حزب العمال وبريكست: غموض متعمد وراءه مصالح انتخابية

30 يونيو 2018
معارضو بريكست في تظاهرة خلال مؤتمر لـ"العمال" (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
اتسم موقف حزب العمال البريطاني من الشكل النهائي لبريكست منذ الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بالغموض. وبينما تركزت الأنظار على حزب المحافظين الحاكم، والمد والجزر بين جناحيه المؤيدين لنسختين مختلفتين وربما متناقضتين من بريكست، احتل موقف حزب العمال موقفاً ثانوياً. ويعود السبب بشكل رئيسي إلى كونه يحتل المرتبة الثانية في الحياة السياسية البريطانية.

وعلى الرغم من قبول حزب العمال بنتيجة الاستفتاء منذ البداية، لم يخرج الحزب بموقف موحد حول شكل بريكست الذي يرغب بتحقيقه، بل تبع الاستفتاء "تمرد" وإقالات للعديد من قيادات الحزب لخروجها بتصريحات تناقض رؤية جيريمي كوربن ومعسكره، كانت آخرها إقالة القيادي البارز في الحزب أوين سميث لمطالبته باستفتاء ثان على بريكست الشهر الماضي.


ويزداد الضغط على زعامة الحزب لتبني مواقف واضحة من بريكست لصالح عضوية السوق الأوروبية المشتركة. وتأتي هذه المطالب انطلاقاً من فكرة أن القاعدة الشعبية المؤيدة لحزب العمال مؤيدة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن اتخاذ موقف قريب من الاتحاد سيؤدي إلى تعزيز شعبية الحزب. إلا أن قيادة الحزب لا تزال ترفض الإذعان لهذه الضغوط، ما دفع البعض لوصف "العمال" بأنه يتكون من قاعدة شعبية مؤيدة للاتحاد الأوروبي خارج البرلمان وقيادة حزبية معادية للاتحاد داخل البرلمان.

لكن ما هي أسباب هذا الموقف الغامض والمتناقض أحياناً لحزب العمال من بريكست، وما الذي تسعى قيادة الحزب إلى تحقيقه من اتخاذها موقفاً يبدو مناقضاً لقاعدتها الشعبية؟ يجيب المحاضر الجامعي في جامعة برمنغهام، المختص بالفكر السياسي البريطاني، ماثيو فرانسيس، عن هذا السؤال في حديث مع "العربي الجديد"، معرباً عن اعتقاده بوجود ثلاثة أسباب وراء المواقف المتبدلة لحزب العمال من بريكست.
يقول فرانسيس إن المسؤول عن صياغة سياسة حزب العمال تجاه بريكست هو وزير بريكست في حكومة الظل العمالية، كير ستارمر، "إلا أنني أعتقد أن قدرته على المناورة محدودة جداً بسبب موقف كوربن وآخرين في قيادة الحزب، المشككين في الاتحاد الأوروبي". ويلفت إلى أن "المواقف المتبدلة تعود لثلاثة أسباب. أولها أن حزب العمال، مثل الحكومة، يحاول التمسك بمواقف متناقضة عدة من بريكست وبآن واحد، مثل عضوية السوق الأوروبية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والمنطقة الاقتصادية الموحدة، وعدم رفع الحدود الصلبة في إيرلندا الشمالية".
فعلى سبيل المثال، قال جيريمي كوربن مراراً وتكراراً إن حزب العمال يريد الحصول على ميزات العضوية في السوق المشتركة من دون عضويتها، وهو ما يبدو جيداً للبعض، لكنه مستحيل عملياً. فبنية السوق الأوروبية المشتركة تمنع مثل هذه التسويات لما تلحقه من ضرر بالسوق الأوروبية نفسها. كما أن كوربن يعارض حرية حركة الأفراد التي تأتي ضمن عضوية السوق المشتركة، والتي لطالما أكد الاتحاد الأوروبي مساواتها بحرية حركة البضائع.
أما السبب الثاني "فهو أن حزب العمال يحاول إرضاء قاعدته الشعبية والانتخابية المؤيدة للاتحاد الأوروبي بأغلبها ولكنها أيضاً معارضة للاتحاد الأوروبي في بعض الدوائر الانتخابية". ويقول فرانسيس "بينما صوّت مؤيدو العمال في مناطق مثل لندن وبريستول بحماسة لصالح الاتحاد الأوروبي، كان الوضع مختلفاً إلى حد ما في مناطق مثل ستوك أون ترينت ودادلي، ويحاول الحزب التوصل إلى موقف يرضي الجانبين".
أما السبب الثالث فيرجعه فرانسيس "ببساطة إلى أن حزب العمال يحاول التسبب بأكبر قدر من المشاكل للحكومة من دون كشف التناقضات في موقفه، وهو أمر تمكن العمال من تحقيقه بشكل أفضل مما أتوقع. فالضجيج الذي دار حول (التصويت ذو المعنى) في الأسابيع الماضية أكبر مثال على ذلك، إذ تسبب بالعديد من المشاكل لقيادات حزب المحافظين، واستهلك كثيراً من طاقة الحكومة، ولكنه لم يلزم حزب العمال بأي شيء ذي أهمية".
كما ينفي فرانسيس أن تؤثر الخلافات الداخلية في حزب العمال على موقفه الحالي، بسبب ضعف المعارضة لموقف كوربن. ويقول "لا يبدو أن الخلافات حول بريكست ذات تأثير على الدعم الذي يحظى به الحزب حتى الآن. ويعود ذلك بشكل كبير، حسب تقديري، إلى أن الجمهور ملّ من القضية وتوقف عن الانتباه لها. أما السبب الآخر لعدم تأثير الخلافات العمالية أن النواب المعارضين لموقف قيادة الحزب، يعارضونها لأسباب مختلفة، ما يعني عملياً عدم وجود كتلة متجانسة يمكن للمعارضة أن تتبلور حولها".

