اللجاة... حصن المعارضة في الجنوب السوري هدف للنظام

23 يونيو 2018
قوات النظام تكتفي بعمليات قصف (محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -



واصلت قوات النظام السوري تصعيدها في محافظة درعا، خصوصاً مناطق الريف الشمالي والشرقي، باتجاه منطقة اللجاة، التي تسعى قوات النظام إلى فصلها عن محافظة درعا، وذلك بالرغم من توالي التحذيرات الأميركية للنظام وروسيا من عواقب أي هجوم عسكري على منطقة "خفض التصعيد" في الجنوب السوري.

وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن مروحيات النظام ألقت 12 برميلاً متفجراً على بلدات بصر الحرير والمجيدل الغارية الشرقية والغارية الغربية، وذلك للمرة الأولى منذ نحو عام، إثر توقيع اتفاق خفض التصعيد في يوليو/تموز العام الماضي. وأسفر إلقاء 4 براميل متفجرة على بلدة الحراك عن مقتل مدني وجرح آخرين، كما قتل أحد عناصر الفصائل المسلحة في المدينة. كما قصفت قوات النظام بالمدفعية الحراك وبلدات الكرك الشرقي ومليحة العطش وبصر الحرير وناحتة واليادودة. وطاول القصف المدفعي والصاروخي بلدات أم ولد والمسيفرة واليادودة ومنطقة تل الشيخ حسين وتل المال، ما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى في بلدة الغارية الشرقية. وتعرضت بصر الحرير لقصف بصواريخ من نوع "فيل".

من جهتها، ردت فصائل المعارضة بقصف مواقع للنظام في مدينة درعا. وقال مدير المكتب الإعلامي لـ"غرفة عمليات البنيان المرصوص"، أبو شيماء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهم استهدفوا فرع الأمن السياسي التابع للنظام في منطقة درعا المحطة بأسطوانة متفجرة، ما أدى إلى مقتل ثلاثة عناصر وجرح آخرين. وأكد أن قوات النظام لم تتقدم أبداً في أي منطقة في درعا، وأنها تكتفي بعمليات القصف. وذكرت وسائل إعلام موالية أن قوات النظام أحبطت محاولة تسلل من بلدة بصر الحرير باتجاه نقاط لقوات النظام في اللجاة. وكان قتل وأصيب مدنيون، بينهم نساء، جراء قصف صاروخي لقوات النظام على مدينة الحراك، فيما قتل عنصر من المعارضة السورية وجرح مدنيان جراء قصف صاروخي من مواقع قوات النظام في محافظة السويداء على بلدة ناحتة. من جهتها، زعمت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن قوات النظام تمكنت من السيطرة نارياً على خطوط إمداد فصائل المعارضة في منطقة اللجاة، وتطويق بلدة بصر الحرير بالكامل بعد قطع خطوط الإمدادات من منطقة اللجاة عن مسلحي البلدة، وبذلك يكون تم فصل منطقة اللجاة عن ريف درعا.

وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إنه لا صحة إطلاقاً للأخبار التي تحدثت عن تقدم قوات النظام من ريف السويداء الغربي في عمق اللجاة ومسيكة والسيطرة على مسيكة والدلافة وتطويق بصر الحرير، ووصفتها بأنها أضغاث أحلام. كما نفى قائد "فرقة أسود السنة"، أبو عمر الزغلول، في تصريح صحافي، تقدم قوات النظام نحو اللجاة أو محاصرة بلدة بصر الحرير. وأكد أن قوات النظام لم تتقدم شبراً واحداً رغم القصف المكثف. ولفت إلى أن قوات النظام تستهدف المناطق والبلدات المحاذية لمحافظة درعا، لإيقاع الفتنة بين أهالي درعا والسويداء، نافياً ادعاءات النظام عن قصف المعارضة للسويداء.


