التصعيد الإماراتي في سقطرى: ارتداد للتحركات السعودية في المهرة

21 اغسطس 2018
توسع الإمارات نفوذها من عدن إلى سقطرى(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
جاء التصعيد الإماراتي في جزيرة سقطرى اليمنية، مجدداً، ليثير جملة من التساؤلات حول ما وراء عودة تحركات أبوظبي، في الجوهرة اليمنية الواقعة بملتقى المحيط الهندي مع بحر العرب، في هذا التوقيت بالذات، مع تباطؤ وتيرة العمليات العسكرية في الحديدة، وعقب الأزمة التي شهدتها محافظة المهرة اليمنية، إثر النفوذ السعودي المتزايد وما لاقاه من رفض محلي، قُوبل بمحاولات احتواء والتفاف، على الأقل حتى اليوم.

وظهرت بوادر الأزمة مجدداً في سقطرى خلال الأيام الماضية على أكثر من صعيد، إذ أفادت مصادر محلية، تحدثت مع "العربي الجديد"، بأن التصعيد بدأ بتحركات مسلحة لقبليين مرتبطين بشخصيات على علاقة بالمسؤولين الإماراتيين النافذين في المحافظة، انتشروا في حديبو مركز المحافظة، بالتزامن مع قطع الكهرباء عن الجزيرة لساعات، الأمر الذي أكده المحافظ رمزي محروس، وأعلن في ضوئه، توقيف مدير الكهرباء في المحافظة، حتى إشعار آخر. كما أعلن إعفاء "شيخ مشايخ سقطرى"، سليمان شلولها، ودعا المشايخ والوجهاء المحليين في المحافظة إلى اختبار بديل، ليتم اعتماده من السلطة المحلية بالمحافظة.



وبعد ما يزيد عن يومين على انتشار حالة من التوتر في سقطرى، إثر التحركات التي وُصفت بـ"المشبوهة"، دخل التحرك الإماراتي مرحلة جديدة بتنظيم مسيرات شارك فيها العشرات. وتشتمل القائمة التي رفعها المشاركون، على مطالب إماراتية بامتياز، من شأنها أن تمنح أبوظبي حق الإشراف على ملف الكهرباء وبما يمنحها العديد من التسهيلات لتعميق نفوذها في الجزيرة، على حساب السلطة المحلية والحكومة اليمنية، بعد أن تعرض النفوذ الإماراتي، لضربة قوية في شهور سابقة، إثر الأزمة مع الحكومة.
ويثير التصعيد الإماراتي العديد من التساؤلات حول ما وراء التوقيت على الأقل، إذ جاء بالتزامن مع تباطؤ وتيرة العمليات العسكرية التي تتصدرها أبوظبي نحو مدينة الحديدة غرب البلاد، وهي الحملة، التي كان من المتوقع أن تمثل تحولاً محورياً في مسار الحرب اليمنية، مع انطلاقها في يونيو/حزيران الماضي، إلا أنها وقفت أمام إرادة دولية، ساهمت في تخفيف التصعيد العسكري، مع التحذيرات من الآثار الكارثية للحرب في المدينة، التي يقع فيها شريان وصول أغلب المساعدات الإنسانية والواردات الغذائية وإمدادات الوقود إلى اليمن.
ومثلما تزامن تصعيد الحديدة مع سعي أبوظبي إلى إصلاح علاقاتها مع الحكومة اليمنية، من خلال سلسلة من الخطوات على غرار دعوة وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري إلى أبوظبي، ولاحقاً دعوة الرئيس عبدربه منصور هادي والسماح له بالعودة إلى عدن، وخطوات أخرى، على غرار تسليم بعض السجناء لإشراف الحكومة اليمنية بعد التقارير عن "السجون السرية" وممارسات التعذيب الوحشية، يبدو من اللافت في المقابل، عودة بعض مظاهر الأزمة اليمنية الإماراتية، كما حصل في عدن وسقطرى، عقب التباطؤ المتعلق بالعملية العسكرية في الحديدة، على نحوٍ يُفهم منه، عودة أبوظبي جنوباً للانهماك في مشاريع هيمنتها ودعم القوى الانفصالية المتحالفة معها، نتيجة لتراجع التركيز في الحديدة.

