انتقادات للحكومة الألمانية بعد ترقية رئيس الاستخبارات رغم دفاعه عن اليمين المتطرف

19 سبتمبر 2018
ماسن (يمين) سيعمل مع زيهوفر ضد ميركل (ميشيل تانتوسي/Getty)
+ الخط -

انتقدت أحزاب المعارضة في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، قرار الائتلاف الحكومي استبعاد رئيس "الهيئة الاتحادية لحماية الدستور" (الاستخبارات) هانز غيورغ ماسن من منصبه، ومنحه منصب وكيل وزارة الداخلية، رغم تصريحاته المثيرة للجدل، بشأن أحداث مدينة كيمنتس، نهاية الشهر الماضي.

وكان ماسن قد واجه انتقادات، مؤخراً، على خلفية التزامه الصمت أولاً، ومن ثم تعليقاته المثيرة للجدل، بشأن هجمات الكراهية ضد الأجانب، في مدينة كيمنتس بولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا.

وشهدت مدينة كيمنتس، الشهر الماضي، توتراً بعد موجة من أعمال العنف العنصرية، إثر مقتل مواطن ألماني طعناً على يد مهاجرين، مما أثار احتجاجات، قام خلالها متظاهرون من اليمين المتطرف بلباس أسود، بمهاجمة أجانب واشتبكوا مع الشرطة ومحتجين مناهضين.

وانتشرت صور وفيديوهات لمتظاهرين أدى بعضهم "تحية هتلر" أمام عناصر الشرطة الذين لم يكن عددهم كافياً لوقفهم، غير أنّ ماسن شكك بصحتها، وزعم، في تصريحات لصحيفة "بيلد"، أنّه "لا يوجد دليل على أنّ الفيديو الذي يتم تداوله على الإنترنت حول هذا الحادث حقيقي".

واعتبرت أحزاب المعارضة، أنّه بدل إقالة ماسن، تمت ترقيته من قبل الائتلاف الحكومي، رغم إخفاقاته ودفاعه عن اليمين المتطرف.

وبينما لم يُعرف بعد خليفته في منصب رئيس الاستخبارات، سيبقى ماسن خاضعاً لسلطة وزير الداخلية هورست زيهوفر، منافس المستشارة أنجيلا ميركل، والذي رفض أساساً فكرة إقالته.

انتقادات المعارضة لقرار الحكومة، عبّرت عنها تصريحات رئيسة كتلة حزب "الخضر" كاترين غوريتغ أكارد التي قالت إنّ "كل من يحترم ولا يعاقب السلوك الخائن، يفقد كل إحساس بالخجل"، منتقدة ترقية ماسن "بدلاً من معاقبته".

بدوره، وصف رئيس كتلة اليسار في البرلمان ديتمار بارتش، قرار ترقية ماسن بـ"المهزلة"، في حين انتقد رئيس الحزب "الليبرالي الحر" كريستيان ليندنر، القرار، واعتبر أنّ ما حصل "هو حل زائف"، قائلاً "إما أن نثق بماسن أو لا نثق به".

ورأى مراقبون، أنّ ماسن، وبحكم وظيفته الجديدة، سيكون قادراً على العمل مع زيهوفر، ضد سياسة ميركل، وسيستفيد شهرياً بما قيمته 2850 يورو زيادة عما كان يتقاضاه في وظيفته السابقة.

ولفتت بعض التعليقات، إلى أنّ الميزة الخاصة بنقل ماسن من منصبه إلى منصب آخر، هي انتقاله من الدرجة 9 إلى الدرجة 11 في السلم الوظيفي، إذ سيتقاضى ما قيمته 14157 يورو شهرياً.

انتقادات من قلب الائتلاف

وأشار مراقبون، إلى أنّ "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" في ألمانيا، الشريك في الائتلاف الحكومي، قد شرع في التسوية وساهم بترقية ماسن، ما يؤكد ضعفه مجدداً في وجه "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" (ترأسه ميركل).

