لكن هذه الثروة لم تغيّر من طباعه الشخصية شيئاً، وكذلك الهزات التي اعترضت طريقه ولا تزال حتى اليوم، وكادت في سنوات سابقة أن تطيح به وتكلّفه منصبه السياسي، منذ العام 1996 عندما تفوّق على شمعون بيريز في انتخابات رئاسة الحكومة.
وبدأت التسريبات الأولى عن حب نتنياهو للحياة المرفهة بعد خسارته لرئاسة الحكومة في انتخابات العام 1999 أمام إيهود براك، عندما حاول أن يحتفظ بالهدايا التي حصل عليها بفعل منصبه الرسمي وألا يسلمها لخزينة الدولة. وفضحت التحقيقات التي جرت حينها حقيقة هوس نتنياهو وزوجته بالهدايا والعطايا المجانية، وكادت أن تكلفه مسألة إخفاء الهدايا الرسمية ملفاً جنائياً، إلا أنّ المستشار القضائي للحكومة، رجل اليمين الديني، إليكيم روبنشتاين، أنقذه من براثن المحاكمة عندما رفض توصيات المدعية العامة، عدنا أربيل، وقرّر أنه لا يمكن تقديم نتنياهو للمحاكمة لعدم توفر الأدلة.
وفتحت قضية التحقيقات مع نتنياهو في قضايا الهدايا المذكورة، طاقة شرور عليه، سرعان ما عززتها شهادات من صحافيين ورجال سياسة، خصوصاً من خصومه في الحزب، إذ تحدّثت الشهادات عن بخل نتنياهو الشديد من جهة، وولعه وزوجته بتلقي الهدايا، من جهة ثانية. وتناولت الصحف في تلك الفترة هذه الفضائح، في وقت كان نتنياهو قد توارى عن المشهد العام في إسرائيل بعد استقالته وتسليم قيادة الليكود لأرييل شارون (حتى انشقاق الأخير عن الليكود وتأسيس حزب كديما عام 2006) وانهماكه في العمل الخاص، حيث كان يتقاضى عن محاضراته، خصوصاً في الولايات المتحدة، ما يوازي 50 ألف شيقل (14.2 ألف دولار)، وهو أعلى أجر تلقّاه سياسي في إسرائيل عن محاضرات سياسية. كما نصّب نفسه خبيراً في مكافحة الإرهاب، ومَثُل بهذه الصفة أمام مداولات لجنة الأمن التابعة للكونغرس الأميركي، وحثّها على ضرب العراق وغزوه، لنزع ترسانته من الأسلحة غير التقليدية، والتي ثبت لاحقاً أنّها لم تكن موجودة أصلاً.
في تلك الفترة، بدأ الصحافيون والمراسلون البرلمانيون في الكنيست يكشفون عن وقائع أحداث "مخجلة ومحرجة" بشأن بخل نتنياهو. وسرد أحد المراسلين السابقين لصحيفة "يديعوت أحرنوت" في الكنيست، حاييم شيبي، أنه في إحدى المرات بعد أن دعا نتنياهو مراسلي الكنيست إلى طاولته في مقصف الكنيست، تبيّن للمراسلين بعد أن غادر نتنياهو "الجلسة" للتوجه للتصويت، أنه لم يدفع الحساب، ليس حسابهم، بل حسابه الشخصي.
وتندّر الصحافيون عن وقائع مشابهة، فيما كان رجال الليكود صامتين، إلى أن عاد نتنياهو للواجهة من جديد عام 2009 بعد أن تغلّب هذه المرة على تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية السابقة، بعد فشلها في تشكيل ائتلاف حكومي. ومع عودته لرئاسة الحكومة، عاد نتنياهو لعاداته القديمة. فقد تبيّن، بحسب ما روى عدد من رفاق نتنياهو في مناسبات مختلفة، أن الرجل لا يحمل محفظة إطلاقاً، وقد فوجئ رفاقه في إحدى المرات عندما وجد نفسه مضطراً لدفع حساب وجبة غداء في القدس المحتلة، فوجئوا به يخرج ورقة مائة دولار من جورب قدمه ليدفع بها الحساب، متذرّعاً بأنه نسي المحفظة في البيت. ومنذ ذلك الوقت، شاع بين الصحافيين أن نتنياهو لا يحمل محفظة ويستحسن الاعتذار عن دعواته لشرب فنجان قهوة في مقصف الكنيست، حتى لا يضطروا لدفع ثمن "القعدة" كلها.
