على هامش شكوى إيطاليا من فرنسا

25 يناير 2019
اشتبكت باريس وروما حول أزمة اللاجئين(فيديريكو سكوبا/فرانس برس)
+ الخط -


للمرة الثانية، منذ يونيو/ حزيران 2018، دخل حكام إيطاليا المتطرفون، بلسان لويجي دي مايو وماتيو سالفيني، في سجال مع فرنسا، وإن سُوّقت "أزمة اللاجئين" كسبب رئيس لتوتر العلاقات الأوروبية الداخلية. لكن، أمام انكشاف انتهازية شعبوييها، رصاً للصفوف، والخدمات المتبادلة، قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو/ أيار المقبل، فإن "الأزمة" تفضح ما هو أعمق وأشد. فأفريقيا ليست وحدها في مرمى فرض استراتيجيات الهيمنة وتعميق التبعية، الاقتصادية والسياسية. لا جديد في تذكير دي مايو وزميله سالفيني، المعجبين، كبقية متطرفي القارة، بديكتاتوريي جنوبي المتوسط، بالمسؤولية الاستعمارية لفرنسا. فهل البقية، حتى من هو بلا ماضٍ استعماري، أبرياء من جديدها، ومن سياسات الاستغلال وازدواجية المعايير؟

خلال ثمانية أعوام في حراك المنطقة العربية فضّلت أوروبا العميقة حكاماً فاسدين وديكتاتوريين على نشوء أنظمة تعكس إرادة الشعوب. بعض أوجه العري الأخلاقي والقيمي تكشفه صفقات السلاح والغاز، ونهب وتهريب الأموال، وفرش سجاد أحمر لشرعنة انقلابيين ومستبدين، والسكوت على جرائم حرب ضد الإنسانية، من احتلال فلسطين إلى أنظمة حراسة الحدود والمصالح، مقابل صفقات رشى لدوران عجلة اقتصاداتهم. قد يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكثر فظاظة من ترامبيي أوروبا. لكن جدران "قلعة أوروبا" النيوكولونيالية لا يمكن تكذيبها. فهل حقاً تختلف روما عن باريس، وبعض أعضاء نادي بروكسل؟

تحت قشرة محاولة الظهور بصورة أقلّ وقاحة، مفاضلة واستهتاراً بإرادة وحرية الشعوب، ثم الشكوى من اضطرار بعضهم للهجرة، يكشف السعي الدؤوب للحفاظ على/ ورعاية أنظمة مستبدة وقهرية، أن ثمة انهيارات أخلاقية وقيمية، غير آبهة برائحة الموت الذي تسببه تحالفاتها مع قوى وظيفية محلية، ومواصلة تصديرها وسائل القمع كافة؛ من السلاح إلى القيود وأدوات التعذيب، إلى تقنيات التلصص ومتابعة المعارضين وأصحاب الرأي.
اليوم يقف معسكر الوسط التقليدي في أوروبا، التي يريدها يمينها المتطرف "نقية"، على حافة خطأ تاريخي مكلف، بالسماح بجعل المصالح فوق المبادئ، ولا فارق هنا بينه وبين البيت الأبيض، فميوعة الموقف من قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي خير مثال. وكان يمكن لمعسكر ليبرالييها ويسارها ويسار وسطها أن يحافظ على الأمرين، بعيداً عن التباكي على زمن الأنظمة الديكتاتورية. فتسليع الحقوق وانتقائيتها لن يخلقا "جيرة حسنة" أو ثباتاً في "الأمر الواقع".

المساهمون