القصة الكاملة لصفقة برودي ونادر مع المحمدين ضدّ قطر: اللاهثان وراء الأموال

22 مايو 2018
وجدت السعودية في عهد ترامب ضالتها لاستعادة الهيمنة(كيفن ديتش/Getty)
+ الخط -
كشفت وكالة "أسوشييتد برس"، اليوم الثلاثاء، تفاصيل جديدة للحملة التي قادها ضد قطر في أروقة واشنطن، كل من إليوت برودي وجورج نادر، المشمولين بتحقيق روبرت مولر، المتعلق بالتدخل الروسي في انتخابات رئاسة أميركا، والذي بدأ يسلط الضوء رويداً رويداً على كيفية إدارة دونالد ترامب والمحيطين به لملف العلاقات الخارجية.

وبحسب الوكالة، فقد حاول كل من برودي ونادر الحصول على صفقات باهظة من السعودية والإمارات، مقابل الدفع بسياسة هذين البلدين الخليجيين في مراكز القرار في واشنطن، وتمرير أجندة معادية لقطر، تصل ذروتها إلى سن قانون في الكونغرس لمعاقبة الدوحة.


عهد "تجفيف المستنقع"؟

"سيكون عهدي نهايةً لمؤسسة واشنطن السياسية الفاسدة"، هذا ما تعهد به دونالد ترامب خلال حملته للانتخابات الرئاسية الأميركية، رافعاً شعار "تجفيف المستنقع"، لمحاربة "فساد الحكومة" و"تحريرها من مجموعات الضغط".

لكن إليوت برودي، أحد كبار جامعي التبرعات لحملة ترامب، والذي أدار "حملته الخاصة" لاحقاً للتأثير على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، عبر الترويج خصوصاً لأفكار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وضدّ قطر، بهدف حصد ثروة دسمة، قد يكون اكتشف باكراً أن "المستنقع في واشنطن"، مع إدارة أميركية كإدارة ترامب، اتسع بشكلٍ يسمح له بالغطس والسباحة فيه، بعمقٍ ومدىً لم تشهده من قبل أي إدارة أميركية.

هذه هي خلاصة تقرير جديد لوكالة "أسوشييتد برس" التي اطلعت على رسائل إلكترونية، تبرز استماتة برودي ونادر وراء مليارات السعودية وقطر، مقابل تقديم خدمات ضد قطر واقتراح مشاريع صفقات تتعلق خصوصاً بحرب اليمن.

وتقول الوكالة إنه بعد عام أمضاه في التقرب وتمتين العلاقة مع الأميرين الخليجيين، بن سلمان وبن زايد، اعتقد برودي أن الوقت دنا لجني الأرباح، والحصول على صفقات بقيمة تقارب المليار دولار.

وبحسب "أسوشييتد برس"، فقد تملّق برودي جيداً لـ"المحمدين"، اللذين كانا يسعيان إلى تغيير السياسة الأميركية الخارجية ومعاقبة قطر، الإمارة الخليجية المنافسة، والتي وصفها برودي بـ"الأفعى".

وللدفع بأجندة وليي العهد الإماراتي والسعودي في واشنطن، قاد برودي، وهو رجل أعمال من كاليفورنيا، حملة سرية للتأثير على البيت الأبيض والكونغرس، مُعَوِّماً واشنطن بالهبات والتبرعات السياسية.

وطرح برودي وشريكه، رجل الأعمال اللبناني – الأميركي جورج نادر، نفسيهما أمام بن سلمان وبن زايد كقناة خلفية للبيت الأبيض، حيث مررا مديح المحمدين - ورسائلهما – مباشرة إلى أذني الرئيس.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، استعد برودي لجني مكاسب حملته،  والحصول على أمواله عداً ونقداً، بحسب الوكالة.

وفي مقابل الدفع بشدة بالسياسات المعادية لقطر داخل الإدارة الأميركية، توقع نادر وبرودي الحصول على عقود استشارية ضخمة من السعودية والإمارات، وذلك وفق ما توصل إليه تحقيق لـ"أسوشييتد برس" بناء على مقابلات مع أكثر من 20 شخصاً، ومئات الصفحات من رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها الرجلان، والمسربة. وتتضمن الرسائل التي اطلعت عليها الوكالة ملخصات عمل وعقود واقتراحات عمل وعقود.