في غضون ذلك، ذكرت تقارير إعلامية، أن فصائل المعارضة في الجنوب السوري تلقت أخيراً أسلحة جديدة قادمة من الأردن. وقال المقدم إياد بركات من الجبهة الجنوبية، لوكالة "آكي" الإيطالية، إن المعارضة السورية في الجنوب استلمت أسلحة متطورة، بينها صواريخ "تاو" من الجيل الثاني المطور، الذي يبلغ مداها نحو 8 كيلومترات، وهي قادرة على إسقاط مروحيات. وأوضح أن فصائل المعارضة "لا ينقصها السلاح الآن، وأقامت عدة غرف عمليات في جنوب وغرب وشرق المحافظة، تضم الغالبية العظمى من الفصائل المسلحة التي تعمل تحت مسمى الجبهة الجنوبية والتابعة للجيش السوري الحر". وتابع "من المتوقع أن يواجه النظام وحلفاؤه مقاومة عنيفة جداً، فضلاً عن استعداد بعض الكتائب لشن هجمات معاكسة لاستهداف قوات النظام في معاقلها". وأعلنت فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في مدينة نوى بريف درعا تشكيل غرفة عمليات باسم "واعتصموا" بهدف صد محاولات تقدم قوات النظام إلى المنطقة. وسبق أن أعلنت عدة فصائل عسكرية تابعة للمعارضة السورية، الأربعاء الماضي، تشكيل غرفة عمليات مركزية في الجنوب السوري.

من جهة أخرى، وفيما حثت الولايات المتحدة فصائل المعارضة في الجنوب السوري على عدم الانجرار وراء "استفزازات" قوات النظام التي تسعى لإشعال جبهة الجنوب، طلبت فصائل المعارضة في درعا من هيئة التفاوض المعارضة تعليق المفاوضات الخاصة بتشكيل اللجنة الدستورية لوضع دستور جديد لسورية. وقالت مصادر في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الخارجية الأميركية بعثت رسالة إلى فصائل الجبهة الجنوبية وأهالي الجنوب، قالت فيها إن الولايات المتحدة تعمل حالياً  للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار من خلال القنوات الدبلوماسية، وتبذل جهوداً جبارة في سبيل تحقيق ذلك. وأوضحت أن الرسالة طلبت من الفصائل ضرورة تجنب الرد على استفزازات النظام الذي يسعى لتسريع السيناريو الأسوأ للجنوب السوري. وشدّدت الرسالة على أنّ فصائل الجنوب تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس، إلا أن عليها أن تحرص بشدّة على منع أيّ هجمات استباقية عبر خط التماس. وكانت وزارة الخارجية الأميركية كررت تحذيرها روسيا ونظام بشار الأسد من "التداعيات الخطيرة" نتيجة الانتهاكات المرتكبة في مناطق خفض التصعيد جنوب غرب سورية. وطالبت موسكو بـ"كبح جماح المليشيات الموالية للنظام من القيام بأفعال أخرى داخل منطقة خفض التصعيد". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر ناورت، في بيان، "ما تزال الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ بسبب تقارير عن ازدياد عمليات النظام السوري جنوب غربي البلاد، داخل منطقة خفض التصعيد التي اتفقت حولها الولايات المتحدة والأردن وروسيا العام الماضي، ولديها تقارير تؤكد انتهاك النظام ومليشياته للمنطقة وتنفيذه غارات جوية وضربات مدفعية وصاروخية".

من جهتها، طالبت فصائل المعارضة في درعا بتعليق المفاوضات السياسية حول تشكيل اللجنة الدستورية لوضع دستور جديد لسورية. ودعت "الجبهة الجنوبية"، في بيان أمس الجمعة، "هيئة التفاوض العليا" إلى الانسحاب من أي تمثيل وتعليق المفاوضات وعدم المشاركة في صياغة الدستور، أو الدخول في أي عملية تسعى روسيا من ورائها للالتفاف على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. واعتبرت أن خروقات قوات الأسد في درعا والقصف الجوي والمدفعي دفعاها إلى عدم منح أي ممثل من هيئة التفاوض للدخول في أي عملية سياسية.

