إثيوبيا وإريتريا: رسائل سلام لإنهاء أطول نزاع أفريقي

21 يونيو 2018
لمّحت إثيوبيا لاستعدادها للتنازل عن بادمي (ماهيدا هيلاسيلاسي/فرانس برس)
+ الخط -
مدت إثيوبيا وإريتريا يد السلام لبعضهما البعض، في محاولة لحل أحد أطول النزاعات في القارة الأفريقية، والذي أدى إلى مقتل عشرات الآلاف، جراء حرب حدودية دامية بين البلدين، سبقها حالة من العداء بين أسمرة وأديس أبابا، منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا في العام 1993 بعد حرب استمرت 30 سنة. وتشهد العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، نوعاً من اللاحرب واللاسلم بينهما، وذلك إثر الحرب الحدودية التي اندلعت بينهما في مايو/أيار 1998، وتوقفت عام 2000، بعد وساطة أفريقية قادتها الجزائر، قبل أن يوقّع البلدان اتفاقية سلام، في العام ذاته. ونص اتفاق الجزائر على تكليف قوات حفظ السلام من 60 دولة، بحفظ الأمن في "منطقة آمنة مؤقتة"، على مساحة 25 كيلومتراً بين الجانبين. كما منحت محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 2002، إريتريا الحقّ في منطقة بادمي الحدودية لكن ذلك لم يؤد إلى خروج القوات الإثيوبية منها، ما أثار مواجهات متفرقة على طول الحدود (ألف كيلومتر)، كان أخطرها في العام 2016. وتدخلت دول عدة، خصوصاً العربية منها، لمنع تجدّد الحرب بين البلدين، وعملت قطر على بناء علاقة قوية مع إريتريا وإثيوبيا، وعلى الرغم من عدم نجاح الدوحة بالكامل في الملف الإريتري ـ الإثيوبي، إلا أنها نجحت بنشر المئات من جنودها على الحدود بين إريتريا وجيبوتي، بعد خلافات حدودية بينهما، انتهت باتفاق وُقّع في الدوحة في العام 2010. ولم تكن حرب العامين الوحيدة، فقبل أن تنال إريتريا استقلالها من إثيوبيا، دخل البلدان في حرب منذ 1961 وحتى 1991، ثم حصلت إريتريا على الاستقلال في 25 إبريل/نيسان 1993، باستفتاء شعبي، أصبحت على إثره دولة ذات سيادة، ما حرم إثيوبيا من واجهتها البحرية الوحيدة على البحر الأحمر. وتخللت هذه الفترة حربا أهلية داخل إثيوبيا منذ 1974، عندما قام منغستو هايلي ميريام بانقلاب عسكري على نظام الإمبراطور هيلاسيلاسي واستمرت حتى 1991.

وتلقف الرئيس الإريتري، أسياسي أفورقي، أمس الأربعاء، غصن السلام الذي مده رئيس حكومة إثيوبيا الجديد، آبي أحمد، والذي أعلن أخيراً أن أديس أبابا ستقبل بشكل كامل شروط اتفاق سلام مع إريتريا وقع في الجزائر لإنهاء حرب حدودية استمرت عامين. وفي خطوة نادرة، أعلن دبلوماسيون إريتريون أن أفورقي سيرسل وفداً إلى إثيوبيا المجاورة، لإجراء محادثات سلام. وقال دبلوماسي إريتري بارز إن أفورقي سيرسل وفداً إلى أديس أبابا "للتواصل البناء" مع إثيوبيا بعد ما أبداه رئيس وزرائها الجديد من ميل للسلام. وكتب سفير إريتريا لدى اليابان، إستيفانوس أفورقي، على "تويتر"، أن الرئيس أعلن عن هذه الخطوة التي قد تمثل تقدماً كبيراً في سبيل تسوية واحد من أطول النزاعات في أفريقيا. ويعد هذا أول وفد من هذا النوع ترسله إريتريا منذ العام 1998، عندما اندلعت حرب حدودية بين البلدين. ولا تربط إريتريا علاقات دبلوماسية بإثيوبيا وإن كانت لها سفارة في أديس أبابا في إطار تمثيلها في الاتحاد الأفريقي الذي يوجد مقره في العاصمة الإثيوبية.