وبيّنت تعليقات وانتقادات مسؤولين بارزين في "الاشتراكي"، أنّ الإحباط يسود في صفوفهم، نتيجة هذه التسوية، ومن بينهم نائبة رئيس الحزب ناتاشا كونن، التي شكّكت بإمكانية استمرار الائتلاف الحكومي.

بدوره، قال مسؤول شبية الحزب "الاشتراكي" كيفن كونيرت، في حديث تلفزيوني، إنّ "ما حصل يشكّل صفعة بوجه كل الناس"، معتبراً أنّ "ماسن كان يجب أن يُحال إلى التقاعد"، داعياً إلى إنهاء الشراكة في الائتلاف الحكومي مع حزب ميركل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي".

ولمّح زميله في الحزب القيادي رالف شتيغنر، لوكالة الأنباء الألمانية، إلى "نهاية محتملة" للائتلاف الحكومي، قائلاً إنّ "صبر الحزب الاشتراكي تجاه الاتئلاف يتضاءل".

بدوره، وصف الزعيم السابق لـ"الحزب الاشتراكي"، ووزير الخارجية السابق سيغمار غابريال، القرار بـ"المجنون"، معتبراً أنّ "ما جرى هو مكافأة للولاء وعدم الكفاءة المهنية".

مصير الائتلاف الحكومي؟

وتسود مخاوف سياسية، من أنّ قرار ترقية ماسن، سيتسبب بخسائر لميركل وشريكها في الائتلاف الحاكم "الحزب الاشتراكي"، بعد أن فضّل الجميع حماية نفسه، بغض النظر عما سينتج من ردات فعل على القرار.

ورأى مراقبون، أنّ قادة الائتلاف الحكومي، برهنوا مرة أخرى، أنّ "الصفقات" هي العنوان السائد في سياساتهم، مع تفضيلهم التأجيل طويل الأمد للأزمات، ومراكمة الملفات الحكومية التي تعاني من الشلل، مشيرين إلى أنّ ميركل فضّلت مسايرة شخصية مثل زيهوفر، ولم تعمد إلى اتخاذ قرار حاسم، رغم أنّ الأيام برهنت أنّه من غير الممكن أن يعملا معاً.

وبتحوّل ماسن من جهاز الاستخبارات، إلى وكيل وزارة الداخلية، أصبح الآن قادراً على التعبير عن آرائه في الحياة السياسية اليومية، بلا قيود بحكم منصبه الأمني السابق، على الرغم من أنّه أثار أزمة ثقة بالحكومة، ووضع مصداقية أجهزة الاستخبارات على المحك، بعدما كشف عن ميزانية هذه الأجهزة، وتبيّن أنّه يحابي اليمين الشعبوي.

ولفت مراقبون، إلى أنّ زيهوفر كسب الرهان بمعارضته إقالة ماسن، ونجح بدعمه ونقله إلى كادر وزارة الداخلية، بعد أن أعرب عن تقديره له، ولخبرته في مسائل الأمن العام.

وجاء قرار ترقية ماسن بعد توقعات بأن يلجأ تحت الضغط لتقديم استقالته، في ظل تأكيدات مسؤولي الائتلاف الحكومي، أنّ ذلك يحفظ وجه شركاء الائتلاف، ويمنع تفجيره من أجل موظف، وتشديدهم على رفض أن يكون المتظاهرون اليمينيون سبباً في كسره.


وعن الخليفة المحتمل لماسن، ذكرت تقارير صحافية، اليوم الأربعاء، أنّ الشخص المرجّح توليه رئاسة "الهيئة الاتحادية لحماية الدستور" (الاستخبارات)، هو تورتسن فوس رئيس الهيئة في ولاية هامبورغ، كونه يتمتع بالخبرة والالتزام، بما يسمح له الوصول إلى هذا المنصب.

وبحسب المعلومات، فقد كان محور عمل فوس يرتكز على تحركات اليمين واليسار المتطرف، ومناصري حركة "بيغيدا" المناهضة للإسلام، فضلاً عن الإسلاميين أصحاب الحضور القوي في هامبورغ، علماً أنّه تولّى أيضاً التحقيقات في أعمال الشغب التي رافقت قمة العشرين الأخيرة، التي أقيمت في المدينة.