وفي هذا الإطار، قال مسؤول سياسي مطّلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قرار الحشد بالانسحاب من معسكراتها، أثار مخاوف العبادي من تحرّكات مشبوهة تعتزم المليشيا القيام بها"، مبيناً أنّ "ما عزّز مخاوف العبادي حصوله على معلومات من السفارة الأميركية في بغداد، عن تحركات مريبة للحشد، ومساع للاقتراب من العاصمة بالتزامن مع التنافس على تشكيل الكتلة الكبرى". وأكد المسؤول أنّ "العبادي سارع بتلافي الموقف، واتخذ قرارات بمنع أي تحرّك للحشد إلّا بموافقته حصراً، وعدم تنفيذ أي توجيهات من أي جهة أخرى"، مضيفاً أنّ "العبادي اتخذ قراراً أيضاً بتغيير بعض قيادات الحشد، وإبعاد القيادات التي تكنّ العداء له". وأشار المسؤول إلى أنّ "العبادي وجّه أيضاً القيادات الأمنية بأن تكون على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تحرّك مشبوه، وأن تكون على تواصل مباشر معه شخصياً، كما وجه لجاناً سريّة بمتابعة تحركات الحشد أولاً بأول"، مبيناً أنّ قرارات العبادي "تسببت بخلافات وأزمة حادّة بينه وبين قيادة الحشد، ما صعّد من حدّة المخاوف أكثر".
ويأتي ذلك في وقت دعا فيه زعيم مليشيا العصائب (فصيل ضمن مليشيا الحشد) قيس الخزعلي، إلى "التعاون لتغيير النظام السياسي في العراق من برلماني إلى رئاسي"، محذّراً "من بقاء المفسدين في السلطة، والدفع باتجاه حكومة طوارئ". ومعروف أن الأحزاب السياسية التي تمثل عشرات فصائل "الحشد الشعبي"، ما عدا مليشيا السلام وبعض الفصائل المحسوبة على عمار الحكيم، تتحالف مع نوري المالكي ضد مشروع التحالف المعطل بين العبادي والتيار الصدري وحلفائه في تكتل "سائرون" وعمار الحكيم وإياد علاوي في محاولة تشكيل الكتلة السياسية الكبرى التي سيكون من واجبها تسمية رئيس حكومة جديدة.
وردّت قيادة "الحشد" على قرار العبادي، معتبرةً أنّه "يستخدم سياسة ليّ الأذرع، من أجل البقاء في السلطة". وقالت في بيان صحافي شديد اللهجة، مخاطبةً العبادي: "كان الأولى بك إعطاء رواتب المقاتلين والاهتمام بالجرحى والشهداء، بدلاً من قرارات لي الأذرع تجاه قوات الفتوى المباركة (في إشارة إلى الحشد الذي شكّل بفتوى المرجع الديني علي السيستاني)"، واصفةً قرار العبادي بـ"السياسي، وجزء من معترك الحصول على ولاية ثانية".
كذلك اتهمت مليشيا "الحشد" العبادي بـ"استمرار سياسة الضغط ضدنا، خلال الأعوام الأخيرة، مجاملة للأميركيين، ولتحقيق مصالحه الخاصة"، مبينةً أنّ "أساليب العبادي تركّزت على عدم إعطاء مخصصات مالية كافية لمنح رواتب للحشد الشعبي، أسوة ببقية القوات الأمنية، وإهمال ملف شهدائنا وجرحانا، تحت ذرائع عدّة". وتابعت: "لم يكتف العبادي بالضغط المادي، بل هاجم الحشد مراراً وتكراراً، من أجل تسقيطه معنوياً؛ فتارةً يتّهمه بوجود منتسبين وهميين، وتارةً يمنعه من الحصول على مدرعات وهمرات، أسوة بصنوف الجيش العراقي، الأمر الذي دفع مقاتلي الحشد إلى صدّ الهجمات بصدورهم". وعدّت المليشيا قرار العبادي "خروجاً على توصيات المرجعية، وعلى تأكيدات السيد السيستاني مراراً، على عدم التهجّم على رموز الحشد".
وتنتقد جهات سياسية تجاوز قيادات "الحشد" للعبادي، واتخاذ قرار بالتحرّك أو الانسحاب العسكري من دون علمه. وفي هذا السياق، قال قيادي في "تحالف القرار"، برئاسة أسامة النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أيّ تحرّك عسكري من دون علم العبادي يعدّ خروجاً على سلطة الدولة، ولا يمكن أن يتم من دون علم وموافقة رئيس الحكومة شخصياً"، مؤكداً أنّ "الظرف السياسي الراهن وخلافات وصراعات تشكيل الكتلة الكبرى آخذة نحو التأزّم، ما يحتّم على العبادي أن يكون متهيّئاً لأي طارئ باعتباره رئيساً للحكومة وقائداً للقوات المسلحة".
وأشار القيادي إلى أنّ "الحوارات السياسية لا تعفي أي جهة من مسؤولية إصدار أوامر عسكرية، خصوصاً بحجم قوات الحشد الكبيرة الموجودة بالمحافظات المحررة"، مضيفاً أنه "سبق وحذرنا من خطورة دخول الفصائل المسلحة إلى العملية السياسية، لما يترتّب على ذلك من نتائج قد تدفع البلاد باتجاه أزمات أمنية خطيرة، وقد تستخدم تلك الفصائل في الخلافات السياسية". ويحذّر مراقبون من خطورة التصعيد بين العبادي و"الحشد"، خصوصاً في ظل الصراع السياسي على السلطة بينهما، ما يدفع باتجاه خروج "الحشد" عن سلطة العبادي.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الأمني العراقي، فراس الزهيري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قراءة متأنية لتحرّكات العبادي والحشد الشعبي تؤشّر إلى مدى الاحتقان الذي وصل بينهما"، مبيناً أنّ "هذا الاحتقان ناتج عن تنافس تحالفي العبادي والحشد (النصر والفتح) على السلطة، الأمر الذي يبرّر مخاوف العبادي من خروج الحشد عن سلطته".
وأكّد الزهيري أنّ "قرارات العبادي واجبة التنفيذ على الحشد، وأيّ خروج عليها سيعدّ خروجاً على سلطة الدولة، ما يمنح العبادي قانونياً فرصة صدّها بشتى الطرق حتى العسكرية منها"، محذراً من "خطورة هذا التصعيد ونتائجه على الواقع السياسي المتأزم أصلاً، في ظلّ الصراع على الفوز بالسلطة".