ويبدو أن تدهور الوضع الاقتصادي في إثيوبيا يقف خلف موافقة آبي أحمد على تطبيع العلاقات بين أديس أبابا وأسمرة. وكان أبي أحمد أعلن، في البرلمان في 6 يونيو/حزيران الحالي، أن التوترات تكبد البلدين خسائر اقتصادية كبيرة، معتبراً أن على أديس أبابا التوقف عن إخفاء هذا الأمر عن الشعب الإثيوبي، وهو ما يمثل أيضاً نقطة تحول عن الماضي. وقال أحمد إن إنهاء الحرب وتعزيز الروابط الاقتصادية مع أريتريا أمر حاسم للاستقرار والتنمية في منطقة القرن الأفريقي الفقيرة. وتأتي تصريحات أبي أحمد بعد يوم من إعلان ائتلافه الحاكم أن إثيوبيا ستنفذ بالكامل اتفاق السلام الذي وقعته عام 2000 بهدف إنهاء حرب استمرت عامين بين البلدين. ويستلزم هذا التعهد التخلي عن بلدة متنازع عليها لإريتريا. وأضاف "التوتر هو كل ما حصدناه من الوضع الذي ساد خلال العشرين سنة الماضية". وتابع "لا تستفيد إثيوبيا ولا إريتريا من الأزمة. نحتاج أن نعزز كل جهودنا نحو السلام والمصالحة وأن نحرر أنفسنا من الانقسامات والصراعات التافهة ونركز على القضاء على الفقر". وقال كبير الموظفين في مكتب أحمد، فيتس أريغا، في ذلك الوقت، إن "معاناة الجانبين لا توصف بسبب وصول عملية السلام إلى طريق مسدود. يجب أن يتغير هذا الوضع من أجل مصلحة البلدين". وقال المحلل الإثيوبي في مركز شاتام للأبحاث في لندن، أحمد سليمان، إن تحرك إثيوبيا يمثل "تحولاً كبيراً" عن سياساتها الفاشلة التي استمرت طويلاً. وأضاف "أن نرى بعض التحرك فهذا أمر إيجابي للغاية. هذا هو الصراع الكامن الأكثر أهمية داخل القرن (الأفريقي) وإيجاد حل له مهم للسلام والأمن في المنطقة". يشار إلى أن استقلال إريتريا أدى إلى إغلاق مداخل البحر الأحمر تماماً عن إثيوبيا، التي كانت تستند إلى الميناءين الإريتريين، عصب ومصوع، لتأمين إطلالتها على البحر الأحمر، وتصدير بضائعها للخارج. بالتالي باتت إريتريا تمتلك ساحلاً طويلاً على البحر الأحمر، بطول ألف كيلومتر، كما تتبع لها أكثر من 360 جزيرة، وتتحكّم في طريق الملاحة بالبحر الأحمر.

وأنعش أفورقي، أمس الأربعاء، الآمال في حدوث انفراجة في واحد من أصعب الصراعات في أفريقيا، عندما وصف بوادر السلام الأخيرة من جانب إثيوبيا بأنها "رسائل إيجابية". وقال أفورقي، (72 سنة) خلال فعالية لإحياء يوم الشهداء في العاصمة أسمرة، إنه سيرسل وفداً إلى أديس أبابا للتعرف على موقف رئيس وزرائها الجديد آبي أحمد و"وضع خطة". وهذا هو أول رد من إريتريا، إحدى أكثر الدول انغلاقا في أفريقيا، على تعهد آبي أحمد المفاجئ، بمراعاة كل شروط اتفاق سلام أنهى حرباً اندلعت بين البلدين بين 1998 و2000. وشبه البعض هذا النزاع بالحرب العالمية الأولى، مع إجبار دفعات من المجندين على السير عبر حقول ألغام نحو خنادق إريترية حيث حصدتهم نيران الرشاشات الآلية. وسقط خلال هذه الحرب ما يناهز 80 ألف شخص من الطرفين. وحتى بعد انتهاء الحرب، بقيت التحصينات العسكرية على الحدود المتنازع عليها، خصوصاً في بلدة بادمي، التي أفاد تحكيم دولي في العام 2002 بأنها جزء من إريتريا. ومنذ ذلك الحين، تجاهلت أديس أبابا الحكم ورفضت سحب القوات أو المسؤولين، ما أثار غضب أسمرة. لكن آبي (41 سنة) الذي شرع في إصلاحات اقتصادية وسياسية جذرية منذ توليه رئاسة الوزراء في مارس/آذار الماضي، فاجأ الإثيوبيين بقوله إن أديس أبابا ستحترم جميع شروط التسوية بين البلدين، ملمحاً إلى استعداده للتنازل عن بادمي.
وأعلن أفورقي أن هذا التنازل، الذي سيثير على الأرجح اعتراضات داخل الائتلاف الإثيوبي الحاكم، نشأ من رغبة البلدين في تحقيق "سلام" طويل المدى. وأضاف أن "الإشارات الإيجابية التي صدرت خلال الأيام الماضية يمكن اعتبارها تعبيراً عن هذا الخيار الشعبي. نستطيع القول بأن هذه الرسائل الإيجابية إشارات إلى خيار الشعب". ووصف سفير إريتريا لدى كينيا الخطوة بأنها "فصل جديد من السلام والمصالحة بين الشعبين الإريتري والإثيوبي". كما أبرزت قناة "فانا برودكاستنغ كوربوريشن"، التابعة لإثيوبيا، تصريحات أفورقي.

وكان مسؤول في وزارة الخارجية الإثيوبية أعلن أن عدد محاولات التوسط بين البلدين بلغت "61 محاولة على الأقل" لكن أسمرة رفضتها كلها. وأضاف أن روسيا والاتحاد الأوروبي وقطر كانت من بين الجهات التي أبدت رغبتها في التوسط بين البلدين على مدى العقدين الماضيين. وإذا تم حل الخلاف الحدودي بين البلدين، فإن دبلوماسيين حذروا من أن الإجراءات العقابية ضد إريتريا ربما تكون عائقاً أمام حل فوري للنزاع. وفرض مجلس الأمن الدولي حظراً للأسلحة على إريتريا عام 2009 على خلفية اتهامات لأسمرة بأنها وفرت الدعم السياسي والمالي واللوجستي لجماعات مسلحة في الصومال. وتنفي إريتريا منذ وقت طويل هذه الاتهامات وتقول إن إثيوبيا لفقتها لها في محاولة لعزلها وصرف الانتباه عن إحجام أديس أبابا عن تسليم المناطق المتنازع عليها. وقال دبلوماسي غربي في إثيوبيا "لطالما أعلنت الحكومة الإريترية براءتها وستطالب على الفور برفع العقوبات عنها. وهذه ربما تكون نقطة خلاف في الوقت الحالي".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، الأناضول)