العراق: خلافات الأكراد تريح القوى الشيعية في المفاوضات السياسية

24 سبتمبر 2018
حزب البارزاني طرح اسم فؤاد حسين لرئاسة الجمهورية (الأناضول)
+ الخط -

تحديات وتطورات متسارعة في بغداد وأربيل والنجف جعلت من المستحيل على أقطاب العملية السياسية في العراق، إلا الرضوخ لحقيقة أن الدستور النافذ في البلاد تراجع لصالح التوافق السياسي بين الكتل المتنافسة، إذ سُجّلت، خلال الأشهر الأربعة الماضية، خروق دستورية عدة سكت عنها مجلس القضاء الأعلى والبرلمان والكتل السياسية، كإلغاء الأصوات الانتخابية لمواطني جانب الرصافة في بغداد، تحت ذريعة الحريق المفتعل لمخازن المفوضية، على خلاف المادة الدستورية التي تمنع حجب أو حرمان أو إعاقة أو إلغاء حرية الاختيار والتصويت للعراقي، ووجوب إعادة عملية الاقتراع في المناطق التي احترقت أوراقها الانتخابية. كما يدخل في المخالفات، ملف انسحاب أحد النواب الفائزين في الأنبار بصفقة مهّدت لعودة أحد القيادات السنية النافذة في البلاد، والمتهمة بالفساد (محمد الكربولي) بعد خسارته في الانتخابات، عدا عن ملف ترك الجلسة الأولى مفتوحة خلافاً للدستور، وعدم تحديد الكتلة الأكبر عدداً فيها، وإبقاء الموضوع مفتوحاً للتوافقات والمباحثات السياسية، وصولاً إلى انعقاد الجلسة الثانية من دون اختيار رئيس للجمهورية.

الاستعراض السياسي الأخير لرئيس البرلمان الجديد، محمد الحلبوسي، لا يمكن أن يخرج عن إطار انتهاك الدستور الموجب لمبدأ فصل السلطات، فشهدت زيارته الأخيرة إلى البصرة، تجاوزاً على صلاحيات رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، وكذلك المؤسسة الأمنية، من خلال تدخّله في ملف المعتقلين داخل البصرة، من دون أن يحقق سوى تصريحات إعلامية لا تختلف عن قيادات أخرى تحدثت في ملف البصرة، ولم تعد تلقى التفاعل السابق من الشارع البصري.

في هذا السياق، كشفت مصادر داخل البرلمان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن "ضغوط كبيرة من كتل سياسية مختلفة لتأجيل اختيار رئيس للجمهورية يوم غد الثلاثاء، بسبب عدم وجود توافق بين القوى الكردية، حول ترشح برهم صالح لرئاسة الجمهورية، في ظل رفض معسكر البارزاني (الحزب الديموقراطي الكردستاني) وقوى أخرى، مثل الاتحاد الإسلامي والتغيير ذلك".

وقال مسؤول داخل الدائرة القانونية في البرلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "قوى كردية تضغط باتجاه عدم تمرير استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية يوم غد الثلاثاء، والمعسكرين الشيعيين يحرصان على عدم الاصطدام بأربيل التي تملك 26 مقعداً برلمانياً، قادرة على ترجيح كفة أحد الطرفين"، في إشارة إلى تحالفي البناء بزعامة هادي العامري ـ نوري المالكي، والإصلاح بزعامة مقتدى الصدر وعمار الحكيم ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.

من جهتها، أكدت مصادر سياسية أخرى أن "الحزب الديموقراطي بزعامة مسعود البارزاني، طرح اسم فؤاد حسين، وهو رئيس ديوان إقليم كردستان العراق، لمنصب رئاسة الجمهورية، إلى جانب ترشيح الاتحاد الوطني لبرهم صالح، وتقديم القيادية الكردية في حركة التغيير سروه عبد الواحد ترشحها لمنصب رئاسة الجمهورية".

