طمس 25 يناير من الدستور المصري: حذف الديباجة وإلغاء العدالة الانتقالية

25 يناير 2019
نصوص مشروع قانون العدالة الانتقالية قد تطاول السيسي نفسه(Getty)
+ الخط -
بات في حكم المؤكد طمس ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 من تعديلات الدستور المصري المرتقبة، وعدم الإشارة إليها من قريب أو بعيد في الدستور أو ديباجته، فضلاً عن إلغاء المادة الخاصة بإقرار تشريع للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وحذف المخصصات الدستورية لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، والمحددة بنسبة 10 في المائة من الناتج الإجمالي للدولة.

وحسب مصادر نيابية متطابقة، فإن هناك اتجاهاً للإشارة فقط إلى أحداث 30 يونيو/ حزيران 2013، بوصفها مؤسسة للمرحلة الانتقالية التي شهدت وضع دستور جديد للبلاد، مرجحة النص على إنشاء مجلس "حماية الدولة وأهداف الثورة" في تعديل الدستور، كمجلس انتقالي مدته خمس سنوات، يبدأ مع انتهاء ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحت رئاسته، باعتباره مطلق بيان 3 يوليو/ تموز (بيان الانقلاب).


ومع انعقاد مجلس النواب الحالي في 10 يناير/ كانون الثاني 2016، رفض البرلماني المقرب من دائرة السيسي، مرتضى منصور، القسم على احترام الدستور بدعوى عدم اعترافه بثورة 25 يناير، مضيفاً إلى القسم كلمة "مواد الدستور" بدلاً من "الدستور"، لرفضه الإقرار بثورة المصريين في ديباجة الدستور، وقوله تحت قبة البرلمان إنه "مؤامرة كبرى، ولا توجد إلا ثورة واحدة هي 30 يونيو".
وأصرّت ديباجة الدستور على وضع ثورة 25 يناير جنباً إلى جنب مع أحداث 30 يونيو/ حزيران، معتبرةً أنهما امتداد للمسيرة الثورية الوطنية، وتوكيد للعروة الوثقى بين الشعب وجيشه الوطني، وحدث فريد بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، من خلال المشاركة الشعبية بكثافة قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والإيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة.
وسبق أن حذفت لجنة الخبراء العشرة، التي وضعت المسودة الأولية لدستور 2014، وكان أحد أعضائها رئيس البرلمان الحالي علي عبد العال، ثورة 25 يناير من ديباجة الدستور، ما أثار غضباً واسعاً آنذاك بين جموع المصريين، ودفع لجنة الخمسين (أقرت المسودة الأخيرة) إلى النص عليها في الديباجة مقرونة بأحداث الانقلاب، والذي وقع في الأصل من أجل إلغاء كافة مكتسبات الثورة.
كما جاهر مجلس النواب، الخاضع للسيسي، مراراً، بعدم مسؤوليته عن أحكام المادة (241) من الدستور، والتي تلزمه بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل تعويض الضحايا وفقاً للمعايير الدولية، في أول دور انعقاد له بعد نفاذ الدستور، وذلك بعد إعلان الحكومة توقف عمل اللجنة المكلفة بإعداد القانون، بذريعة أن الدستور لا يُلزم الحكومة بتقديم مشروع القانون إلى البرلمان، بوصفه الملزم دستورياً بإصداره.
ويأتي تخلي السلطتين التشريعية والتنفيذية عن القانون، من كون نصوصه قد تطاول السيسي نفسه، لأنه كان أحد المسؤولين عن جرائم ما بعد الانقلاب، بحكم منصبه كوزير للدفاع إبان فض قوات الجيش والشرطة اعتصامي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بيد أن القانون يُحدد المسؤول عن قتل الضحايا الذين سقطوا خلال تلك الأحداث، ومن ثم محاسبتهم.
وكان وزير الشؤون النيابية السابق، مجدي العجاتي، قد صرح بأن "قانون العدالة الانتقالية شائك وليس سهلاً، لأنه لا بد أن يُحدد: ماذا حدث، ومن المسؤول، ومن أُضير، وكيفية جبر الضرر، وطرح أُطر للمصالحة الوطنية". ولفت يومها إلى أن "الإشكالية تتمثل في كيفية التصالح مع من تلوثت يده بالدماء، في ظل تشابك الأطراف، خصوصاً عقب أحداث 30 يونيو 2013".
وفي 24 يوليو/ تموز 2016، قال رئيس مجلس النواب علي عبد العال إن "إصدار قانون للعدالة الانتقالية يعتمد على التوافقات التي ينتهي إليها أعضاء المجلس"، مشيراً إلى أن هذا التشريع له خصوصية، ويتطلب حواراً مجتمعياً شاملاً قبل إقراره، لأنه يجب أن يصنع نصوصه الشعب، لا ممثلوه في مجلس النواب "حتى تكون نابعة من القاعدة الشعبية، وقابلة للتطبيق على أرض الواقع"، حسب تعبيره.
كما قال رئيس لجنة الإعلام في البرلمان، والقيادي في ائتلاف الأغلبية (دعم مصر)، أسامة هيكل، في مايو/ أيار 2017، إن جمع أعضاء الائتلاف يرفضون وضع قانون للعدالة الانتقالية، لأنه يعني إنجاز مصالحة وطنية مع جماعة الإخوان، بالرغم من أن الدولة باتت مستقرة، متهماً واضعي المادة الدستورية بـ"التواطؤ على الدولة"، بعدما تساءل: "ما المقصود بتعويض الضحايا؟ وهل كان يُقصد بهم ضحايا اعتصام رابعة؟".

كذلك أكد المتحدث باسم البرلمان، صلاح حسب الله، في 21 يناير/ كانون الثاني 2018، أن "قانون العدالة الانتقالية ليس من أولويات الأجندة التشريعية لمجلس النواب"، بحجة أن المجتمع المصري يرفض المصالحة مع جماعة الإخوان.
وطالب الصحافي المقرب من النظام، ياسر رزق، في مقال نشر أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ائتلاف الأغلبية في البرلمان بتشكيل مجموعة عمل متخصصة من النواب، "لإجراء دراسة لفلسفة التعديل الدستوري الواجب إجراؤه في هذه الدورة البرلمانية، وتحديد المواد اللازم تعديلها أو إلغاؤها". ودعا إلى ضرورة إلغاء المواد المتعلقة بتخصيص نسب من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم، بزعم أنه "أمر يصعب تطبيقه".
وادعى رزق وجود ضرورة في زيادة سنوات المدة الرئاسية الواحدة إلى 6 سنوات، كنص انتقالي يسري على السيسي وحده، ولا يسري على الرؤساء القادمين. وفي حال عدم تمديد الولاية لأكثر من مدتين، يتشكل مجلس "حماية الدولة" برئاسة السيسي بعد انتهاء ولايته، على أن يضم في عضويته الرئيسين السابق والتالي عليه، ورؤساء البرلمان والحكومة والمحكمة الدستورية والجيش والاستخبارات.
ووفقاً لمصادر برلمانية مطلعة، من المرجح إجراء الاستفتاء الشعبي على تعديلات الدستور في النصف الثاني من العام الحالي، كون مجلس النواب سيستغرق قرابة ثلاثة أشهر لإقرارها منذ تاريخ طرحها المرتقب، على أن تطاول التعديلات 15 مادة على الأقل، وهي التي تتعلّق بمدد الرئاسة، وصلاحيات رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، وعدد أعضائه، علاوة على استحداث غرفة ثانية للبرلمان تحت مسمى "مجلس الشيوخ".