وكانت الوكالة قد ذكرت سابقاً في تقرير أن برودي ونادر حاولا استصدار مشروع قرار ضد قطر عبر الكونغرس، معتمين على مصدر المال الذي يقف خلف حملتهما الضاغطة ضد الدوحة. وتكشف مجموعة كبيرة من الرسائل المسربة الجديدة حملة ضغط طموحة وسرية لعزل هذه الدولة الخليجية، وإضعاف علاقة البنتاغون الطويلة معها.

ورداً على تقرير الوكالة، قال محامي برودي كريس كلارك، إنه مبني على وثائق مفبركة مصدرها جهات تحمل أجندة معروفة للإضرار برجل الأعمال الأميركي.

من جهتها، تؤكد الوكالة أن محتوى الرسائل التي أطلعت عليها دقيق، ويتلاقى مع تسلسل الأحداث التي حصلت، بما فيها جهود التقارب الحثيثة من الأميرين الخليجيين والضغط على الكونغرس والبيت الأبيض. كما تكشف لقاء مع ترامب لم يخرج سابقاً إلى العلن، ومعلومات دقيقة حول نشاط الرجلين اللذين يرتبط اسماهما بحالة الاضطراب التي تعيشها واشنطن والمحيطة بتحقيقين اثنين يتعلقان بحملة ترامب.

وقيادة حملات الضغط (lobbying) للربح الشخصي ليست بالأمر الجديد في واشنطن، لكن برودي ونادر لم يسجلا اسميهما في واشنطن في إطار "قانون تسجيل العملاء الأجانب"، وهو قانون يهدف إلى دفع عملاء الضغط الذين يعملون لصالح حكومات أجنبية إلى الكشف عن ارتباطاتهم الخارجية وبعض أوجه نشاطاتهم السياسية. ويجبر القانون هؤلاء على تسجيل أنفسهم حتى لو لم يكن نشاطهم مدفوعاً، بل فقط موجهاً لخدمة مصالح خارجية تبررها الأهداف السياسية لهؤلاء. وعلى من يخرق قانون التسجيل دفع غرامة أو الخضوع لعقوبة السجن.

وأصر برودي على تأكيد أنه لم يكن مجبراً على تسجيل اسمه في إطار قانون "العملاء الأجانب"، مدّعياً أن حملته ضدّ قطر لم تكن موجهة من قبل عميل خارجي بل قادها بأكملها بمبادرة شخصية منه. لكن الوثائق التي اطلعت عليها "أسوشييتد برس" تكشف أن حملة الضغط ترافقت منذ البداية مع السعي للحصول على عقود عمل، وتضمنت مهمات سياسية محددة نفذت لصالح بن زايد وبن سلمان، اللذين تتضمن "لائحة الزبائن" لحملات الضغط في شركة برودي، "سيرينوس"، اسم بلديهما، الإمارات والسعودية.

وتؤكد ملخصات كتبها برودي حول لقاءين له مع ترامب، أحدهما لم يتم الكشف عنه من قبل، أنه كان يمرر رسائل للرئيس الأميركي من الأميرين الخليجيين، وأنه أبلغ ترامب بأنه يسعى لعقد صفقات معهما.

وكانت السعودية قد وجدت ضالتها لاستعادة الهيمنة بعد انتخاب ترامب، تقول "أسوشييتد برس". وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، سعى برودي لنسب النجاح في ذلك إليه، كما تكشف الرسائل الإلكترونية المسربة، وكان متلهفاً للحصول على "دفعة أولى" تبلغ 36 مليون دولار مقابل عقدٍ مع الإمارات لجمع معلومات استخبارية. وقد كان كل ذلك ليحصل بأمان لولا عامل واحد: تعيين روبرت مولر على رأس التحقيق في تدخل روسي محتمل بانتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة.


"قطاع الطرق على الطريق السريع"

بمقاييس كثيرة، تجسد الشراكة بين إليوت برودي وجورج نادر نوعاً من التأثير استحق ما أطلق على "العملاء داخل واشنطن" من تسمية: "قطاع الطرق على الطريق السريع". فكلاهما، برودي ونارد، يملكان سجلاً امتزج فيه النجاح المبهر بالسقوط المدوي والإدانات الجرمية (قضية نادر المتعلقة بالتحرش بالأطفال مثالاً).

والتقى برودي ونادر للمرة الأولى خلال حفل تنصيب ترامب، ليعملا لاحقاً سريعاً على نسج شراكتهما. وأرسل نادر لبرودي عنوان بريده الخاص على خدمة "بروتون ميل" المشفرة.

