وتبدو التطورات الأخيرة بمثابة رسالة من حلفاء أبوظبي، وبرضاها، أنّ تواجد الشرعية في عدن، أقرب إلى حالة مؤقتة، وأنهم الفاعل الأول في المدينة. وأكدت مصادر قريبة من الحكومة في حديث مع "العربي الجديد" أن التصعيد عبر استئناف أنشطة "الانتقالي"، الذي تعتبره الأولى كياناً "متمرداً" أثار استياءً في أوساط مسؤولي الشرعية، الذين يرون أن الخطوة ما كانت لتتم، في هذا التوقيت على الأقل، دون رضى من التحالف بواجهته الإماراتية التي كانت ولا تزال الفاعل الأول في عدن، ما يجعل عودة التصعيد، مؤشراً حول مصير التفاهمات اليمنية - الإماراتية، التي سادت منذ أواخر مايو/أيار وحتى يونيو/حزيران الماضي.
ووفقاً للمصادر، فإن تدشين اجتماعات "الجمعية الوطنية"، التي تنتهي أعمال "دورتها" الأولى اليوم الثلاثاء بعد جلسات امتدت لثلاثة أيام، جاء كحلقة في سلسلة عراقيل وممارسات بدأت مع عودة رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، عيدروس الزبيدي، من الإمارات، جنباً إلى جنب مع التهرب من مقتضيات التفاهمات التي أبرمتها الحكومة مع مسؤولي أبوظبي، بتوحيد وتنسيق الجهود الأمنية.
ووجهت اتهامات لـ"قوات الحزام الأمني" الذراع الأمني للإمارات في عدن ومحيطها، بعرقلة وصول نازحين من محافظة الحديدة بذريعة أنهم من المحافظات الشمالية، وذلك على الرغم من التوجيهات الصادرة من رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، بعدم عرقلة أو اعتراض وصول المواطنين إلى عدن، من قبل النقاط الأمنية.
وبالتزامن مع ذكرى دخول القوات "الشمالية" (بمشاركة جنوبية)، إلى عدن، خلال الحرب الأهلية اليمنية، في السابع من يوليو/تموز 1994، وهي المناسبة التي لطالما أحياها نشطاء ما يعرف بـ"الحراك الجنوبي" منذ انطلاق فعاليتها في العام 2007، شرع حلفاء أبوظبي بخطوات تصعيدية، كان أبرزها تدشين اجتماعات ما يُسمى بـ"الجمعية الوطنية"، التي تُقدم من قبل الانفصاليين بوصفها "البرلمان الجنوبي"، الأمر الذي أكد عليه الزبيدي، خلال جلسة الافتتاح يوم الأحد الماضي، وضمّن خطابه، رسائل تصعيدية، من مهاجمة الحكومة واتهامها بـ"ممارسة التعذيب".
ومن أبرز ما حمله خطاب الزبيدي، التشديد على أن حالة التهدئة التي سادت عقب الأحداث الدامية في يناير/كانون الثاني الماضي، حينما قاد المجلس تمرداً مسلحاً لإسقاط الحكومة، إنما جاءت استجابة لوساطة السعودية والإمارات. ومما قاله الزبيدي "اخترنا طريق التهدئة والهدنة، اختيار الأقوياء والمنتصرين، لا اختيار الضعفاء ولا الخائفين، وقد كان الجميع يعرف أين كنا وأين سنكون فيما لو أردنا ذلك"، في إشارة إلى أن القوات الموالية للانفصاليين والمدعومة إماراتياً، كانت قد أوشكت على إكمال السيطرة على عدن واقتحام القصر الرئاسي الذي تقيم فيه الحكومة، خلال تلك المواجهات. ولم يخل حديث الزبيدي من تهديد ضمني بالقدرة على أن يعيدوا السيطرة إذا أرادوا. وواصل حديثه قائلاً بأنهم سيتنهجون السبل السلمية لتحقيق مستقبلهم السياسي (الانفصال)، ومع ذلك "جاهزون دائماً لمواجهة أي تهديدات تنتقص من حق شعبنا ماضيه وحاضره ومستقبله"، حد قوله.
وبصرف النظر عن تفاصيل الاجتماع وما حمله من رسائل تصعيدية، سواء بالكلمة التي ألقاها الزبيدي أو رئيس "الجمعية"، محافظ حضرموت السابق، أحمد بن بريك، فإن الاجتماع بحد ذاته، بمثابة رسالة مفادها أن الكلمة في عدن لحلفاء أبوظبي الذين لا يترددون في تبني الانفصال ويرفعون الراية التشطيرية، وهو ما يقوض سلطة الشرعية ويعكس صورة سلبية عن سيطرتها في مدينة تقول عنها "العاصمة المؤقتة". لكن الأزمة مع الإمارات، اضطرت مسؤولي الشرعية، وخصوصاً الرئيس عبد ربه منصور هادي، على التواجد خارج البلاد أغلب الفترة الماضية. علماً أن الحكومة الشرعية، سعت منذ شهور طويلة، إلى ترتيب انعقاد جلسات البرلمان اليمني في عدن (لا يزال العديد من أعضائه في صنعاء)، لكنها فشلت حتى اليوم.
وتأسس "الانتقالي الجنوبي"، في مايو/أيار2017، بدعم إماراتي، رداً على إقالة الرئيس اليمني لمحافظين مقربين من أبوظبي يتقدمهم الزبيدي. وقدم المجلس نفسه كسلطة موازية لـ"دولة جنوبية" مفترضة، بناءً على حدود ما قبل توحيد البلاد. ومع ذلك، فإن مصلحة ببقاء "الشرعية" وإن بصورة شكلية، وضعت حدوداً لتصعيد الانفصاليين، الذين أعلنوا في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه عن تأسيس "الجمعية الوطنية"، من 303 أعضاء، قالوا إنهم يشكلون "البرلمان الجنوبي" إلا أن انطلاق الجلسات تأجل أكثر من مرة، ليأتي، في هذا التوقيت، بدلالات إضافية، أبرزها ما يتعلق بعودة التوتر بين الحكومة اليمنية والجانب الإماراتي، الذي سعى بدوره، إلى مراجعات، عقب الأزمة في سقطرى في مايو/أيار الماضي، وبالتزامن مع التحضيرات للتصعيد العسكري في الحديدة.