العراق يدخل فترة الفراغ الدستوري

30 يونيو 2018
اعتبر البعض أن الصدر انقلب على مواقفه(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

يدخل العراق، اليوم السبت، فعلياً فترة من الفراغ الدستوري وذلك بعد يوم واحد من فشل البرلمان العراقي في تشريع قانون يجيز تمديد ولايته الدستورية لحين حسم نتائج الانتخابات المطعون بنزاهتها، والتي تقرّرت إعادة عدّ وفرز أصواتها يدوياً بعموم العراق إلا أنه سرعان ما تراجع مجلس القضاء الأعلى الذي انتدب للقيام بالمهمة وأصدر بياناً جاء فيه أنه "سيخضع لعملية العد والفرز تلك المحطات المشكوك بها فقط". وتنتهي الولاية الدستورية للبرلمان العراقي في الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم، السبت، مع نهاية الدوام الرسمي في البلاد، يليها تحوّل الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي، إلى حكومة تصريف أعمال مع نهاية الدوام الرسمي ليوم غد، الأحد، الأول من يوليو/تموز بحسب البند الثامن من الدستور العراقي.

بالتالي لن يكون هناك برلمان في البلاد، كون الدستور ينصّ صراحة على عودة أعضائه إلى مواطنين عاديين من دون صلاحيات، وتُناط بالحكومة مهمة تصريف الأعمال واتخاذ القرارات المهمة والحساسة التي تتعلق بالملفين الأمني والعسكري وكذلك الاقتصاد، وتسيير شؤون البلاد العامة من دون أن يكون لها الحق في توقيع اتفاقيات أو عقد أي تفاهمات دولية إلا في ما يتعلق بأمن البلاد وسيادتها واقتصادها. وفيما ينتظر البدء بعملية عدّ وفرز الأصوات يدوياً منتصف الأسبوع المقبل، فإن الخلافات ما زالت محتدمة بين زعامات وكتل سياسية مختلفة حيال آلية العد اليدوي للأصوات، وما إذا كانت ستكون في كل العراق ولعموم الـ11 مليون صوت أم للمراكز والدوائر الانتخابية المطعون بها قانونياً والتأكد من وجود عمليات تزوير فيها.

في هذا السياق، أكد وزير عراقي في بغداد على صلة بالمحادثات الجارية، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك توافقاً على عدم إطالة فترة الفراغ الدستوري بالبلاد، وتم التوافق على أن يتم الانتهاء من العد والفرز خلال أسبوع واحد من بدء العملية، ويتم تصديق النتائج قضائياً ثم الدعوة لالتئام البرلمان الجديد مطلع أغسطس/ آب المقبل على أبعد تقدير". وأضاف أن "شهر يوليو/ تموز سيكون حاسماً في مشاورات تشكيل الحكومة، والإعلان عن الكتلة الكبرى سيتم بعد المصادقة على النتائج".



وأشار الوزير إلى أن "أي تعقيد في مسار المفاوضات الجارية بين الكتل الشيعية، يعني احتمالاً كبيراً في تأثر البلاد أمنياً أيضاً. وعلى الرغم من وجود راعٍ من إيران وحزب الله اللبناني، إلا أن هناك عقداً وخلافات كبيرة، من بينها منصب رئيس الوزراء وأي كتلة سترشحه وشخص رئيس الوزراء نفسه". وكشف عن "قرب وصول مسؤول أميركي رفيع إلى بغداد خلال الأيام المقبلة لمحاولة إقناع الأكراد والسنّة، في حسم خياراتهم وممثليهم المقبلين بالحكومة، وكذلك دعم رئيس الوزراء حيدر العبادي في فترة تصريف الأعمال الحالية". وختم بالقول إن "الولايات المتحدة قد تفرض رؤيتها في العراق من خلال مساومة الإيرانيين في ملفات أخرى، وهذا أمر مرجح جداً".

