أزمة اتحاد الشغل والحكومة التونسية إلى جولة حاسمة... لإسقاطها

25 ابريل 2018
اعتصام لأساتذة التعليم الثانوي في تونس في مارس الماضي(الأناضول)
+ الخط -
يتابع التونسيون مسلسل المواجهة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في تونس، مع تواتر التقلبات التي أصبحت تحدث بين ساعة وأخرى. وشهدت ليلة أول من أمس، الإثنين، تطورات متسارعة ومتناقضة بعد إعلان قيادة الاتحاد تعليق إضراب الأساتذة واستئناف الدروس، إلا أنّ نقابة التعليم رفضت ذلك بعد ساعات قليلة، وقرّرت مواصلة تعليق الدروس، في إشارة إلى أنها صاحبة القرار في هذا الشأن، داعية إلى اجتماع لمسؤوليها للتداول بشأن هذا الملف. وترجّح قيادات نقابية أن توافق نقابة التعليم على عودة الدروس لتجنّب إحداث صدع في تماسك المنظمة النقابية. وراهنت أطراف عدة على إضعاف المنظمة النقابية، بسبب خلاف داخلي قائم منذ المؤتمر الأخير للاتحاد الذي شهد صعود نور الدين الطبوبي بإجماع النقابيين لمنصب الأمين العام للاتحاد، بعد أن حققت قائمته نجاحاً ساحقاً أمام قائمة الأسعد اليعقوبي، نقيب الأساتذة، والذي ترى هذه الأطراف أنّ حجمه تزايد كثيراً في السنوات الأخيرة، وهي تراهن على مواجهة نقابية حتمية، تأخرت كثيراً وحان وقت حسمها، بحسب رأيها.

ولا يبدو هذا الرأي متناقضاً كثيراً مع الحقيقة، فقد أكّد الكاتب العام المساعد للجامعة العامة للتعليم الثانوي، نجيب السلامي، في تصريح لإذاعة "موزاييك" المحلية، وجود خلاف داخلي مع المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية للاتحاد، وأنه سيعالج ضمن الأطر الداخلية، حسب تعبيره، مشدداً على أنّ "القطاع مستقل وقراراته تصدر فقط عن هيئاته الإدارية القطاعية". وأضاف السلامي ''نحن ندعو لمفاوضات جدية، لكننا لا نأمل الكثير منها، استناداً إلى أنّ تصريحات بعض المسؤولين غير مطمئنة''. لكن الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي أكد أمس الثلاثاء أن "من يراهن على أن الخلاف قد يتطور ويصل إلى حالة تضر بالاتحاد العام التونسي للشغل فهو واهم". وأضاف اليعقوبي في تصريح صحافي أن "الخلاف ليس جريمة وأن مصلحة الاتحاد لدى نقابة الثانوي فوق كل اعتبار".

وأمام هذا الموقف، يذهب الكثيرون إلى الاعتقاد بأنّ اتحاد الشغل خسر جولته هذه أمام الحكومة، ولكن الحقيقة أنّ هذه المواجهة تمّ ترحيلها إلى الجولة المقبلة، التي ستكون بعد أيام قليلة فقط، حين يلتقي الجميع مجدداً في المفاوضات حول الأجور. وكان موقف الاتحاد قوياً أول أمس، بعد انعقاد هيئته الإدارية، إذ دعا الأساتذة إلى "تفويت الفرصة على المؤامرات التي تحاك ضدّ شعبنا واستئناف الدّروس تسليم الأعداد"، داعياً في المقابل إلى "انطلاق مفاوضات فوريّة في وزارة المالية حول مطالب الأساتذة وآفاق إنقاذ المدرسة العمومية وإصلاح المنظومة التربوية". وشدّد على "ضرورة أن يكون التفاوض جدياً وأن يتوّج باتفاق مجزٍ في آجال معقولة ومحددة"، محذراً من أن "التلكؤ في التفاوض سيدفع الاتحاد إلى اتخاذ إضرابات جهوية وقطاعية، إسناداً للأساتذة".

وبذلك يعيد الاتحاد الكرة إلى ملعب الحكومة، وقد يحملها فشل المفاوضات بحال لم تستجب للمطالب بعد العودة المنتظرة للدروس، ولا سيما بعد إعلان وزراء حكومة يوسف الشاهد أكثر من مرة أن إمكانيات الدولة محدودة أمام سقف المطالب العالي للأساتذة. وكان مكتب الجامعة العامة للتعليم الثانوي، الذي اجتمع مساء الإثنين، شدّد على "مواصلة تنفيذ قرارات الهيئة الإدارية القطاعية القاضي بتعليق الدروس وحجب الأعداد"، داعياً المدارس والمدرسين والهياكل النقابية القطاعية كافة إلى "إنجاحه بالروح النضالية نفسها".