ولم يقف الأمر عند هذه الحادثة، فقد روى عنه الرئيس الحالي، رؤوفين ريفلين، بحسب ما نشرته "يديعوت أحرنوت"، أنه خلال المعركة الانتخابية في العام 2009، وخلال جولة انتخابية في سوق "محانية يهودا"، وهي جولات يقوم بها مرشحو الأحزاب للسوق المعروف بولائه الشديد لليكود، اشترى نتنياهو رغيف فلافل، لكنه لم يدفع ثمنه، وعندما لكزه ريفلين ليدفع ثمن الرغيف أمام العدسات، تذرّع بأنه لا يحمل نقوداً، فناوله ريفلين ورقة مائة شيقل (28 دولاراً)، فدفع نتنياهو ثمن الرغيف من ريفلين، لكنه احتفظ بالباقي في جيبه.
ثمّ تكرر الموقف مرة أخرى، ولكن هذه المرة خلال وجبة إفطار في فندق الملك داود، أرقى الفنادق الإسرائيلية في القدس المحتلة، إذ أخبر ريفلين مراسل "يديعوت أحرنوت" بأنه تلقّى وعضو الكنيست الحالي، بني بيغن، في صباح أحد أيام الانتخابات، اتصالاً من نتنياهو، دعاهما فيه للمجيء إلى الفندق لشرب القهوة ومناقشة تطورات المعركة الانتخابية، ثمّ سرعان ما دعاهما لوجبة إفطار، وعند الدفع تبيّن أنه لا يحمل محفظة، ودفع ريفلين الحساب. بعد أيام، عاود نتنياهو الاتصال بريفلين ودعاه لوجبة إفطار مماثلة، لكنّ الأخير ردّ عليه هذه المرة بأنه ليس غنياً لدرجة دفع مئات الشواكل ثمناً لوجبة إفطار.
حكايات بخل نتنياهو مقارنة بشغفه بالملذات لم تقف عند هذا الحدّ، فقد تبيّن، وفق توصيات الشرطة مثلاً، أنّ مجمل ثمن السيجار الفاخر الذي حصل عليه بشكل منظم منذ العام 2009، من رجل الأعمال الإسرائيلي الملياردير، أرنون ميلتشين، وزجاجات الشامبانيا الوردي لزوجته سارة، يصل لقرابة مليون شيقل (نحو 284 ألف دولار)، وهو ما حاول نتنياهو نفيه والتقليل من أهميته. حتى خلال ولايته الأولى في قضية الهدايا التي كان يحصل عليها، اعترف أمام المحققين في حينه بأنه يحصل أحياناً على هدايا مثل السيجار من أصدقائه، لكنها بكميات صغيرة لا تتجاوز السقف الذي يسمح به القانون. ولكن نتنياهو تخلّى عن هذا الاعتراف مع تفجّر القضية الحالية، عندما كرّر مراراً ومن على منصة الكنيست، وسط تشويه لنصوص القانون ومحاذيره، أنه يُطارد لتلقيه هدايا من أصدقائه الشخصيين، قبل أن يتّضح أن كلفتها تصل إلى نحو مليون شيقل، وأنه سعى مقابلها لخدمة مصالح من قدمها له.
ولم يقف هوس نتنياهو بالحصول على كل شيء مجاناً عند هذا الحدّ، بل تجاوزه لتحميل خزينة الدولة مصاريف مبالغ فيها لقاء وجبات فاخرة أعدّها طهاة من مطاعم راقية لأبناء عائلته أو لأصدقائه. وكان ما قصم ظهر البعير لدى الرأي العام، عندما تبيّن أن عائلة نتنياهو صرفت أكثر من ثلاثة آلاف دولار سنوياً مقابل شراء بوظة خاصة بطعم الفستق الحلبي.
كذلك، لم تقف نزوات رئيس حكومة الاحتلال عند هذا الحدّ، إذ تدلّ تحقيقات الشرطة على أنّ نتنياهو اعتاد الطلب من رفاقه في الليكود شراء الهدايا لزوجته أيضاً، بمناسبة عيد ميلادها وبدون مناسبة. وكانت الأخيرة تحدّد مواصفات الهدية، وفي بعض الحالات كانت تستبدلها (إذا كانت مصاغاً) بهدية أغلى، وتلزم المُهدي بدفع فارق السعر.