدّ الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية، رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، هاجساً عاشته تونس زمن الترويكا في المجلس الوطني التأسيسي، ثم بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في نهاية الولاية، وهو ما أثّر بوضوح على سير أعمال الدولة وإن كان النزاع مفصولاً في الصلاحيات ومحسوماً دستورياً لصالح رئيس الحكومة، وبالتالي سيجد سعيّد نفسه شاهداً على السياسات العامة والقرارات والبرامج غير قادر على التغيير إلا بموافقة رئيس الحكومة والحزام البرلماني الداعم له.
وعلى الرغم من الآليات الممكنة لسعيّد للمشاركة في تغيير واقع التونسيين، باقتراح مبادرات تشريعية على شكل قوانين أو باقتراح تعديل الدستور، فإن هذه الصلاحية تبقى رهينة النواب والكتل والأحزاب البرلمانية التي سيرتهن لها سعيّد طيلة ولايته، فحتى السبسي الذي كان مسنوداً بحزبه "نداء تونس" الذي كان متصدراً بـ86 نائباً إلى جانب حلفه البرلماني القوي الذي جاوز 170 نائباً عند تشكيل الحكومة، فإنه عجز عن تمرير مبادرات رئاسية بقيت في رفوف البرلمان لأن الأغلبية البرلمانية عارضته، مثل قانون المساواة في الميراث وقانون المصالحة.
وترتبط مبادرات القوانين والتعديلات الدستورية بموافقة أحزاب الائتلاف الحاكم الجديد الذي سيقوده حزب "النهضة" على ما يبدو، وبالتالي فإن التناغم بين سعيّد والغنوشي خيار لا مفر منه، إلا إذا جنح سعيّد إلى التصعيد والاعتصام بالشارع والشعب وباللجوء إلى التونسيين لفرض تمرير القوانين على الحكومة ومجلس النواب.
ولم يُخفِ سعيّد في تصريحاته نيّته التوجّه إلى الشعب، قائلاً إنه سيعرض مبادراته أمام الشعب وفي حال رفض البرلمان سيحمّله المسؤولية أمام الشعب، كما هدد بأقوى ما يملك من صلاحيات وهي "رفض ختم القوانين القادمة من البرلمان إذا كانت تتعارض مع إرادة الشعب وتطلعاته". إلا أن الإفراط في استعمال هذا "الفيتو" قد يعرّضه إلى تجاوز صلاحياته الدستورية ويدخله في صدام مع الأغلبية المعززة من البرلمانيين وربما توجيه لائحة لوم في حقه وسحب الثقة منه برلمانياً بتهمة الخطأ الجسيم وتعطيل مسار الحكم.
ورفع سعيّد خلال حملته من حجم الآمال والأحلام لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بما جعل سقف تطلعات التونسيين من الرئيس يجاوز صلاحياته في نظام برلماني معدل، وهي تطلعات أعادت إلى الأذهان زمن ما قبل الثورة ومبنية على ما ترسّب في العقل المجتمعي التونسي من تراكمات أكثر من خمسة عقود من حكم رئاسي شمولي.
وتساءل الخبير والمحلل السياسي محمد الغواري، في حديث مع "العربي الجديد"، عن "مدى المسافة التي يستطيع سعيّد أن يقطعها مع مقترحاته وتصوراته التي جمعها من الشباب والحملة، حتى لا نقول وعوداً وبرامج". ولفت إلى أن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ملف حارق يتفادى الجميع الخوض فيه وخصوصاً من يصطدم بإكراهات الحكم ومؤسساته، مشيراً إلى أنه سبق أن عجزت أحزاب مناضلة وشخصيات ثورية عن تجريم التطبيع في الدستور، ليس لقلة وطنيتها أو لنقص في شعورها وحماسها للقضية الفلسطينية، بل لاصطدامها مع موجات الحكم وتأثيرات الخارج على القرار التونسي في وضع هش وصعب تمر به البلاد، مضيفاً أن السلطة الفلسطينية القائمة نفسها لا يناسبها انعزال تونس، التي ترى فيها سنداً قوياً، عن المحيط الإقليمي والدولي، وخصوصا مع نفاذها وعضويتها خلال هذه الدورة في مجلس الأمن الدولي.
ورأى الغواري أن تطبيق عقوبة الخيانة العظمى على من يتعامل مع الكيان الصهيوني سيفتح أبواب ضغوط خارجية وحتى داخلية على تونس من قبل اللوبيات والدول والمنظمات المانحة التي يعلم الجميع أن إسرائيل نافذة فيها وصاحبة قرار قوي.
واعتبر أن هناك تناقضاً في توجّه سعيّد على المستوى الخارجي، فيبدو في غالبية تصريحاته متمسكاً بثوابت الدبلوماسية التونسية التي قامت منذ الاستقلال ومعتصماً بالشرعية والقرارات الأممية على نفس نهج سلفه السبسي، إلا أنه في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية قرر رفع حالات الحظر والهجوم إلى أقصاها في تغيير شامل لبوصلة العلاقات، متسائلاً "هل سيُعدّ جلوس وزير الخارجية في مجلس الأمن إلى جانب ممثل الكيان الصهيوني ضرباً من التعامل معه أم ستترك تونس كرسيها شاغراً رفضاً لأي تفاوض مستقبلاً، وكذلك في منظمات حكومية وبرلمانية دولية على غرار الاتحاد البرلماني الدولي أو البرلمان من أجل المتوسط، فهل سيعاقب البرلمانيون التونسيون بتهمة الخيانة العظمى لجلوسهم على الطاولة نفسها؟".
ولفت المحلل السياسي إلى أن المعارضة من كتل "الجبهة" و"الحراك" و"التيار الديمقراطي" و"الشعب" عجزت خلال الولاية الماضية عن تمرير قانون تجريم تطبيع وفرض عقوبات على المطبّعين بسبب تمسك الأغلبية الحاكمة بعدم عرضه بسبب إكراهات اقتصادية ومالية وسياسية دولية خفية تساوم تونس على الدعم المالي والاقتصادي. وأضاف أن سعيّد يطرح أيضاً سلاحاً ذا حدين يمكن أن ينقلب عليه، وهو تغيير نظام الحكم بشكل يعيد الحكم للشعب بقلب مسار الاختيار والانتخاب من القواعد وفرض تمثيلية جديدة وإدراج سحب الوكالة الانتخابية عن المسؤولين، وهو تغيير يفرض تنقيح الدستور الذي لا يملك سعيّد قدرة على تنفيذه إلا بأغلبية تتجاوز 145 نائباً على الأقل، هذا إذا لم يعد البلاد إلى مربع الصراعات الأيديولوجية والتدافع الفكري بين مكوّنات البرلمان في محاكاة لما حدث زمن المجلس التأسيسي عند تمرير بنود الدستور.
كما تقوم فلسفة الحكم عند سعيّد على اختيار مشاريع يقدّمها الشباب في المناطق ليكون الحُكم المحلي صاحب المقترح الذي يبوب وينجز من قبل الدولة، غير أن ميكانزمات الدولة وموازنتها المركزية تقوم على مشاريع تبوب وتوزع على المناطق حسب برامج وأولويات بما يجعل سعيّد أمام رهانات وحواجز اجتماعية وتنموية قال للشباب والأهالي إنه توجد آليات لتنفيذها وإنجازها.