وضع النظام السوري يده بشكل شبه كامل على جنوب البلاد، بعد أن بسطت قواته سيطرتها على محافظة السويداء، إثر معارك لم تدم طويلاً مع تنظيم "داعش"، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بطبيعة الدور الذي كان يؤديه هذا التنظيم، خصوصاً على تخوم هذه المحافظة ذات الغالبية الدرزية التي بقيت على الحياد طيلة سنوات الصراع في سورية، وهو ما دفع النظام، كما يبدو، إلى "خلق" ما يجعل السويداء بشكل دائم على حافة القلق من المصير، ما يقرّبها منه أكثر.
وقالت وكالة "سانا" التابعة للنظام، إن قوات الأخير بسطت سيطرتها على ريف السويداء الشرقي، وصولاً إلى الحدود الإدارية الشرقية للمحافظة، وذلك بعد أسبوع على بدء العملية العسكرية هناك، ضد تنظيم "داعش"، الذي كان له وجود شرقي السويداء، وتوسع منذ أن نقل النظام مسلحي "داعش" من مخيم اليرموك وأحياء أخرى في جنوب دمشق إلى ريف السويداء الشرقي، في مايو/أيار الماضي، في صفقة غير معلنة تؤكد تقاطع مصالح النظام والتنظيم في الصراع. وأشارت "سانا" إلى أن قوات النظام "بالتعاون مع القوات الرديفة"، وسعت نطاق سيطرتها في بادية السويداء الشرقية بعد اشتباكات عنيفة مع مسلحي "داعش"، وحققت تقدّماً جديداً في ملاحقة فلول التنظيم في عمق البادية وأحكمت السيطرة على الحدود الإدارية لريف السويداء الشرقي بشكل كامل.
من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الإثنين، إن "الحدود الإدارية لريف دمشق مع محافظة السويداء، تشهد اشتباكات بوتيرة عنيفة على محاور في محيط منطقة تلول الصفا ومحاور أخرى في بادية ريف دمشق، بين تنظيم داعش من جهة، وقوات النظام مدعمة بالمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، وذلك في إطار الهجوم المتواصل من قبل الأخير على المنطقة الواقعة على بعد أقل من 50 كيلومتراً من مناطق سيطرة التحالف الدولي والفصائل المدعومة غربياً وأميركياً".
واللافت للانتباه سرعة حسم معركة ريف السويداء الشرقي، مقارنة بغيرها من المعارك مع "داعش"، على الرغم من أن الأخير كان بإمكانه استغلال الجغرافيا للمناورة والتخفي، وخوض حرب استنزاف ضد قوات النظام، وهو ما يؤكد أن الأخير هو من دفع باتجاه "خلق" تنظيم "داعش" في جنوب البلاد، ليكون "فزّاعة" وورقة ضغط على محافظة السويداء المتاخمة لدرعا، تحسباً من أي حراك يؤدي إلى خروجها عن سيطرة بشار الأسد. كما طرح موضوع سرعة حسم المعركة مع التنظيم التي بدت أشبه بتمشيط للمناطق وسط تراجع للتنظيم إلى عمق البادية، العديد من التساؤلات لدى سكان المنطقة حول المغزى من ترك مسلحي "داعش" على حدود المحافظة، طوال السنوات الأربع الماضية، من دون أي تحرك ضدهم، بل على العكس تم رفدهم بنحو 1200 عنصر إضافي من جنوب دمشق، إثر الصفقة التي وقّعها التنظيم مع النظام لإخراج مسلحي "داعش" من جنوب دمشق، وتم نقلهم إلى بادية السويداء، إثر تمكّن المعارضة من القضاء على معظمهم في تلك المنطقة.
وتؤكد مصادر إعلامية معارضة أن صفقة جديدة "أبرمت بين التنظيم والنظام سهلت للأخير السيطرة على كامل محافظة السويداء"، مستغربة اختفاء المئات من عناصر التنظيم "فجأة ومن دون مقاومة جدية".