إلا أن فرانسيس يؤكد أن المشكلة الأهم لحزب العمال هي اختلاف موقف القيادة عن موقف أغلبية أعضاء الحزب. فبينما ترغب القيادة ببريكست أقرب إلى المتشدد، يجنح أعضاء الحزب بمعظمهم إلى بريكست مخفف أو لا بريكست على الإطلاق. وووفقاً لفرانسيس، فإن "هذا الانفصال في المواقف لا يبدو أنه ذو تأثير حتى الآن على دعم القيادة الحزبية". أما السبب فيعود إلى أن القيادة الحزبية "غالباً هي مثل الحكومة، تكرر عدداً من المواقف المفترضة حول ما يمكن تحقيقه في المفاوضات، فضلاً عن أنه بسبب انهيار حزب الديمقراطيين الأحرار فإن مؤيدي الاتحاد الأوروبي لا يملكون مكاناً آخر يلجأون إليه". على الرعم من ذلك، يعتبر المحاضر الجامعي في جامعة برمنغهام أنه "من الصعب رؤية كيف يمكن للعمال الحفاظ على هذا الموقف إلى ما لا نهاية من دون خسارة فئة من مؤيديه".
وبرأيه، فإن السياسة العمالية الحالية ليست في طريقها إلى التحول على المدى القصير. فعلى الرغم من هذا التناقض بين القيادة والقاعدة، يمكن لكوربن الحفاظ على هذا الغموض. كما أن المعادلة البرلمانية لا تسمح لحزب العمال بهزيمة المحافظين في البرلمان عندما يحين وقت الجد، وذلك رغم وجود عدد من المتمردين في حزب المحافظين، لأن حزب العمال يمتلك عدداً من المتمردين بين نوابه أيضاً.
وبالنسبة إليه، فإن "السؤال الأهم هو ما يمكن أن يحدث في حال وصل حزب العمال إلى الحكومة قبل نهاية مفاوضات بريكست، وفي حال أصبح فعلياً مسؤولاً عن تحقيق وتطبيق اتفاقية للخروج من الاتحاد الأوروبي"، ويلفت إلى أن هذا الوضع سيكشف التناقضات في موقف حزب العمال من بريكست. ويضيف "بينما أشك في أن سياسة الحزب ستتطور كنتيجة لذلك، قد يضطر العديد ممن يعارضون سياسات الحزب الحالية لاتخاذ قرار حول مدى استعدادهم للاستمرار في دعم الحزب".

المساهمون