تحاول السلطة التشريعية العراقية، التخلص من أعباء الخلافات الحزبية والتقاطعات بشأن إكمال تشكيل الحكومة، والتي أثّرت سلباً على عمل البرلمان وتشريع قوانينه، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى فصل بين السلطات كي تستمر في أعمالها. الأمر الذي دفع باتجاه اتخاذ خطوات لتحصين دائرة عمل البرلمان من انعكاسات تلك الخلافات. ويعدّ موضوع رئاسة اللجان البرلمانية المتوقف على إكمال التشكيلة الحكومية من أكبر تلك الملفات تأثيراً، ما حتّم التوجه نحو حل لترؤسها من قبل أعضائها الأكبر سنّاً، كخطوة مرحلية. كما شلّت الخلافات السياسية بشأن الحقائب الوزارية الشاغرة عمل البرلمان، وحالت دون تشريع أي قانون خلال الفترة التي مضت من عمر البرلمان.
في هذا السياق، أفاد نائب عن تحالف البناء، لـ"العربي الجديد"، بأنّ "رئاسة البرلمان والنواب قلقون بشأن تكبيل عمل البرلمان بخلافات تشكيل الحكومة"، لافتاً إلى أنّ "هناك صراعاً حزبياً مستمراً بشأن الحقائب الوزارية، قد لا ينتهي بالفترة القريبة المقبلة، وقد تسبب ذلك بتعطيل دور البرلمان التشريعي".
وأكد أنّ "هناك توجّهاً برلمانياً حالياً لتجاوز هذه الأزمة، والبحث عن مخرجات قانونية تسوّغ عمل البرلمان، وعزله عن مشاكل السلطة التنفيذية"، مشيراً إلى أنّ "البرلمان يدرس مقترحات لتسيير عمل لجانه. ومن أهم تلك المقترحات، تعيين رؤساء وقتيين للجان البرلمانية من أعضائها، قد يكون الأكبر سناً، ليدير عمل اللجنة، إلى أن يتم حسم موضوع التشكيلة الحكومية، ومن ثم يتم انتخاب رؤساء بالأصالة".
وأضاف أنّه "في حال تعيين رئيس لتلك اللجان ستباشر عملها بشكل فعلي، وسيخطو البرلمان خطوات عملية نحو استمرار عمله بمعزل عن الأزمات السياسية"، مؤكداً أنّ "هذا المقترح لاقى ترحيباً من أكثر نواب البرلمان، وسيتم الأخذ به في حال لم تستطع الكتل السياسية حسم إكمال الحكومة خلال جلسة الأسبوع الحالي". وأشار إلى أنّه "في حال كان رئيس اللجنة (الأكبر سناً) من نفس الوزارة المقابلة للجنة، يتم تعيين الأصغر منه، بحسب الترتيب العمري لأعضاء اللجنة، تلافياً للخلاف السياسي الذي قد يترتب على ذلك".
وانتقدت كتل سياسية عدة الأداء الضعيف للبرلمان، خلال الفترة السابقة. وقال النائب عن تحالف البناء، حنين قدو، في حديث صحافي، إنّ "عدم إقرار أي قانون أو تشريع برلماني، خلال الفترة التي مضت من عمر البرلمان، سببه عدم تسمية رؤساء اللجان البرلمانية وعدم إكمال التشكيلة الحكومية"، مشيراً إلى أنّ "الأداء الضعيف للبرلمان سببه الخلافات السياسية التي انعكست على عمله، وانشغاله بالتشكيلة الحكومية من دون الالتفات إلى القوانين، ما تسبب بإحباط الشارع العراقي من ذلك". ولفت إلى أنّ "إكمال التشكيلة الحكومية في حال تم، وتم إقرار الموازنة، قد يسهم ذلك بتحريك الأجواء داخل البرلمان".
ولا تسمح التفاهمات السياسية وتقاسم المناصب خلال الدورة البرلمانية الجديدة، بانتخاب رؤساء اللجان البرلمانية قبل الانتهاء من تشكيل الحكومة، حتى لا يكون رئيس أي لجنة من ذات الكتلة أو الحزب للوزارة المقابلة، كالوزارات الأمنية والتي تقابلها لجنة الأمن البرلمانية، ووزارة الصحة التي تقابلها لجنة الصحة والبيئة البرلمانية، وغيرها.
من جهته، أكد عضو تحالف الإصلاح سعد الميّاحي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة التعامل الحازم من قبل رئاسة البرلمان لحسم هذا الموضوع، وعدم السماح للكتل بفرض شروطها". وقال إنّ "بعض الكتل متمسكة برئاسة بعض اللجان، وقد ترفض مقترح تعيين رؤساء وفقا لكبر السن". وشدّد على أنّ "المسؤولية تقع على عاتق رئاسة البرلمان لحسم هذا الموضوع، وعدم السماح للكتل السياسية بتطبيق أجنداتها الخاصة وتعطيل دور البرلمان". كما رأى مراقبون أنّ "من صلب مسؤوليات البرلمان، أن يعمل بمعزل عن السلطات الأخرى وأزماتها، كونه صوت الشعب الذي لا يمكن تكبيله بأمور بعيدة عن اختصاصه".
وقال الخبير السياسي، علي العنزي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئاسة اللجان البرلمانية اكتسبت أهمية في التنافس السياسي للحصول عليها، بعدما أثبتت دوراً كبيراً في الدورة البرلمانية السابقة واستطاعت إقالة وزراء. وهو الأمر الذي جعل من منصب رئيس اللجنة منصباً مهماً"، مشدّداً على أنّ "المسؤولية تقع على عاتق رئاسة البرلمان، التي يتحتم عليها، أن تحصن البرلمان من أزمات الأحزاب".
وأكد أنّ "الحراك بشأن حسم رئاسات اللجان أمر من الأهمية بمكان، في تفعيل دورها، إذ إنّها لم تستطع أن تقدّم شيئاً خلال الفترة السابقة، بسبب عدم انتخاب رؤسائها"، معتبراً أنه "لا يوجد تعارض قانوني بأن يسير عمل البرلمان بانتخاب رؤساء مرحليين للجانه". وأشار إلى أنّ "مبدأ الفصل بين السلطات يجب أن يُفعّل، وهناك مسؤولية على رئاسة البرلمان بتفعيل هذا المبدأ، فبمجرد عدم الفصل سيكون هناك تقاطعات وانعكاسات على أداء السلطات العراقية، وخاصة التشريعية منها".