يبدأ اليوم الأحد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارته الرسمية إلى القاهرة، والتي تستغرق 3 أيام، والتي ستشهد غداً الإثنين مباحثات ثنائية وموسعة حول العديد من الملفات السياسية والاقتصادية الثنائية والإقليمية، كما ستشهد احتفالاً خاصاً بمناسبة الذكرى الـ150 لافتتاح قناة السويس في عهد خديوي مصر الراحل إسماعيل والإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، حيث كان البلدان قد اتفقا على اعتبار العام الحالي عاماً ثقافياً بين البلدين.
والزيارة تعتبر الأولى التي يجريها ماكرون للقاهرة منذ توليه منصبه في العام 2017. وبحسب الرئاسة المصرية فإنها ستتطرق إلى سبل تعزيز التعاون بين فرنسا والقارة الأفريقية في ظل الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي هذا العام، بينما أعلنت الخارجية الفرنسية أن أهم ملف سيتدارسه الطرفان سيكون المتعلق بالهجرة واللاجئين، فيما قالت تقارير إعلامية فرنسية إن ماكرون سيصحبه عدد من المستثمرين ورجال الأعمال الذين سيوقعون عقوداً مع الحكومة المصرية لتنفيذ عدد من المشاريع في مجالات عديدة.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الملف الأبرز الذي سيتطرق الرئيسان له في مباحثاتهما هو الخاص بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، فهناك عدة مستجدات ستتم دراستها، في مقدمتها منح 4 عقود لفرنسا لإنشاء محطتين لتوليد الطاقة الشمسية ومحطتين أخريين صغيرتين لتوليد الطاقة الكهربائية في الصعيد، وذلك بناء على اتفاق مبدئي بين السيسي وماكرون خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الأول لباريس في أكتوبر/تشرين الأول العام 2017. وذكرت المصادر أن الجانبين قطعا، في الشهرين الماضيين، شوطاً في دراسة أوضاع مشاريع مشابهة، قامت بها شركتا كهرباء فرنسا و"فولتاليا" في عدة مدن فرنسية. وستشهد الزيارة تحديد معايير إنشاء المشاريع الأربعة، حيث سيؤدي حصول فرنسا على تلك العقود إلى مزاحمة ألمانيا على سوق توليد الكهرباء في مصر. وستحصل الشركتان على ربح يتخطى 60 في المائة من إجمالي حصيلة الكهرباء المولدة والمباعة على مدار 25 عاماً، وفق مشروع التعاقد. وفي نفس السياق سيتم وضع اللمسات النهائية على تلقي مصر لمساعدات فرنسية مجدولة بواقع 60 مليون يورو في مجالات الطاقة والرعاية الصحية والنقل وإعادة تأهيل بعض المرافق، فضلاً عن دراسة أوجه إنفاق منحة لا تُرد قدرها 1.5 مليون يورو لإنشاء عدد من المشاريع المرفقية وتدريب الكوادر الفنية.
وكشفت المصادر أن من بين المواضيع المتعلقة بهذا الملف والتي تمثل أولوية لدى الجانب الفرنسي، مصير بعض الاستثمارات الفرنسية القائمة في مصر منذ سنوات في مجال صناعة الإسمنت وبعض القطاعات الأخرى الثانوية، في ظل احتكار المشاريع المماثلة التابعة للجيش لمعظم الحصص السوقية للمبيعات، كنتيجة طبيعية للمزايا التي منحها السيسي في السنوات الماضية للجيش وتمكينه من منافسة القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب. ولم تستبعد المصادر أن تشهد الزيارة مفاوضات حول صفقات جديدة لشراء الأسلحة من شركة "داسو"، موضحة أن اتصالات بدأت منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بين البلدين حول إمكانية شراء سفن حربية صغيرة وأسلحة خفيفة بأسعار مخفضة، علماً بأن نصيب فرنسا من الأموال المصرية منذ تولى السيسي الرئاسة هو 950 مليون يورو مقابل شراء حاملتي المروحيات من طراز "ميسترال"، والمحتمل حالياً أن يتم تأجير واحدة منهما على الأقل لروسيا، خصوصاً بعدما امتنعت باريس لأسباب سياسية عن بيعهما لموسكو مقابل 900 مليون يورو. كما اشترى السيسي من باريس 24 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" مقابل 5.2 مليارات يورو، في ظل تراجع الطلب العالمي عليها. وتتفاوض مصر لاستيراد 12 أخرى.
وأضافت المصادر أن الرئيسين سيتباحثان بشكل موسع حول الأزمة الليبية، في ظل التحفظ المشترك على المقاربات الإيطالية لهذا الملف، حيث يبدو ماكرون أكثر تحمساً من أي وقت مضى لتفعيل مبادرة حقيقية لتوحيد الجيش الليبي تأسيساً على الجهود التي يبذلها السيسي وتقرأ دائماً في سياق دعمه ودعم الإمارات لقائد قوات برلمان طبرق اللواء المتقاعد خليفة حفتر والرغبة المشتركة في زعزعة مركز المجلس الرئاسي القائم والالتفاف على اتفاق الصخيرات. وفي ظل انتقاد صحف كبرى وجمعيات حقوقية فرنسية وأوروبية للزيارة باعتبارها تمنح الرئيس المصري دعماً في مواجهة معارضيه، وتركيزها على وصف ماكرون له بـ"الحليف الأساسي"، فإن الطرفين سيبحثان فرص تعزيز الشراكة الأوروبية مع مصر في ملف التصدي للهجرة غير الشرعية واستضافة اللاجئين العرب والأفارقة الذين ينوون الانتقال إلى أوروبا، ارتباطاً بالجهود التي تبذلها النمسا في هذا المجال، والمباحثات السابقة التي أجراها السيسي في فيينا مع المستشار النمساوي، سيباستيان كورتس. ويحاول السيسي حشد موافقة أوروبية على زيادة المساعدات المالية للقاهرة لدعم تصديها لحركات اللجوء ودعم بقاء عدد من اللاجئين في مصر، فضلاً عن زيادة المساعدات المخصصة لتنمية المجتمع المحلي وزيادة فرص العمل، باعتبار البطالة والفقر من أبرز أسباب هجرة المصريين غير الشرعية لأوروبا.
وفي سياق الزيارة أيضاً، كشف مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، أن دوائر سياسية فرنسية وأوروبية تواصلت مع الإليزيه لإقناع ماكرون بعقد لقاء مع شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية معارضة خلال الزيارة، في مقر السفارة الفرنسية بالجيزة، أسوة باللقاء الذي عقده سلفه فرانسوا هولاند مع عدد من الشخصيات المعارضة للسيسي إبان زيارته الأخيرة للقاهرة في إبريل/نيسان 2016. وأشار المصدر إلى أن المعلومات المتاحة تشير إلى أن ماكرون "ربما" يشير إلى ضرورة وقف التعامل الأمني الغاشم مع المعارضين وسيستفسر عن مستجدات التحقيق المهمل في قضية مقتل المواطن الفرنسي، إيريك لانج، في العام 2013 داخل قسم شرطة، لكن لن يتم اتخاذ أي إجراءات عقابية أو ضاغطة على النظام.