الضغوط تطيح بمخططات أبوظبي في الحديدة

23 يوليو 2018
تشهد الحديدة تهدئة نسبية في وتيرة المعارك(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد شهر من التوقف النسبي للعمليات العسكرية نحو مدينة الحديدة الاستراتيجية، غربي اليمن، بدا واضحاً أن مخطط الإمارات العربية المتحدة بتصدر واجهة أكبر نصرٍ عسكري، كان التحالف والحكومة اليمنية يسعيان لتحقيقه، قد تلاشى أمام إرادات الدول الكبرى، التي مارست ضغوطاً قوية لوقف التصعيد باتجاه المدينة، التي كانت الحرب فيها تهدد الشريان الرئيسي لأغلب المناطق المتمثل بميناء الحديدة.
يأتي ذلك فيما تتواصل المشاورات السياسية  التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، والذي التقى، أمس الأحد، برئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، في الرياض، وتلقى رداً من الحكومة على مقترحاته.



وتؤكد مصادر ميدانية قريبة من قوات الشرعية اليمنية في الحديدة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطة العسكرية لانتزاع السيطرة على مدينة وميناء الحديدة، تأثرت ومعها الحماسة التي سادت مع انطلاق العملية في يونيو/ حزيران المنصرم، على الرغم من التعزيزات العسكرية المستمرة لقوات الشرعية والمدعومة من التحالف بواجهته الإماراتية في الأجزاء الجنوبية من الحديدة، ومثلها تعزيزات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، المستمرة إلى الحديدة.
ووفقاً للمصادر، فإن العملية العسكرية بالتقدم نحو الحديدة، كانت تسعى لتحقيق نصر بأقل الخسائر من خلال الوصول إلى المدينة (مركز المحافظة حيث ويقع فيها ميناءا الحديدة والصليف)، وإلى أبرز الطرق المؤدية إليها، وبما من شأنه أن يقطع خطوط التعزيزات عن الحوثيين في المدينة. وكل ذلك بات أمام واقع مختلف، بعدما توقف الزحف العسكري نحو الحديدة على جدران المطار الذي سيطرت عليه القوات الموالية للشرعية، في مقابل الاستعدادات والتعزيزات الحوثية الكبيرة التي حولت المدينة إلى ثكنة عسكرية من خلال التحصينات والخنادق والانتشار الواسع حتى للمدافع في بعض شوارع المدينة.

وعلى الرغم من أن وقف الزحف العسكري نحو الحديدة جاء استجابة مباشرة للضغوط الدولية التي مارستها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، ودول غربية أبرزها بريطانيا وأميركا، إلا أن الواقع العسكري الذي تغير خلال الأسابيع الأخيرة، جعل المعركة مختلفة في كل الأحوال، وسيكون على القوات الحكومية والمدعومة من التحالف بواجهته الإماراتية، خوض معركة مغايرة لتلك التي كانت تخطط لها قبل شهرين، وهو ما بدأ بالفعل من خلال توقف الزحف نحو المدينة وعودة المواجهات إلى المدن الفرعية في الحديدة (المديريات الجنوبية للمحافظة)، ومنها مديريتا "التحيتا" و"زبيد".
وفي مقابل التهدئة النسبية في وتيرة العمليات العسكرية والمواجهات المباشرة، على مدى الأسابيع الماضية، باتت الحديدة ساحة حربٍ في كل الأحوال، بسبب الواقع العسكري الذي من المستحيل فيه تقريباً أن تتراجع القوات الحكومية بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من المديريات الجنوبية في الحديدة (من الخوخة مروراً بمديريات حيس والتحيتا وأجزاء من بيت الفقيه والدريهمي وحتى محيط مطار الحديدة الدولي). وفي المقابل، فإن الحوثيين يواصلون عمليات الحشد وإرسال مزيد من القوات إلى الحديدة. وشدد زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، في أكثر من تصريح وخطاب، على أن الانسحاب سلمياً من المدينة وتسليمها لقوات الشرعية والتحالف أمر غير وارد، ويقتصر تجاوب الجماعة مع الجهود السياسية على السماح بدور للأمم المتحدة بالإشراف والرقابة على الميناء، مقابل شروط محددة.
ومنذ أسابيع، أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أن الحملة العسكرية نحو الحديدة توقفت منذ الـ23 من يونيو/ حزيران الماضي، لإعطاء فرصة للمبعوث الدولي لإقناع الحوثيين بالقبول بانسحاب آمن الحديدة يجنب المدينة المعركة العسكرية. وأشار المسؤول الإماراتي، الذي تحدث كما لو أن المعركة في الحديدة هي معركة لبلاده، إلى أن التوقف المؤقت، آنذاك، كان من المقرر أن يستمر أسبوعاً، وجرى تمديده مع الجولات والزيارات المكوكية لمارتن غريفيث بين كل من صنعاء وعدن والرياض ومسقط وحتى واشنطن أخيراً.