وحتى الآن لم ترتق أي من التحالفات التي أعلنت الكتل عنها، إلى كتلة رسمية من الممكن أن تشكل الحكومة المقبلة، فتحالف "سائرون" بقيادة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، المتصدر بالنتائج، لم يضمن حتى الآن بقاء تحالف "الفتح" (الحشد الشعبي) معه. كما أن ائتلاف "النصر" بقيادة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وتقربه الأخير من الصدر، لم يؤكد البقاء حتى النهاية معاً، بسبب الضغوط الإيرانية غير المتوقفة للتأثير على الأحزاب الشيعية للعودة إلى أحضان "التحالف الوطني" وتوجهات نوري المالكي، لبناء حكومة أغلبية طائفية. وهو ما لا يريده الصدر، فضلاً عن توقعات كثيرة بأن العبادي والصدر لم يجتمعا إلا على أساس مصلحة شخصية، هي "التنكيل" بالمالكي وإقصائه عن السلطة.

وتنطلق عملية العد والفرز بالطريقة اليدوية لأصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية، الأسبوع المقبل، بحسب رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري. وقال الجبوري في مؤتمر صحافي، عقب جلسة البرلمان التي لم يكتمل نصابها، مساء الخميس الماضي، إن "عمليات العد والفرز اليدوي ستبدأ الأسبوع المقبل، ونتمنى أن تنتهي إلى النتائج الحقيقية التي تؤشر إلى إرادة الشعب"، مشدداً في الوقت ذاته على أن "تقوم مفوضية الانتخابات باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن العد والفرز اليدوي وأن تأخذ بنظر الاعتبار جميع الشبهات والأدلة والوثائق والطعون التي تم تقديمها، في سبيل الوصول إلى نتائج قابلة للمصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية".
واعتبر الجبوري أن "ما تم الإعلان عنه من نتائج ليس هو المعيار الذي يرتكز عليه"، مؤكداً على أن "مجلس النواب سيبقى حريصاً على مراعاة أوضاع الناس".



ومن خلال إكمال عملية عد الأصوات "يدوياً"، ومصادقة المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية) في البلاد على النتائج، وقع على الأحزاب التي أفرزتها الانتخابات، تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، ومن ثم تشكيل الحكومة واختيار الوزراء.

وبادر مقتدى الصدر، الشهر الماضي، بمحاولات عديدة لتشكيل تحالفه الأكبر، وحظي بتأييد شعبي واسع، بعد سلسلة بيانات أصدرها، دعا من خلالها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وتقنينه في البلاد، كذلك تسريح عناصر مليشيات "الحشد الشعبي"، وضمّها إلى القوات العسكرية النظامية، ولوّح دائماً بالابتعاد عن الأحزاب المدعومة خارجياً، لا سيما من طهران. لكنه لم يثبت على موقفه، فقد اتفق مع رئيس منظمة "بدر" هادي العامري، على تحالف، أعقبه اللقاء ثم إعلان التحالف مع العبادي، بعد أن كان الصدر "متعجباً" من سلوك العبادي من اتحاده مع "الحشد". ورأى سياسيون أن "هذه الاتفاقات هشة وبعضها كيدية وقد تتعرض للتفكك في أي لحظة".

في السياق، قال القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، حبيب الطرفي، إن كتلته البرلمانية "متفقة مع سائرون بزعامة الصدر من أجل تأليف تحالف لتشكيل الكتلة الكبرى بالبرلمان". وتابع "نحن متفقون تماماً مع الصدر، واتفاقنا كان اللبنة الأساسية للتحالفات الجديدة"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "من لا ينضم إلى الكتلة الكبرى، التي يعمل تحالف سائرون على تحقيقها، فهو حتماً يريد الذهاب إلى المعارضة، وهذا الأمر إيجابي أيضاً".