وحمّل الاتحاد الحكومة مسؤولية تعميق الأزمة العامّة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً "بسبب سياسة الانفراد بالرأي والهروب إلى الأمام التي تنتهجها الحكومة وبسبب ضربها للتشاركية والحوار الاجتماعي وعجزها عن إيجاد الحلول المناسبة. وهي أزمة لا يمكن التنبّؤ بتداعياتها الخطيرة على الاستقرار وعلى الديمقراطية وعلى مستقبل البلاد ومصالح الشعب". ولكن المعطى الجديد في موقف الاتحاد هو دعوته لـ"إرساء حوار وطني شامل للخروج من هذه الأزمة، وأوّل الحلول تبدأ، بعد رسم التصوّرات ووضع البرامج، بتغييرات كبيرة على مستوى المسؤوليات في جميع مفاصل الدولة بما في ذلك الحكومة".


ورغم أنّ الاتحاد لم يبيّن ما إذا كان الحوار الشامل بديلاً عن اتفاق قرطاج، فإنه يصرّ بوضوح على تغيير الحكومة، وهو ما يعني أنّ المواجهة المباشرة قد اقتربت بالفعل. وقد اعتبر الاتحاد أنّ "الحكومة مصرّة على الاستفراد بالملفّات الكبرى، ما يمثّل ضرباً للتشاركية، إذ اختارت السعي إلى فرض خيارات التفويت في المؤسّسات العمومية والعمل على إثقال كاهل الأجراء وعموم الشعب بأعباء جديدة، وتحميلهم مسؤولية فشل سياسات لم يشاركوا في وضعها، والخضوع لإملاءات صناديق المال الدولية والارتهان إلى التعليمات المعادية لمصالح شعبنا".

وأكّد الاتحاد موقفه الرافض لهذه الخيارات واستعداده "للتصدّي لها، مع تمسّكنا بالتفاوض المسؤول من أجل وضع الإصلاحات الضرورية وإيجاد الحلول التشاركية والجذرية لكلّ هذه الملفّات. وندعو أعوان المؤسّسات والمنشآت العمومية إلى الاستعداد للذود عن القطاع العام والتجنّد لمنع أيّ قرار يستهدف مكاسب الشعب".

وأشار الاتحاد إلى أنّ "الحكومة استخدمت أزمة التعليم للتغطية على فشلها في معالجة ملفّات عدة، وللانتقام من موقف الاتحاد المطالب بضخّ دماء جديدة في مفاصل الدولة والحكومة"، متهماً إياها بأنها "سعت إلى شيطنة المدرّسين وجامعتهم العامّة والاتحاد العام التونسي للشّغل وتأليب التونسيات والتونسيين ضدّهم عبر توظيف بعض الوجوه الإعلامية التي اصطفّت لنصرة الحكومة وخرجت عن أخلاقيات المهنة"، بحسب تعبير بيان الاتحاد، وهو ما يشير إلى أنّ المعركة المقبلة ستكون مفتوحة وشاملة.

ولكن هل سيذهب الاتحاد إلى هذه المواجهة موحداً وقوياً؟ وهل هو مسنود من بقية الأطياف السياسية والقوى المهمة في البلاد؟ وهل كان موقفه من عودة الدروس حصيلة اتفاقات جانبية مع أصحاب القرار الفعليين في الدولة؟

الثابت أنّ الطبوبي دخل في مشاورات ماراثونية في الأيام الأخيرة مع قادة أحزاب ومع البرلمان ورئاسة الجمهورية قبيل الإعلان عن موقف منظمته، ويبدو أنه يحمل لوحده عبء إضعاف حكومة الشاهد قبل الإجهاز عليها، مؤكداً أنّ "الجبهة الداخلية في المنظمة الشغيلة موحدة".

وقد كان تصريح رئيس "حركة النهضة"، راشد الغنوشي، منذ أيام، في هذا الإطار، لافتاً، حين أشار إلى أنّ الدروس ستعود إلى نسقها والاتحاد سيتخذ القرار المناسب لطمأنة التونسيين، ومشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ "الدعوة لتغيير الحكومة ليست جريمة في بلد ديمقراطي"، وهو ما يؤكد مرة أخرى على ما أوردته "العربي الجديد" منذ فترة حول أنّ "النهضة" أعطت الضوء الأخضر لتغيير الحكومة، وأن تخوّفها الوحيد كان بسبب الانتخابات.

ولكن الملاحظ في الوقت نفسه، هو أن الجميع بقي يتفرّج على هذا الصراع بين الاتحاد الذي تصاعدت قوته بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، وبين الحكومة، وكأن الهدف كان يتمثّل في إضعاف الإثنين معاً وانتظار ما ستؤول إليه المعركة المتواصلة منذ أشهر.