إدلب تخشى الطوفان: مطامع إيرانية في "أرض الزيتون"

16 ابريل 2018
تقع إدلب ضمن النفوذ التركي (أيمن كركا/الأناضول)
+ الخط -


قفزت محافظة إدلب إلى واجهة الحدث السوري المعقد، عقب تصريحات فرنسية حذرت من كارثة إنسانية في حال محاولة النظام وحلفائه الإيرانيين شن عملية عسكرية واسعة النطاق باتجاه محافظة إدلب، التي باتت تضم أكثر من مليوني مدني، كما أن مشهدها العسكري متداخل، في ظل مناوشات مستمرة بين فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام"، وهو أمر يأمل النظام أن يكون الثغرة التي تمكنه من الولوج إلى إدلب.

وكان لافتاً، تحذير وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أمس الأحد، من وقوع كارثة إنسانية في مدينة إدلب السورية، التي باتت أهم معاقل المعارضة السورية من حيث المساحة الجغرافية والكثافة السكانية، مشيراً، في حديث صحافي، إلى أنه "يجب تقرير مصير إدلب من خلال عملية سياسية تتضمن نزع سلاح المليشيات"، وفق تعبيره. وأشار إلى أن بعض المسؤولين في المعارضة المسلحة "يخشون وقوع مذبحة في إدلب، التي أشار مسؤول إيراني كبير إلى أنها قد تكون الهدف التالي". وكان مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، قال، في تصريحات صحافية الجمعة الماضي، إن الخطوة المقبلة لمن سماها "جبهة المقاومة" هي تحرير منطقة إدلب في سورية وإن "تلك العمليات ستكلل بالنصر".

وتقع محافظة إدلب، التي تعد من أصغر المحافظات السورية لجهة المساحة (نحو 7 آلاف كيلومتر مربع)، في شمال غربي سورية، تحدها من الغرب محافظة اللاذقية، ومن الجنوب محافظة حماة، ومن الشرق محافظة حلب، ومن الجهة الشمالية تركيا، وهي تعد من أهم المناطق السورية في إنتاج الزيتون. وباتت محافظة إدلب مكتظة بالسكان عقب تهجير عشرات آلاف السوريين من عدة محافظات إليها، إذ تشير تقديرات إلى أن أكثر من مليوني سوري يقطنون في مدن وبلدات وقرى هذه المحافظة، التي خرجت عن سيطرة النظام بشكل كامل في العام 2015.

ولا تخفي إيران نيتها وخططها للهجوم على محافظة إدلب، لاستعادة السيطرة على بلدتي كفريا والفوعة بالقرب من مدينة إدلب مركز المحافظة، وهي حاولت أكثر من مرة تحريك مليشيات تابعة لها تتمركز في ريف حلب الجنوبي، إلا أن محاولاتها باءت بفشل ذريع أمام تصدي المعارضة السورية لها على مدى أعوام. ويصر النظام على تهجير مقاتلي المعارضة السورية ومدنيين معارضين له إلى محافظة إدلب للانقضاض عليها بعد الانتهاء من المناطق الأخرى الخارجة عن سيطرته، وبذلك يكون حقق حسماً عسكرياً يمكنه من فرض التسوية السياسية التي تناسبه. واقترب النظام وحلفاؤه الإيرانيون من إدلب بداية العام الحالي إثر السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي، إثر معارك دامية مع فصائل تابعة للمعارضة السورية، وفّر خلالها الطيران الروسي غطاءً للقوات المهاجمة التي باتت تتطلع إلى تكرار سيناريو غوطة دمشق الشرقية في محافظة إدلب، لكن هناك العديد من المعوقات التي من المتوقع أن تحول دون سيطرة النظام والإيرانيين على إدلب بعد تعقد المشهد السوري إثر الضربات الغربية الأخيرة على مواقع ومنشآت عسكرية للنظام.