إلى جانب ذلك، لا يمكن فصل التصعيد مجدداً في سقطرى، مع تجربة يمنية أخرى، تتعلق بمحافظة المهرة، التي تشبه في العديد من أوجهها قصة الإمارات في سقطرى، ولكن مع السعودية، حيث واجهت الأخيرة، أزمة بعد إرسال قواتها إلى المحافظات وسيطرتها على العديد من منشآتها، تمثلت باحتجاجات محلية كان أبرزها الاعتصام المفتوح للمطالبة برحيل القوات السعودية وإعادة المرافق اليمنية لقوات الشرعية اليمنية وموظفيها، وذلك خلال يوليو/تموز، قبل أن تستجيب الرياض بالاتفاق مع ممثلي الاحتجاجات على خطوات من شأنها تحقيق مطالب المحتجين، ولكنها ومن بوابة أخرى شرعت بإجراءات تلتف على الاحتجاجات، ولا تحقق مطالبها بشكل فعلي.
تتفق المهرة وسقطرى في العديد من نقاط الالتقاء، فهما أكثر محافظتين في اليمن تجمعهما خصائص اجتماعية مشتركة بما فيها اللغة (المهرية)، وكونهما الأقل تأثراً بالحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات، إذ ليس هناك، أي نوع من الوجود لمسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يستدعي الوجود العسكري لقطبي التحالف السعودي - الإماراتي في المقابل، وهو الأمر الذي جعل من التحركات العسكرية على نحو خاص، موضع أزمة، لاقت رفضاً حكومياً في سقطرى ومحلياً في المهرة، التي تكتسب أهميتها المحورية، من كونها تحتل المناطق الحدودية مع سلطنة عُمان، ويمثل الاستقرار فيها، عمقاً بالنسبة إلى الأمن القومي العُماني.
في المقابل، تختلف السعودية والإمارات، في أن الأولى تحظى بما يشبه التأييد أو الضوء الأخضر من الحكومة اليمنية الشرعية، من أبرز شواهده، الزيارة التي قام بها الرئيس هادي إلى المهرة الشهر الماضي، وأعلن خلالها عن افتتاح العديد من المشاريع بتمويل سعودي، بالإضافة إلى القرارات التي أصدرها وأطاحت بشخصيات محلية وقفت إلى جانب الاحتجاجات الرافضة للنفوذ السعودي غير المبرر في المحافظة اليمنية البعيدة. أما بالنسبة إلى سقطرى، فقد كانت الحكومة في صدارة الرفض للتصرفات الإماراتية، خصوصاً مع قيام الأخيرة باحتلال المطار والميناء أثناء وجود رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، في مايو/أيار الماضي، وما أعقب ذلك، من أزمة علنية وصلت إلى شكوى يمنية رسمية في مجلس الأمن الدولي، قبل أن تتدخل الرياض لفرض حالة من التهدئة.
وفي ضوء المعطيات المختلفة، يبرز السؤال عما إذا كانت التحركات السعودية في المهرة، ساهمت مجدداً في فتح شهية أبوظبي في سقطرى، وعودتها إلى التصعيد ضد السلطة المحلية، على أن الأسلوب الجديد بالنسبة إلى الإمارات، هو دعم تحركات وليس كما حصل في وقت سابق، من تحريك قوات إماراتية مباشرة لاحتلال مناطق الجزيرة اليمنية الكبرى في البلاد. يضاف إلى ذلك، فإن التفاهمات المحدودة بين الحكومة اليمنية والإمارات، خلال الشهرين الماضيين، أصبحت أمام اختبار لمدى صمودها من عدمه، الأمر الذي لا يمكن الجزم فيه، قبل النظر إلى ما تحمله المرحلة المقبلة من تطورات.