ومنذ البداية، قاد الرجلان مهمة بهدفين: شنّ حملة ضد قطر لخدمة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، ومن ثم تحويل النجاح في ذلك إلى ملايين الدولارت ضمن عقود "دفاعية"، بحسب الوثائق التي اطلعت عليها الوكالة الإخبارية.

وتقول "أسوشييتد برس" إن الرجلين بالكاد كانا يعرفان بعضهما، لكن برودي كان يملك "أذن الرئيس الأميركي"، أما نادر فـ"المحمدين".

وفي السابع من فبراير/شباط 2017، كتب برودي رسالة إلى موظف في فريق رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي تتمحور حول "مشروع قانون" يهدف إلى فرض عقوبات على قطر بتهمة "دعم الإرهاب"، في إطار ما وصفه نادر بـ"ضرب قطر بقسوة"، بحسب ما تظهر الرسائل البريدية المسربة.

وفي اليوم التالي، أرسل برودي لنادر أسئلة تتعلق بعقد عمل محتمل مع السعودية لتدريب قوات عربية للمشاركة في الحرب التي تشنها المملكة ضد اليمن. وقدم الرجلان للأميرين بن زايد وبن سلمان مجموعة خطط بكلفة تفوق المليار دولار. إحداها تقضي بالمساعدة لإنشاء قوة قتالية "مسلمة" قوامها خمسة آلاف شخص. خطة ثانية تضمنت مساعدة الإمارات في جمع المعلومات الاستخبارية. وتعمل خطة ثالثة على تعزيز القوة البحرية السعودية والأمن الحدودي. كما اقترحا خطة لإقامة مراكز لمحاربة الإرهاب في السعودية.

وفي ملاحظة لبرودي، كتب نادر أن الأميرين "كانا سعيدين بعقود العمل المقترجة، منوهاً بسعادة ولي عهد أبوظبي بشكل خاص".

لقاء رائع

لكن كان على الرجلين بدايةً التركيز على حملة الضغط في واشنطن، كما تظهر الوثائق. ولذلك، فقد قدما عرضاً بميزانية تبلغ 12 مليون دولار لـ"إساءة سمعة ومعاقبة قطر"، ودفع الولايات المتحدة للضغط عليها من أجل "المساعدة في العمل ضد إيران"، بحسب وثيقة تعود لمارس/آذار 2017.

ويقوم جوهر خطة برودي ونادر على إظهار "أدلة" تؤكد أن قطر كانت "قريبة جداً" من إيران، وأنها دعمت المجموعات الإسلامية، بما فيها "الإخوان المسلمين".

وتقضي الخطة بأن يعمل الرجلان على إقناع الحكومة الأميركية بفرض عقوبات على قطر ونقل القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة فيها إلى مكان آخر في الخليج.

وفي هذا الإطار، كتب برودي أن لديه خطاً مباشراً مفتوحاً مع وزير المال الأميركي ستيفن منوشين: "منوشين صديق قريب. أنا وزوجتي سنحضر زفافه. بإمكاني المساعدة في إقناعه بأهمية وضع وزارته شخصيات ومنظمات قطرية على لائحة العقوبات".

وترى الوكالة الإخبارية أن تلميع صورة الإمارات والسعودية على حساب قطر داخل الإدارة الأميركية ليس بالأمر السهل، وكذلك محاولة الدفع لنقل قاعدة العديد العسكرية من قطر، وهو أمر مستحيل. ولكن، تقول "أسوشييتد برس"، إنه بالرغم من سجل الإمارات والسعودية الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن توقيت الحملة التي قادها برودي ونادر كان مناسباً، إذ كانت الإدارة الأميركية وجمهوريون كثيرون يرون في السعودية "الثقل الموازن" في مواجهة إيران.

وكتب برودي في رسالة لنادر أنه "يحرز تقدماً" في حملته. أما نادر فكتب أنه يطلع "الأشخاص المعنيين" على نشاطهما.

وكتب برودي لاحقاً، من ضمن ما تظهره الوثائق، أنه تمكن من الحصول على دعم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلسي النواب، إد رويس، في ما يتعلق بمشروع القانون ضد قطر. وفي هذا الشأن، قال إنه "أمر إيجابي جداً"، وأنه تمكن من نقل رويس من مقلب إلى آخر، ومن "انتقاد السعودية" إلى "انتقاد قطر".