وتقع محافظة السويداء إلى الجنوب الشرقي من العاصمة دمشق، وهي من المحافظات السورية صغيرة المساحة، إذ تبلغ نحو 5 آلاف كيلومتر مربع، ولها حدود جغرافية مع الأردن من ناحية الجنوب، فيما يحدها من الشمال ريف دمشق، ومن الغرب درعا، ومن الشرق البادية السورية، وصولاً إلى المثلث السوري الأردني العراقي. وبلغ عدد سكان السويداء التي يقطن فيها بدو سوريون إلى جانب أكثرية من الطائفة الدرزية، نحو 700 ألف نسمة عام 2011، إلا أن عدداً من سكانها، خصوصاً الشباب منهم، هاجروا إلى دول أوروبية إبان سنوات الثورة، على غرار باقي مكونات الشعب السوري.
وتُعد السويداء أهم مركز سكني للمكوّن الدرزي في سورية، ولكنهم ينتشرون أيضاً في حي جرمانا الدمشقي، وفي ضاحية صحنايا جنوب دمشق، إضافة إلى ريف القنيطرة، وقرى في ريف إدلب شمال غربي سورية، فضلاً عن وجود عدد كبير منهم في الجولان السوري المحتل.
وللسويداء مكانة خاصة في الذاكرة السورية، إذ انطلقت منها شرارة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925 التي قادها سلطان باشا الأطرش، لكن المحافظة اختارت الوقوف على الحياد في الثورة السورية ضد النظام، واحتضنت آلاف النازحين من محافظات سورية مجاورة لها.
ومنذ أكثر من ثلاثة سنوات، يتواجد مسلحو "داعش" في جيوبٍ مترامية الأطراف في المنطقة الصحراوية المعروفة ببادية السويداء، لكن هذا الوجود توسع منذ أن نقل النظام وفق اتفاقية، مسلحي التنظيم الذين كانوا يُخضعون مخيم اليرموك لسيطرتهم، من جنوب دمشق إلى شرقي السويداء، في أواخر مايو/أيار الماضي.
وارتكب التنظيم مجزرة راح ضحيتها نحو 250 شخصاً من أهالي القرى الشرقية في السويداء، بعدما هاجم مسلحوه عدة قرى، يوم 25 يوليو/تموز الماضي، ما عُرف بـ"الأربعاء الدامي"، وخطفوا نحو ثلاثين مدنياً، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، لا يزال مصيرهم مجهولاً، فيما يبدو أن النظام لم يقدّم تنازلات كافية للتنظيم لإطلاق سراحهم. واتهمت شرائح من سكان المحافظة قوات النظام بنقل عناصر التنظيم من جنوب دمشق، ثم إهمال حماية الحدود الشرقية للمحافظة، قبل أن يبدأ النظام عقب المجزرة، بإرسال تعزيزات عسكرية، ثم إطلاقه المعركة ضد "داعش"، مساء الأحد الماضي، والتي انتهت سريعاً.
ومع اندحار التنظيم عن السويداء ومن قبلها القضاء عليه في ريف درعا الغربي، لم يعد لهذا التنظيم تأثير في مشهد جنوب سورية، والذي يكتسب أهمية بسبب قربه من الحدود السورية مع الجولان المحتل، والأردن، ومن المتوقع انتشار عناصر "داعش" في البادية السورية التي تشكل نحو مساحة سورية والبالغة نحو 180 ألف كيلومتر مربع، إذ لا يزال التنظيم يحتفظ بجيوب له فيها، خصوصاً في ريف حمص الشرقي وفي بادية دير الزور التي تتصل جغرافياً بصحراء الأنبار العراقية.
ومن المرجح أن يلجأ التنظيم إلى حرب عصابات في البادية السورية، وعمليات "الذئاب المنفردة"، إذ بات اليوم الطرف الأضعف في المعادلة العسكرية السورية، بعد أن فقد السيطرة على تجمّعات سكنية كبيرة، ولم يعد لديه خطوط إمداد، وقدرة على التموين والتذخير والتسليح. وعقب سيطرة النظام على السويداء، طوى الجنوب السوري صفحة، ليبدأ أخرى عنوانها الرئيسي عودة النظام إلى ما كان عليه قبل عام 2011، من سطوة مباشرة، متجاوزاً كل الاتفاقات مع المعارضة السورية في محافظتي درعا والقنيطرة التي تنص على عدم دخول قواته إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.