ويبلغ عدد سجناء جهاز "المباحث العامة" بحسب أرقام رسمية 5300 سجين، نصفهم يقبع في سجن ذهبان، بينما ترجح منظمات حقوقية زيادة العدد بسبب حملة الاعتقالات الأخيرة، التي شنّتها الأجهزة الأمنية السعودية ضدّ مئات المعارضين السياسيين والمفكرين والحقوقيين والنشطاء، حيث يقول ناشط سياسي معارض ومقيم في لندن لـ"العربي الجديد" إن "عدد سجناء ذهبان السياسيين هو 4000 سجين، بالإضافة إلى بعض المساجين الأجانب في قضايا جنائية".
ويمثل السجن الذي بُني قبل أكثر من عشر سنوات تقريباً لغزاً كبيراً للنشطاء السعوديين والمنظمات الحقوقية، حيث لا تسمح السلطات للمنظمات بالدخول وزيارة السجن، وتقصر زيارة زنازينه على الصحف الحكومية، أو الكتاب الموالين لها، وهو ما حدث مع الكاتب الصحافي عبدالعزيز القاسم، الذي قال إن "السجن يمثل مؤسسة إصلاحية حقيقية وأن سجناء الرأي ومنهم الشيخ سلمان العودة يعيشون بدون أي مضايقات حيث يقضي العودة يومه كاملاً في مشتل السجن يسقي المزروعات".
وتحكي السلطات السعودية من خلال وسائل الإعلام التابعة لها عن كون سجن ذهبان، فندقاً ذا خمس نجوم، تتوفر به كافة الخدمات والمرافق، كما أنه يتضمن غرفاً خاصة للمساجين المتزوجين كي يختلوا بزوجاتهم، وتوفر إدارة السجن بحسب زعمها أعمالاً تضمن رواتب عالية ومكافات مالية للسجناء، وأن التحقيقات تتم بشفافية وبحضور محامين للمتهمين.
لكن "العربي الجديد" استقصى شهادات من قبل ناجين من السجن ونشطاء حقوقيين قالوا بأنهم تعرضوا للتعذيب داخل السجن من قبل المحققين لإجبارهم على الإدلاء باعترافات لأفعال لم يقوموا بها، ونُشر تسجيل صوتي للمتهم رقم 11 في قضية معتقلي "إصلاحيي جدة"، والذين اعتقلوا بعد قرارهم تأسيس جمعية لحقوق الإنسان واقتراح تعديلات على صيغة النظام السياسي للبلاد، والتسجيل هو للمتهم عبدالله الجندلي الرفاعي وهو يصرح بتعرضه لإيذاء نفسي وجسدي أثناء فترة التحقيق وضرب ضربًا مبرحًا من قبل المحقق، مما أدى إلى إصابته بعاهة وعطب في كلتا أذنيه. كما تم تهديده خلال التحقيق بإيذاء أهله وأفراد أسرته، كذلك أخذه إلى غرفة التعذيب وإخراج أظافره وتهديده بالاغتصاب، فيما تحوم الشكوك حول وفاة المعتقل السياسي خالد محمد الغامدي، حيث تقول عائلته إنه تعرض للتعذيب لدرجة القتل عام 2012 وخرج جثة هامدة من هناك دون توضيح من قبل السلطات.
وقالت منظمة "القسط" لحقوق الإنسان ومقرها لندن إن السلطات السعودية تستخدم استراتيجيات تعذيب نفسي وبدني ضد المساجين في سجن ذهبان، وقال مدير المنظمة يحيى عسيري لـ"العربي الجديد" إن "السلطات تتعمد إيذاء المساجين السياسيين ووضعهم في زنازين مع مروجي مخدرات أو تجار خمور، كما حدث مع المعتقل السياسي وليد أبو الخير وهو ناشط في حقوق الإنسان حكم عليه بالسجن مدة 15 عاماً، حيث أن معتقلاً إيطالياً اعتقل بتهمة الإتجار بالخمور أفصح لأقرباء وليد بأنه يعاني من تضييق حاد عليه، إلى درجة يصل فيها المنع إلى الكتب والروايات التي يحاول وليد قراءتها داخل السجن، مما اضطر الإيطالي إلى إدخال احتياجات وليد عبر السفير الإيطالي، الذي كان يزور المتهم باستمرار قبل الإفراج عنه". وينقل عسيري عن السجين الإيطالي قوله "كيف يمكن لدولة أن تسجن ناشطاً في حقوق الإنسان ومثقفاً في هذا السجن؟".
وأضاف عسيري: "مهما حاولت السلطات السعودية تلميع هذا السجن عبر الزيارات المصطنعة لأجهزتها الإعلامية وكتابها الصحافيين له، فإنّ حقيقة وجود حملات التعذيب والإخفاء القسري داخل السجن ستظل تطاردهم بلا شك".
أشهر مساجين سجن ذهبان
يحتضن سجن ذهبان العديد من السجناء السياسيين وأبرزهم المعتقل سلمان العودة والذي استفتحت به السلطات حملة اعتقالاتها مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي. كما أنّه يضم الناشط في حقوق الإنسان وليد أبو الخير، والذي يقضي حكماً بالسجن مدّته 15 عاماً بتهمة ازدراء القضاء والتأليب على الرأي العام والتواصل مع المنظمات الأجنبية، وموسى القرني وسعود الهاشمي وعبدالرحمن الشميري؛ وهم أكاديميون متهمون في قضية "إصلاحيو جدة"، ورائف بدوي أحد أشهر السجناء غير الإسلاميين السعوديين والذي اتهمته السلطات بالإساءة للدين الإسلامي، ومخالفة نظام مكافحة جرائم المعلوماتية السعودي بإنشاء موقع إلكتروني يمس النظام العام، ومساعدة الآخرين في ذلك. واسُتند إلى العديد من المشاركات بالموقع تسيء إلى أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم أن السلطات قامت فيما بعد بتعليق عمل الهيئة.
وقالت منظمة القسط لحقوق الإنسان، إن سجن ذهبان يحمل عدة تجاوزات أبرزها تكدس المساجين فيه وانشار ظاهرة أمنية وجنائية خطيرة فيه وهي "التطويف"، حيث تعمد السلطات إلى عدم الإفراج عن المسجون رغم انتهاء محكوميته ومدة حبسه الذي حكم به القضاء لأعذار واهية منها فقدان الملف، أو عدم وصول كتاب الإفراج من الجهة المعنية، أو عدم متابعة الموظف المختص، أو عدم وجود محامٍ للمتهم، مما يزيد من مدة السجن بلا سند قانوني للمتهمين.