تونس تسرّع خطى التطبيع مع نظام الأسد

05 يناير 2019
بدأت الخطوات لعودة العلاقات منذ 2014 (أمين الأندلسي/ الأناضول)
+ الخط -


تكثّفت التحركات الحزبية والدبلوماسية في تونس أخيراً تجاه التطبيع مع النظام السوري، بموازاة حراك عربي آخر. ومع أن دولاً عربية كانت واضحة في محاولاتها، وفتحت سفاراتها في دمشق أو قامت بزيارات إلى العاصمة السورية، إلا أن الموقف الرسمي التونسي بقي موارباً في هذا الشأن، متعاملاً مع الملف بالإشارات والتلميحات. وهو ما ظهر في تأكيد وزير الشؤون الخارجية، خميس الجهيناوي، أن "دعوة سورية لحضور القمة الثلاثين للجامعة العربية التي ستحتضنها تونس في مارس/ آذار المقبل قرار يعود للجامعة العربية وليس لتونس كدولة حاضنة للقمة". في المقابل، ذكّر المسؤولون التونسيون مراراً بأن "تونس لم تقطع كل الجسور مع النظام في سورية وأن لديها مكتباً تمثيلياً قنصلياً هناك، ولكنها في الوقت ذاته لا تقيم علاقات واضحة على مستوى دبلوماسي عال ولا تتورط في اتخاذ موقف واضح في اتجاه تطبيع العلاقات او إعادتها إلى مستوى السفارات".

أساساً، كانت تونس محاصرة في الموضوع السوري، بين القرار العربي الواضح في مواجهة النظام سابقاً، وبين مصالح التونسيين الخاصة المتعلقة أساساً بوجود عدد من المجموعات الإرهابية التي تتخذ من سورية مقراً لنشاطها وتتواصل مع مثيلاتها في تونس. وكانت السلطات التونسية بحاجة ماسة إلى معطيات أمنية دقيقة حول هذا الموضوع، ما دفعها إلى إعادة فتح مكتب قنصلي في دمشق بعد قرار قطع العلاقات الدبلوماسية من الرئيس السابق منصف المرزوقي، رغم أن هذا القرار (قطع العلاقات) لم يُفعّل قانونياً لأنه لم يتم إبلاغ الأمم المتحدة به.

وسبق أن تحركت أحزاب وشخصيات تونسية معروفة بتأييدها للنظام في دمشق منذ سنوات، ودعت الرئاسة التونسية إلى إعادة العلاقات مع سورية. وسلّطت ضغوط مهمة على السلطات التونسية التي لم ترضخ لذلك والتزمت بالقرار العربي السابق بإبعاد سورية عن الجامعة العربية. ولكن تصريح المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، المسؤولة دستورياً عن العلاقات الخارجية، كان لافتاً، يوم الخميس الماضي، إذ قالت في معرض تعليقها على احتضان تونس القمة العربية المقبلة، وإمكانية دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد، إنه "منذ يونيو/ حزيران 2014، تم اتخاذ قرار بالتمثيل الدبلوماسي لتونس في سورية وطُبّق في سبتمبر/ أيلول من العام عينه، ودُعّم الحضور منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2015، بتسمية قنصل في سورية برتبة مستشار دبلوماسي". ولفتت إلى أن "تونس تحترم القرار السوري وأن شعبها هو الذي يحدد من يحكمه".

واعتبرت قراش في تصريح للإذاعة الرسمية أنه "من المهم محافظة سورية على وحدتها واستقرارها، تونس تسعى لتجاوز سحب التمثيل الدبلوماسي السوري من الجامعة العربية، ولن تدخر جهداً لخلق تماهٍ في المواقف". وأشارت إلى أن "وجود ديناميكية جديدة في المواقف، فدولتا البحرين والإمارات أعلنتا عن إعادة علاقاتهما مع سورية وأن السعودية الشقيقة تخلّت عن خطابها السابق تجاه دمشق. وينطبق ذلك على الكويت". وهو كلام يوحي باستعجال رسمي تونسي للحاق بركب الأنظمة التي تعيد علاقاتها الرسمية بدمشق.



والأبرز في حديث المتحدثة باسم الرئاسة التونسية قولها إن "إعادة سفير تونس إلى سورية مشروط بتوفر الاستقرار"، وتوقعها بأنه "حتى انعقاد القمة العربية في مارس قد تتغير كل المعطيات". إشارة تُشكّل تلميحاً مهماً للحوارات العربية التي تجرى بين عدد من الدول العربية بخصوص هذا الملف، وتفسح المجال لتونس "لتأدية دور من أجل تقريب وجهات النظر" على حد تعبير قراش نفسها.

ولكن تغير الموقف التونسي لا يحصل بإشارات رسمية فقط، فقد اعتبرت حركة النهضة التونسية في بيان لها، أخيراً، أنه "بخصوص التطورات الإقليميّة بسورية، فإن الحركة تدعو إلى مصالحة وطنية شاملة، يستعيد بها الشعب السوري حقه في أرضه وفي حياة ديمقراطية، وتضع حداً للتقاتل وما انجرّ عنه من مآسٍ إنسانية وتعيد لسورية مكانتها الطبيعية في المنظمات الدولية والعربية". كذلك أكد المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة، عماد الخميري في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "النهضة دعت إلى المصالحة الوطنية في سورية، بالاستناد إلى التجربة التونسية التي ترتكز على الحوار. بالتالي فإن الوضع في سورية، وبعد 7 سنوات من الحرب، لا بدّ أن يتغير وأن يتم الاحتكام إلى الحوار بدلاً من الحرب وإلى المصالحة الوطنية الشاملة، خصوصاً بعد الفظاعات التي حصلت. بالتالي فإن النهضة ترى أنه آن الأوان إلى الاحتكام إلى لغة الحوار والنهج السلمي لفض النزاعات. وهي ليست المرة الأولى التي تدعو فيها حركة النهضة إلى الحوار".

وأوضح الخميري أنّ "النهضة ومن هذا المنطلق دعت إلى مصالحة وطنية تستعيد بها سورية مكانتها في العالم العربي"، مشيراً إلى أن "المستجدات ووقائع الأمور تشير إلى أن الخيار الأمثل أمام السوريين اليوم، هو المرور إلى المصالحة الوطنية باعتماد آليات لا تقصي أحداً. ومن حق السوريين أن يتمتعوا بحقوقهم وأن يستعيدوا حياتهم ويعيشوا الديمقراطية بعيداً عن الاحتراب والقوة وتغييب الحوار".

واعتبر أنه "يمكن الاستفادة من التجربة التونسية القائمة على الحوار، ويمكن لعدد من الدول العربية بناء تجارب ديمقراطية تنهي الانقسامات والصراعات التي تعرفها بلدان عدة"، لافتاً إلى أنه "بمقدور النخبة العربية والعائلات السياسية بناء تجارب جيدة في العالم العربي وأن تنهي هذه الأخيرة صراعاتها". كلام يغيب عنه أي موقف "نهضوي" من ضرورة رحيل الأسد، ومحاسبته ونظامه، ويصبّ، أيضاً، في خانة ما يبدو تحضيراً للأجواء المناسبة في تونس لإعلان تطبيع رسمي وعلني مع حكام دمشق.