وبروز الخلاف الحاد بين القوى الكردية قد يدفع إلى مساومات جديدة بسبب منصب رئيس الجمهورية، من بينها تخلي البارزانيين عن بعض الشروط التي فرضتها على قوى شيعية في بغداد لقاء التحالف معها. ورأى مراقبون أن "الأولوية لدى البارزانيين هي ربح معركتهم الحالية الداخلية في الإقليم ضد السليمانية (معسكر حزب الاتحاد الكردستاني)، لذا قد يوافقون أو يبدون ليونة أكثر من السابق في ملفات أخرى مع قوى شيعية لقاء تأييد تلك القوى لأربيل على حساب السليمانية".



وقال نائب سابق عن التحالف الكردستاني لـ"العربي الجديد"، إن "التنافس الكردي وصل إلى مرحلة خطيرة، وقد تكون على حساب استحقاقات الأكراد القومية". وأضاف أنه "لعل ترشيح برهم صالح ودعم إيران كان من البداية فخا لاستدراج البارزاني، وجعله أكثر تجاوبا مع القوى الشيعية المدعومة من طهران".

وتابع النائب أن "الصراع الكردي لم يعد على مستوى منصب رئيس الجمهورية، بل داخلياً هناك خلافات حزبية حادة، ومعلومات تؤكد أن قياديين اثنين من الاتحاد الكردستاني قد يعلنان انشقاقهما، وأحدهما متواجد حالياً في أربيل، وهو محافظ كركوك السابق، نجم الدين كريم".

من جهته، أوضح عضو الحزب الديموقراطي الكردستاني، هيمن عبد الرزاق، لـ"العربي الجديد"، أنه "في حال لم يتم التوافق على مرشح فسيكون هناك عدة مرشحين للرئاسة مثل برهم صالح، وسروه عبد الواحد، والسفير العراقي لدى الفاتيكان عمر البرزنجي، ومرشح الحزب الديموقراطي الكردستاني، في تنافس واحد داخل البرلمان". وبيّن أن "التحفظ على برهم صالح يأتي من حقيقة أنه لا يستحق تمثيل الشارع الكردي، ومتقلّب، إضافة إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني يحاول احتكار المنصب للمرة الرابعة على التوالي".

القيادي عن الحزب الديموقراطي وأحد المقربين من مسعود البارزاني، عرفات كرم، قال لـ"العربي الجديد"، إن "حزبه لديه مرشح لرئاسة الجمهورية، والمشكلة الأولى هي أن الاتحاد لم يستشرنا في تسمية أو تقديم مرشحه، وأن الجميع يعلم أن لنا الحق في هذا المنصب، على اعتبار أننا الكتلة الأكبر بين القوى الكردية".

وأبدى اعتقاده بأن "جميع الكتل ستصوّت لصالحنا"، مؤكداً أن "زيارات رئيس وزراء إقليم كردستان، نجيرفان البارزاني، أمس الأحد، إلى بغداد والنجف، يرتجى منها نتائج إيجابية حول هذا الموضوع تحديداً". واعتبر أن "فؤاد معصوم (الرئيس الحالي) لم يوفق في عمله، وكان ضعيفاً، ولا يصل إلى مستوى التمثيل الكردي".

في المقابل، أفادت مصادر في السليمانية، بأن "لاهور جنكي وبافل طالباني، القياديين في الاتحاد الوطني، وصلا إلى بغداد، لبحث دعم مرشحهم بدلاً من مرشح الحزب الديموقراطي، وذلك بعد ساعات من وصول نجيرفان البارزاني إلى بغداد ومن ثم النجف جنوبي العراق، ولقائه بقيادات سياسية عدة، بينها مقتدى الصدر ونوري المالكي وحيدر العبادي".

وحول المدد الدستورية، قال الخبير الدستوري طارق حرب، لـ"العربي الجديد"، إن "يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، هو آخر موعد لاختيار رئيس جمهورية جديد، وبعد هذا التوقيت سيكون هناك خرق دستوري، على اعتبار أن البرلمان عقد أول جلسة له في 3 سبتمبر/أيلول الحالي، وأعطى مهلة شهر لأن يكون هناك رئيس جديد". وأضاف أنه "في حال استمر الخلاف سيدخل المرشحون ومن يفز بالجولة الأولى عليه أن يحصل على ثلثي أصوات البرلمان، وفي حال تحولت إلى جولة ثانية، لا يشترط هذا العدد، بمعنى أن أي متنافس يحصل على العدد الأكثر يفوز بالمنصب".