وتفاخر برودي أيضاً بتمكنه من دفع رويس إلى تقديم المديح لجنرال سعودي، هو أحمد حسن محمد عسيري، وهو مديح تمّ تسجيله في سجلات الكونغرس. وردّاً على ذلك، أظهر نادر سعادةً بالغة، إذ ليس قليلاً أن يمدح رجل كونغرس علناً جنرالاً سعودياً، فكيف إذا كان هذا الجنرال هو من ضمن الفريق العامل على تقييم مشاريع الأعمال التي اقترحها كل من برودي ونادر على السعوديين والإماراتيين، بحسب وثائق "أسوشييتد برس".

وفي نهاية آذار/مارس 2017، كتب نادر لبرودي أنه "حصل على لقاء رائع" مع محمد بن سلمان، وأن آفاق الحصول على عقود عمل بمليارات الدولارات "جيدة". وأضاف أن ولي العهد السعودي "كان إيجابياً بشكل عام"، وأنه طلب منهم "مناقشة مشاريعهم المقترحة" مع عسيري.

أموال حملة الضغط

أما الأموال من أجل حملات الضغط، فهي أمر آخر.

فبطلبٍ من نادر، أرسل مبلغ 2.5 مليون دولار على دفعتين من شركته في الإمارت عبر شركة كندية تدعى "كزيمن للاستثمارات"، التي قال شخص مطلع على عملية التحويل إن مديرها هو أحد أصدقاء برودي. وحولت الأموال لاحقاً إلى حساب لبرودي في لوس أنجليس.

وكان الهدف من عملية التحويل هذه التعمية على أن الأموال التي جيرت للعمل السياسي في واشنطن، جاءت من جورج نادر في الإمارات. وقال بعض المستفيدين من إنفاق برودي في واشنطن إنهم لم يكونوا على علم بأي دور لنادر.

وكان برودي قد قال سابقاً لـ"أسوشييتد برس"، إنه لم يفكر في طرح سؤال حول سبب تحويل المال عبر كيان أجنبي، وربما عند هذه النقطة من الممكن أن يتم إدراك مخاطر تسجيل اسمه كعميل أجنبي في واشنطن، إذ إن وسائل الإعلام كانت قد كشفت هذه الأخبار.

من جهته، أشاد نادر بحملة برودي ضد قطر ودعاه لـ"مواصلة ضرب الدوحة".

حملة استثنائية

مُسلحاً بدفعة أموالٍ جديدة، أمدّ برودي نادر بوسائل إعلام بإمكانها أن "تلهب النار في قطر"، إذ قام بإقناع مركز أبحاث أميركي، "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، بعقد مؤتمر مناهض لقطر.

مارك دوبوفيتز، رئيس المؤسسة، قال لاحقاً إن برودي طمأنه بأن التمويل للمؤتمر لا يأتي من جهة خارجية، وأن الأخير لم يوقع عقوداً مع دول الخليج.

في 21 نيسان/إبريل 2017، أرسل برودي لنادر مسودة مقال تظهر فعالية حملته. بعد ثلاثة أيام، نشرت "وول ستريت جورنال" مقالاً حمل عنوان "الوجهان لقطر، الحليف الشرق أوسطي المريب". ويطالب المقال، الذي كتبه الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي تشارلز والد، بنقل القاعدة العسكرية الأميركية من قطر، مقترحاً الإمارات كـ"وجهة منطقية".

ما لم يعرفه قراء المقال حينها هو أن تشارلز والد كان مدرجاً في وثائق الشركة كعضو في فريق برودي التابع لشركة "سيرينوس" الساعي للحصول على عقود في السعودية.

وتم التخطيط لعقد مؤتمر "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في 23 مايو/أيار 2017 في فندق فيرمونت في واشنطن. وذكر تقرير لـ"سيرينوس" تمّ إرساله من برويدي إلى نادر، أن السعودية والإمارات مدرجتان في خانة "العملاء"، وعسيري كمستشار، وبرودي ونادر كـ"المسؤول/ همزة الوصل"، ما يثير أسئلة حول تصريح برودي لـ"أسوشييتد برس" بأنه لم يكن يعمل لحساب حكومة أجنبية.

وأطلق المؤتمر سلسلة من القصص المعادية لقطر في وسائل الإعلام الرئيسية، والتي صنفها برودي لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد.

وطغت البهجة على الشريكين برودي ونادر حين توجه ترامب إلى السعودية، وليس إلى أي دول أوروبية، في أول رحلة خارجية له منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة. بعدها بأسبوعين، فرضت الرياض وأبوظبي حصاراً على قطر، بمساعدة البحرين ومصر.