وأضاف أن "المرحلة الجديدة هي مرحلة تحقق فيها الجبهة الحاكمة الحقيقية والوطنية، والجبهة المعارضة، وهي عملية ديمقراطية، ولا يمكن تكرار ما حصل في العراق منذ 2003 بأن يكون الحاكم هو نفسه المعارض"، مشيراً إلى أن "التحالف الأكبر (سائرون) ينتظر من يأتي من كردستان، والأقرب لنا هو حزب مسعود البارزاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني. وليس من المنطقي أن تكون سائرون بعيدة عن الأكراد".



من جانبه، بيّن عضو ائتلاف دولة القانون (نوري المالكي)، سعد المطلبي، أن "نوايا الصدر حتى الآن غير معروفة، كذلك توجهاته السريعة لتشكيل الكتلة الكبرى، وحتى الآن لا يوجد شيء اسمه تحالف سائرون، إنما سائرون فقط، لأنه لا يوجد تحالف رسمي، بل تفاهمات واتفاقات على الخطوط العريضة فقط". ولفت إلى أن "جميع الأحزاب التي أفرزتها الانتخابات ما زالت تنتظر المصادقة على نتائج الانتخابات، وبعدها ينطلق العمل الحقيقي للتحالفات".

وتابع المطلبي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "قد تتغير كل التفاهمات بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات عبر العدّ والفرز اليدوي للأصوات". وعن تحركات حزب المالكي، قال: "نحن لا نعلن عن تفاهماتنا، بل نتحرك بهدوء، ومن خلال العمل بصمت، نكتشف العملية السياسية والمخططات التي تحدث ونستمع بصمت إلى الآخرين وأعمالهم. نحن اتفقنا مع أطراف سياسية، ولدينا تحالفنا، وسنعلن عنه في اللحظة المناسبة".

إلى ذلك، ينتظر تحالف "القرار" بزعامة أسامة النجيفي، من يدعوه إلى تحالف كبير، ويضمن له المناصب والحصة الجاهزة من الحكومة الجديدة. وقال عضو فيه لـ"العربي الجديد"، إنه "ما زلنا ننتظر نتائج الانتخابات"، مضيفاً أن تحالف "القرار" حتى الآن "لم يتبلور موقفه من الدخول في أي تحالف. نحن نريد أن نمثل المكون العربي السني، بحجم تعرضهم للأذى من الإرهاب والتدمير، وهذا لن يتم إلا بحصولنا على مناصب في السلطة التنفيذية".

كردياً، لم تتوصل الأحزاب في كردستان حتى الآن إلى اتفاق يفضي لتشكيل تحالف يضم أحزاب الإقليم. وقال عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بختيار شاويس، لـ"العربي الجديد"، إن "القوى الكردستانية ما زالت تنتظر تسوية الخلافات في ما بينها، لا سيما بين الجبهة المؤيدة لنتائج الانتخابات والمعارضة لها"، مبيناً أن "الانتهاء من هذه الأمور سيجعل التوجه إلى بغداد ممكناً بغرض التفاوض مع التحالفات الكبيرة في العاصمة".
بدوره، رأى السياسي العراقي حسن العلوي، أن "إعلان التحالف الأخير بين العبادي والصدر، لن يستمر لأنه كيدي، يهدف إلى إبعاد المالكي عن السلطة". وأضاف أن "تحالف العبادي والصدر تحالف كيدي ضد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، لمنعه من الوصول إلى السلطة والانتقام منه لوجود عداء مسبق بين الطرفين"، موضحاً أن "إعلان التحالف من قبل الصدر كان صادماً للقوى السياسية التي عوّلت على الصدر كثيراً، إلا أنه خذلها ومنح أربع سنوات حكم جديدة لحزب الدعوة الإسلامية الذي حكم البلاد منذ عام 2005 ولغاية الآن". وأشار إلى أن "تحالف الفتح وسائرون لم يعد قائماً، كون زعيم تحالف الفتح هادي العامري تحالف مع الصدر شرط منع العبادي من تولي السلطة، إلا أن الأمور انقلبت بعد منح الصدر ثقته للعبادي للولاية الثانية".



المساهمون