واشنطن وكيميائي دوما: صراع ضمني حول كيفية الرد

09 ابريل 2018
دعوات لمحاسبة النظام السوري (الخوذ البيضاء/ Getty)
+ الخط -

يطغى حديث مجزرة الكيميائي السوري في دوما على السجال العام في واشنطن، ومعه ارتفعت المطالبات الضاغطة من جانب الكونغرس، والنخب المؤثرة على البيت الأبيض للقيام بعملية عسكرية ضد مواقع النظام في سورية، وهو الاحتمال الذي لمح له الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وربما يمهد له.


وفي حال تحقق ذلك، سيتزامن مع مرور نحو عام، على قصف قاعدة الشعيرات السورية بصواريخ البوارج الأميركية رداً على كيميائي خان شيخون. وتأتي هذه التطورات، مع تسلم جون بولتون، اليوم الاثنين، لمهامه كمستشار الأمن القومي والمتوقع أن يوظف تأثيره على ترامب لدفعه نحو خيار الرد العسكري.

ويترافق ذلك مع تزايد التصعيد بين البيت الأبيض والكرملين، ففي نهاية الأسبوع الماضي فرضت الإدارة عقوبات على شخصيات روسية مقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما حمّل ترامب نظيره الروسي ولأول مرة بالاسم، مسؤولية الكيميائي في دوما.

بذلك، يبدو المسرح جاهزاً لعملية عسكرية أميركية في سورية، لكنْ هناك جدل بل صراع مبطّن بين أهل القرار حول كيفية وأغراض الرد واستهدافاته العسكرية والجيوسياسية، فالبيت الأبيض يتجه نحو رد عقابي محدد على شاكلة الشعيرات وربما على نطاق أوسع نسبياٍ، وهو ما لمح إليه ترامب عندما تحدث عن "ثمن باهظ إذا ثبت استخدام الكيميائي"، من دون الإشارة ولو بالتلميح إلى عزم إدارته على إعادة النظر في سياستها السورية التي يستبعد المراقبون أن تكون واردة في حساباته. لقد قرر ترامب منذ البداية ترك سورية لروسيا، ونال بسبب هذا التوجه الكثير من الانتقادات، حتى من قبل الجمهوريين وكان وراء عزمه على الانسحاب من سورية.

في المقابل، يتصدى لهذا التوجه البنتاغون والكونغرس في معظمه ونخب السياسة الخارجية التي تقف على النقيض، فقد التقطت هذه الجهات عملية الكيميائي لتوظيفها كمدخل يقود إلى تحقيق أمرين: حمل البيت الأبيض على التراجع عن عزمه على الانسحاب من سورية في المدى المنظور، وثانياً تصعيد التصدي لروسيا ومعها إيران في الساحة السورية. هذه الجهات ألقت بثقلها لإقناع الرئيس بترحيل قرار الانسحاب لعدة أشهر، علّ المستجدات تفرض في النهاية مراجعته.

لم يطل الوقت حتى جاء الكيميائي ليفرض ذلك وليوفر الحيثية ليس فقط لقرار الخروج من سورية من جدول الأعمال، بل أيضاً للقيام برد متعدد الجوانب، يكون الدور الروسي في سورية في أساس استهدافاته. معظم المداخلات التي توالت في اليومين الأخيرين، تقاطعت عند التصويب على هذا الهدف. وواكب ذلك تجدد الحديث ليس فقط عن ضرورة ترسيخ التواجد العسكري الأميركي في سورية، بل أيضاً عن أهمية العودة إلى تجديد الدعم "للمليشيات الكردية" كحليف على الأرض للقوات الأميركية في شرق سورية. وكانت تقارير منسوبة إلى جهات عسكرية قد ذكرت أن القوات الأميركية تقوم في المدة الأخيرة ببناء قواعد ومراكز لها على أساس البقاء لمدة طويلة شرق الفرات، في الوقت الذي أشار فيه الرئيس إلى قرار الانسحاب الذي فاجأ به إدارته وخاصة البنتاغون.



المعادلة غير محسومة حتى الآن، رغم أن كفة الدوائر المطالبة بالتشدد مع روسيا وبعدم ارتكاب "خطيئة" ترك سورية، بدت راجحة في الأيام الأخيرة، خاصة بعد مجزرة الكيميائي. لقد أخذت المؤسسة المبادرة من يد البيت الأبيض في هذا الملف، لكن السؤال إلى متى وإلى أي مدى؟ تقلبات الرئيس ترامب لا تسمح بالجزم، والسوابق تشهد، لاسيما أن الرئيس محاصر من كل الجوانب في هذا الوقت. وربما اقتضى ذلك بعض التنفيس من خلال إبداء التشدد مع موسكو ولو أن علاقاته معها دخلت طور التآكل النسبي، على الأقل في الظاهر. سورية قد تفاقم مأزق ترامب، لكن كل الأنظار على بولتون ابتداءً من اليوم الاثنين.