اعتراف البرلمان الألماني بيهودية إسرائيل: دلالات وتداعيات

26 ابريل 2018
لم يقدم أي برلمان على قرار مماثل(جان ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -

يُعدّ القرار الذي اتخذه البرلمان الألماني، اليوم الخميس، بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، سابقة تُضفي شرعيةً على خطط التسوية التي تتبنّى المطالبة بتخلي اللاجئين الفلسطينيين عن حقّ العودة، وتقلص من جهة أخرى هامش المناورة أمام الجانب الفلسطيني للتحرك في الساحة الدولية لمواجهة هذه الخطط.

في المقابل، يعزّز القرار موقف حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب، ويوسّع من دائرة الإسناد الدولي للمنطلقات الأيديولوجية التي تحكم توجّهاتها إزاء الصراع، ويمنحها هامش مناورة أكبر لمواصلة تنفيذ برامجها المتطرفة.

فلم يحدث حتى الآن أن أقدم برلمان في دولة ما على تمرير قرارٍ مماثل، بما فيه الكونغرس الأميركي، الذي يضمُّ أكثر النخب السياسية الأميركية تأييداً لإسرائيل، وذلك بسبب الدلالات السياسية بعيدة المدى التي ينطوي عليها مثل هذا الموقف.

ولم يكن من سبيل الصدفة أن واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ توليه الولاية الثانية من الحكم في عام 2009، تشبثه باعتراف الجانب الفلسطيني بـ"يهودية الدولة"، كشرطٍ مسبق، قبل الدخول في أي مفاوضات حول التسوية السياسية للصراع.

فالاعتراف بيهودية إسرائيل، يلزم الجهة التي تقدم الاعتراف، بحسب منطق حكومة اليمين في تل أبيب، قبول المطالب التي تعلنها إسرائيل والإجراءات التي تقدم عليها لضمان الطابع اليهودي لها. وعلى رأس هذه المطالب، تنازل الفلسطينيين عن حقّ العودة للاجئين.

فبحسب المنطق الإسرائيلي، يعني السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين وضع نهاية للتفوق الديموغرافي اليهودي. إلى جانب ذلك، فإن القبول بيهودية إسرائيل يعني أيضاً القبول بحقّ إسرائيل في مأسسة وقوننة إجراءاتها العنصرية، الهادفة إلى الحفاظ على الطابع اليهودي.

ولعلّ أهم تحرك دستوري قانوني تقدم عليه حكومة اليمين المتطرف لضمان الطابع اليهودي، يتمثل في صياغة مشروع قانون "القومية"، الذي يمنح الحكومة ومجالس الحكم المحلي والإدارات الرسمية الحقّ في اتخاذ الإجراءات التي تضمن تعزيز الطابع اليهودي للدولة، حتى لو كان ذلك على حساب فلسطينيي الداخل، الذين تعتبرهم إسرائيل مواطنين فيها.

ووفق المنطق الإسرائيلي، فإن الاعتراف بيهودية الدولة يعني القبول بإجراءاتها الهادفة إلى تهويد الجغرافيا. ونظراً إلى أن جميع الأحزاب والحركات المشاركة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ترى في الضفة الغربية "جزءاً لا يتجزّأ من الوطن القومي اليهودي"، فأنها ترى من الطبيعي أن تقدم على كل الخطوات الهادفة إلى تهويدها.

ولعلّ هذا يفسر الجهود التي يعكف عليها وزراء ونواب في الائتلاف الحاكم لتمرير مشاريع قانون في الكنيست تضمن ضمّ منطقة "ج"، التي تشكّل أكثر من 60 في المائة من الضفة. في الوقت ذاته، فإن الاعتراف بيهودية إسرائيل يعني بالضرورة، بحسب منطق الأحزاب والحركات المشاركة في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، قبول إجراءات تضمن تمتع اليهود بـ"حقوقهم في جبل الهيكل" (المصطلح الذي يطلقه اليهود على المسجد الأقصى).

ومن الواضح أن الاعتراف الألماني بيهودية إسرائيل يتقاطع مع جملة الأفكار التي تنسب إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يطلق عليها اسم "صفقة القرن"، إذ إن، بحسب الوثيقة التي سُرّبت من مكتب رئيس دائرة المفاوضات في "منظمة التحرير" صائب عريقات قبل خمسة أشهر، هذه الصفقة تنصُّ على وجوب تنازل اللاجئين الفلسطينيين عن حقهم في العودة إلى الأراضي التي شرّدوا منها.

ونظراً إلى أن الأحزاب التي بادرت لتقديم مشروع القرار في البرلمان الألماني هي أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم، لا سيما "حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، الذي تقوده المستشارة إنجيلا ميركل، فإن هذا يعني أن القرار سيكون ملزماً لألمانيا، التي تعدُّ الدولة الأهم في الاتحاد الأوروبي.

ويمكن أن يفضي القرار الذي اتخذه البرلمان الألماني إلى تشجيع مزيد من الدول الأوروبية على الإقدام على خطوة مماثلة، لا سيما الدول التي فازت فيها أحزاب اليمين المتطرف.

فضمن مساعيها لنفي تهمة اللاسامية عنها، تبدو الحكومات الأوروبية التي تسيطر عليها أحزاب اليمين المتطرف متحمسة بشكلٍ كبير لتبني المواقف الأكثر تماهياً مع سياسات حكومة نتنياهو، مثل الحكومة النمساوية.

ويمكن أن تفضي الخطوة الألمانية إلى حدوث تحول في موقف الاتحاد الأوروبي من الصراع، بحيث يقترب من مواقف إدارة ترامب، ما يحسن من البيئة الدولية المناسبة لطرح "صفقة القرن".

وفي حال قاد الموقف الألماني الجديد إلى تحول في الموقف الأوروبي، فإن هذا سيقلص هامش المناورة أمام قيادة السلطة الفلسطينية، وسينسف رهاناتها على دورٍ أوروبي لمواجهة خطة ترامب، واحتواء قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته من تل أبيب إليها.


وعلى الرغم من خطورة الموقف الألماني وتداعياته، إلا أنه لا يمكن تجاهل دور السلوك العربي في توفير بيئة تساعد الأطراف الخارجية على القيام بمثل هذه الخطوات الخطيرة.

فقد تحدّث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في بعض المقابلات الصحافية التي أجرتها معه بعض وسائل الإعلام الأميركية، على هامش زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، عن حق اليهود (كيهود) في دولة لهم. في حين أبدت كل من الرياض والقاهرة استعداداً للتجاوب مع أفكار "صفقة القرن"، على الرغم من أنها تتضمّن بنداً يدعو للتنازل عن المطالبة بحق العودة.

المساهمون