من جانبه، يرى المحلل العسكري السوري، العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات المسؤول الإيراني الأخيرة "سياسية لا أكثر ولا أقل"، مضيفاً "لا قدرة للنظام والإيرانيين على مهاجمة محافظة إدلب من دون موافقة وغطاء جوي روسي". وأشار رحال إلى أن محافظة إدلب تقع ضمن النفوذ التركي، مضيفاً "لن تفرط روسيا بعلاقتها مع تركيا في ظل الاصطفافات الدولية القائمة حالياً، كما أن موسكو تعمل على تكبير حصتها في سورية على حساب الإيرانيين، وهي لا تستطيع الاقتراب من الحصة الأميركية في الشرق السوري، ومن ثم لن تدعم موسكو أي عملية عسكرية باتجاه محافظة إدلب يقوم بها نظام بشار الأسد وإيران". وأوضح أن إدلب "باتت خزاناً بشرياً كبيراً، ومن ثم فإن أي عملية عسكرية مرعبة للغرب"، و"تهديدات إيران غير قابلة للتنفيذ، ولا حل في إدلب إلا ضمن حل سياسي في سورية كلها، إذ باتت إدلب برميل بارود، قد ينتج عن تحريكه كوارث كبرى".

ودخلت محافظة إدلب ضمن مناطق خفض التصعيد التي كانت أبرز مخرجات مفاوضات أستانة، برعاية روسية تركية إيرانية. ونصب الجيش التركي 8 نقاط مراقبة على طول الحدود الجغرافية لمنطقة خفض التصعيد من ريف حلب الغربي إلى ريف حماة الشمالي، ومن المتوقع أن ينصب نقاطاً أخرى في سياق تفاهمات مع الجانب الروسي في إطار اتفاقات مسار أستانة. وتضم محافظة إدلب العديد من فصائل المعارضة السورية المسلحة، أبرزها "حركة أحرار الشام"، التي شكلت مع "نور الدين الزنكي" أخيراً "جبهة تحرير سورية"، إضافة إلى "صقور الشام"، و"فيلق الشام"، و"جيش إدلب الحر" و"الفرقة 13". وتخوض هذه الفصائل مجتمعة منذ نحو شهرين حرب "وجود" مع "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، والساعية إلى الهيمنة المطلقة على محافظة إدلب، رغم رفض الشارع السوري المعارض لوجودها، بسبب تراجعها أمام قوات النظام في الكثير من المواقع، إضافة إلى نهجها المتشدد الذي يرفضه هذا الشارع بالمطلق.

ولا تزال "هيئة تحرير الشام" تفرض سيطرة كاملة على مدن وبلدات هامة في محافظة إدلب، أبرزها مدينة إدلب مركز المحافظة، وخان شيخون، وجسر الشغور، وسلقين، وحارم، فيما خرجت عن سيطرتها معرة النعمان وأريحا، وجزء من منطقة جبل الزاوية التي تضم عشرات البلدات والقرى. ولا تزال "هيئة تحرير الشام" تسيطر على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، من معبر أطمة الإنساني وحتى مدينة حارم، وهي تضغط على المعارضة السورية المسلحة في باقي مناطق محافظة إدلب، إذ فرضت سيطرتها، أمس الأحد، على مدينة خان شيخون الاستراتيجية الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بجنوبها. وأكد ناشطون، لـ"العربي الجديد"، أن "الهيئة" شنت أمس الأحد هجوماً كبيراً على مدينة معرة النعمان، أبرز معقل للمعارضة في محافظة إدلب في محاولة جديدة لإخضاعها، الا أن فصائل الجيش السوري الحر تصدت لها وقتلت نحو 40 عنصراً من "الهيئة"، فيما قتل 4 من مقاتلي "الجيش الحر" الذي كان طرد عناصر "الهيئة" من المدينة إثر معارك طاحنة. ومن الواضح أن "هيئة تحرير الشام" تحاول استباق أي تفاهمات إقليمية حول إدلب من خلال فرض هيمنة كاملة على المحافظة، كي تصبح جزءاً من أي معادلة حل قادم.

المساهمون