ومع تشديد المسؤولين الحكوميين في الشرعية على أن معركة الحديدة، بما هي تطور استراتيجي، كان من المتوقع أن تفرض آثارها تغييرات على مسار الحرب في البلاد وعلى المعادلة السياسية والعسكرية، بصرف النظر عن تصدر الإمارات لواجهة العملية العسكرية وحساباتها الخاصة في العملية، إلا أن أبوظبي ربما اكتشفت أن تقديراتها للمعركة كانت خاطئة، وأنها وضعت نفسها وجهاً لوجه مع إرادات دول كبرى، أثرت على مسار التصعيد نحو الحديدة. ويمكن تلمس هذا الأمر من تغطية الوسائل الإعلامية التابعة لأبوظبي للمعركة والتي تراجعت إلى حد كبير، وحتى "الوقف المؤقت"، الذي تحدث عنه قرقاش، لأسبوع، ثم جرى تمديده، لم يعد قضية محورية.
وأخيراً زارت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، العاصمة الأميركية واشنطن، وعقدت لقاءات مع المسؤولين الأميركيين، بالتزامن مع وجود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في واشنطن ذاتها، واللقاء الذي عقده مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ونقلت وسائل إعلام إماراتية تصريحات عن الهاشمي، تشير إلى إمكانية نجاح الجهود الأممية، الأمر الذي لاقى ترحيباً من السياسي الإماراتي عبدالخالق عبدالله والذي يصفه البعض بأنه مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحتى أنه تحدث عن أهمية أن تكون الحديدة آخر المعارك، وأنه يجب إذا ما انسحب الحوثيون من الحديدة، التوجه إلى حلٍ سياسي.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه من غير الواضح مدى تأثير الرأي الذي يمثله عبدالله داخل دوائر الحكم الإماراتية، إلا أنه يعد تطوراً لافتاً، وما يمكن اعتباره عداً عكسياً للحماسة الإماراتية للحرب في اليمن والسيطرة على المدن وإدارة السجون، بعدما واجهت سياسات أبوظبي منعطفات خطيرة بالأزمة مع الحكومة اليمنية والتي وصلت إلى شكوى يمنية في مجلس الأمن، قبل أن تسعى الإمارات لإجراء بعض التحسينات في هذه العلاقة، وبعدما بات الدور الإماراتي تحت المجهر اليمني والحقوقي الدولي، على أثر التقارير التي تحدثت عن انتهاكات بشعة في سجون القوات المدعومة إماراتياً في جنوب اليمن.
من زاوية أخرى، وعلى الرغم من أن التصعيد نحو الحديدة قد يستمر ويعود في أي لحظة تنهار فيها التفاهمات، أو تصل الجهود الدولية إلى طريق مسدود، إلا أن المعركة باتت مختلفة في كل الأحوال. وبدا واضحاً في الأسابيع الأخيرة تحول المعارك من الجزء الجنوبي للساحل الغربي، حيث تتصدر أبوظبي التحالف، إلى الأجزاء الشمالية بمحافظة حجة (ميدي ومناطق محاذية لها) حدودية مع السعودية، وتوليها الأخيرة اهتماماً خاصاً، الأمر الذي يساهم في تخفيف الضغط العسكري على الأقل، من قبل الحوثيين، في معركة الحديدة، التي تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، ما لم يتم التوصل إلى تسوية للوضع في المدينة تنزع فتيل الحرب.

المساهمون