ووفقاً لتأكيدات مصادر محلية متعددة لـ"العربي الجديد"، انخرط مسلحون محسوبون على تنظيم "القاعدة"، منذ الأشهر الأولى للحرب في عدن ومحيطها، بالقتال إلى جانب القوات الموالية للشرعية، أو المناوئة للحوثيين، باعتبار التنظيم يقدم نفسه، خصماً عسكرياً للجماعة، وهو الأمر الذي امتد حتى لمحافظات أخرى، أبرزها تعز والبيضاء.
وخلال هذه الفترة، استولى مسلحو التنظيم على آليات وعتاد عسكري ضخم ومبالغ مالية وخصوصاً في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، والتي سيطر عليها "القاعدة"، في إبريل/نيسان 2015.
واعتباراً من أواخر العام 2015، وتحديداً في الأشهر التي تلت إنهاء سيطرة الحوثيين وحلفائهم في المحافظات الجنوبية، سادت حالة من فوضى الجماعات المسلحة. وكان تنظيم "القاعدة" يتمدد ويسيطر على المناطق، بما فيها أجزاء من عدن، وخلال الربع الأول من العام الذي تلاه، وعقب سلسلة من الحوادث الأمنية والتطورات، جرى الإعلان عن تدشين أول عملية عسكرية لتحرير أجزاء من عدن من "القاعدة"، وأبرزها مديرية المنصورة، على الرغم من أن التحالف والحكومة كانا ينكران فيما سبق ذلك، التقارير التي تتحدث عن انتشار واسع لمسلحي التنظيم.
بالتزامن، بدأت قوة جديدة بالظهور وهي "قوات الحزام الأمني"، الموالية للإمارات، والتي تأسست من خليط من المكونات والمجندين وبعضهم من السلفيين أو أنصار "الحراك الجنوبي"، المطالب بالانفصال. وكان الأمر اللافت حينها، أن المنصورة ومناطق أخرى في عدن، جرى الإعلان عن "تحريرها"، من مسلحي التنظيم، بدون معركة حقيقية، بل مواجهات وغارات جوية محدودة.
الأمر نفسه تقريباً، حدث أثناء تقدم القوات الحكومية باتجاه مدينة الحوطة مركز محافظة لحج، وبوابة عدن الشمالية، إذ كانت تحت سيطرة التنظيم قبل أن ينسحب منها مع بدء حملة نفذتها القوات الحكومية بدعم من التحالف - بواجهته الإماراتية، وشملت الحملة أيضاً، التوجه شرق عدن، نحو محافظة أبين، وهي أحدى أهم معاقل انتشار القاعدة منذ ما يقرب من عشر سنوات.
ومع انسحاب مسلحي القاعدة أمام حملات الحكومة - التحالف جنوباً، كانت الأنظار تتوجه إلى مدينة المكلا، باعتبارها المدينة الأهم التي سيطر عليها تنظيم القاعدة دون قتال، وفرض فيها سلطاته لعام كاملٍ، بما تحتله من أهمية استراتيجية وتضم ميناءً بحرياً، كما قام التنظيم بالاستيلاء على عشرات الآليات العسكرية من معسكرات الجيش اليمني التي انهارت بالمدينة، وبدأت الحملة العسكرية للتحالف بالتزامن مع الإعلان عن تشكيل عسكري جديد بتدريب ودعم الإمارات وهو قوات "النخبة الحضرمية" (ذراع أبوظبي - التحالف شرقاً على غرار الحزام الأمني جنوباً)، وعلى مدى أيام من التحضير للحملة في إبريل/نيسان 2016، نفذت مقاتلات التحالف، سلسلة غارات جوية، استهدفت مقرات خاضعة لتنظيم "القاعدة"، في المدينة.
وكان المفاجئ، مع بدء تقدم "قوات النخبة"، المدعومة من الإمارات، انهيار سيطرة تنظيم "القاعدة"، في المكلا، وانسحابه بشكل مفاجئ من المدينة، دونما مواجهات عنيفة، باستثناء غارات واشتباكات محدودة هنا أو هناك، وبدا واضحاً حينها، أن الانسحاب تم بناءً على صفقة تفاهم غير مباشرة عبر وسطاء، تتيح للتنظيم سحب مقاتليه بشكل آمن. وللتغطية على الفراغات الكبيرة الموضوعة حول "تحرير المكلا"، أعلن التحالف مقتل ما يزيد عن 800 قتيل من عناصر القاعدة في المدينة، وهو عدد مبالغ فيه، إذ تشير مصادر أخرى إلى أن عدد القتلى والجرحى لم يتجاوز العشرات. وغير بعيدٍ عن حضرموت، تكرر انسحاب مقاتلي "القاعدة"، أمام حملات "النخبة الشبوانية" (تدريب الإمارات)، في محافظة شبوة النفطية، والتي تعد إلى جانب أبين والبيضاء، أبرز ثلاث محافظات يتمتع فيها التنظيم بنفوذ متفاوت.
من زواية أخرى، وعلى صعيد المناطق التي توجه إليها مسلحو تنظيم "القاعدة" الذين تبخر نفوذهم في أغلب مدن جنوب وشرق البلاد، دون معارك معتبرة، تفيد مصادر مهتمة بملف الإرهاب في اليمن لـ"العربي الجديد"، أنها متعددة، بما فيها التوجه إلى محافظة البيضاء (المحاذية لأبين) ومنهم من توجه إلى القتال ضد الحوثيين، أو البقاء في أماكن نفوذهم المختلفة، باعتبارهم ينتمون إليها في الأصل، أما في حضرموت - المكلا، فقد توجه بعض مسلحي التنظيم إلى مناطق ريفية، وظلوا فيها شهوراً لم يتعرضوا لأي استهداف، إلا أن القوات الحكومية أو قوات النخبة، نفذت لاحقاً، عمليات عسكرية، آخرها خلال العام الجاري، قامت خلالها بملاحقة عناصر التنظيم.
وبعد تحقيق أسوشييتد برس بات مؤكداً أن انسحاب القاعدة من المدن الواسعة التي كانت خاضعة لسيطرته يتعلق بالمفاوضات غير المباشرة أو المباشرة، والصفقات التي تم إبرامها مع التحالف للانسحاب دون قتال.
لكن مراقبين للشأن اليمني يتوقفون عند عامل آخر، هو الاستراتيجية التي يعتمدها "القاعدة" منذ سنوات، بالتمدد في ظل غياب الأجهزة الحكومية والانسحاب أمام الحملات العسكرية، باعتبار أن نتيجتها محسومة سلفاً وفقاً لمعطيات فارق القوة، وبالتالي يقلل التنظيم من خسائره ويحافظ على وجوده بالحد بالأدنى، كنتيجة للصفقات أو الوساطات غير المباشرة، التي تسمح له بالانتقال من مكان لآخر.
يذكر أن تنظيم القاعدة في اليمن، من أنشط فروع التنظيم في العالم، منذ سنوات عديدة، ويتركز نفوذه في جنوب ووسط البلاد (أبين، البيضاء، شبوة، وحتى أجزاء من مأرب وحضرموت). وتعرض التنظيم لضربات قاصمة، من خلال الغارات الأميركية لطائرات بدون طيار، والتي تصطاد قيادات وعناصر مفترضة في التنظيم، بضربات جوية من حين لآخر.