ويرى مراقبون أن قوات النظام تركز مجهودها الحربي حالياً في الجنوب السوري على منطقة اللجاة، بهدف فصلها عن محافظة درعا. وتخضع هذه المنطقة لسيطرة فصائل المعارضة منذ العام 2011، حيث أنها تعتبر المعقل الأول لفصائل المعارضة في الجنوب السوري. ويسيطر حالياً على منطقة اللجاة مجموعة من الفصائل، مثل "ألوية العمري" و"جيش أحرار العشائر" و"قوات شباب السنة"، إضافة إلى "هيئة تحرير الشام". وسعت قوات النظام مرات عدة لاقتحام المنطقة، لكنها أخفقت في ذلك بسبب وعورة تضاريسها، واكتفت بقصفها بالمدفعية والطيران الحربي ما أدى إلى دمار كبير في بنيتها التحتية. وكان تنظيم "داعش" يسيطر على عدة بلدات في منطقة اللجاة، مثل حوش حماد وبئر قصب، إلا أنّ فصائل المعارضة طردته منها، ليتم في مارس/آذار 2017 الإعلان عن خلو اللجاة تماماً من التنظيم. وتسيطر قوات النظام على الأجزاء الشرقية والجنوبية من منطقة اللجاة، خصوصاً تلك الواقعة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السويداء. ويبلغ عدد سكان المنطقة، التي تشكل 40 في المائة من مساحة درعا، نحو 60 ألف نسمة، وتضم 45 قرية، تعيش جميعها على الزراعة وتربية المواشي، وتفتقر للخدمات بشكل كلي، بما في ذلك الكهرباء والوقود والمراكز الصحية، بينما معظم الآبار الصالحة للشرب باتت خارج الخدمة. كما أنه لا يوجد في المنطقة أي نشاط إغاثي.

واللجاة عبارة عن هضبة بازلتية ذات طبيعة صخرية وعرة وصعبة، تقع بين محافظتي درعا والسويداء على مسافة 50 كيلومتراً جنوب دمشق. وتمثل حالياً محمية طبيعية، تعتبر الوحيدة في سورية حتى الآن، إذ اختارتها المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في 2009 كأول محمية ومحيط حيوي في سورية من بين 32 محمية في البلاد. وتتميَّز بتنوع بيولوجي كبير، وبغناها الشديد بالمواقع الأثرية القديمة. وأطلق على هذه المنطقة اسم "اللجاة" لأنها أصبحت ملجأً لكل هارب أو مظلوم، فلا يستطيع الإنسان بمفرده أن يدخلها ويتوغل فيها، فقد يتوه بين الصخور العالية، أو المغاور والكهوف، وهي عصية على الخيول والجمال والآليات الحديثة. كما أنها تعتبر حصناً دفاعياً في جنوب سورية، حيث تكثر فيها النتوءات والجروف الصخرية الصعبة، والمنخفضات والمرتفعات، كما تخلو من الينابيع، غير أنّها غنية بالآبار في المقابل.

إلى ذلك، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، أن "جندياً سورياً قتل وأصيب سبعة بجروح في غارة شنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن على موقع عسكري وسط سورية". وأشار إلى "انفجارات" في جنوب شرق صحراء تدمر غير بعيد من التنف حيث يقيم التحالف قاعدة عسكرية. وتابع "تبعد النقطة العسكرية التي تم استهدافها فقط 20 كيلومتراً عن منطقة التنف". لكنّ وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نفت حصول أي ضربة. وقال المتحدث باسم البنتاغون أدريان رانكين غالوي إن "مقاتلي مغاوير الثورة ومستشاري التحالف في منطقة فض الاشتباك قرب التنف تم استهدافهم من جانب قوة معادية لم يتم تحديدها تتمركز خارج منطقة فض الاشتباك". وأضاف أن المقاتلين المدعومين أميركياً ومستشاري التحالف "ردّوا بإطلاق النار دفاعاً عن النفس".