ضربت قائمة الاستقالات والإقالات من الإدارة الأميركية دونالد ترامب في عامها الأول، الرقم القياسي. ولغاية اليوم غادر أو أُجبر على المغادرة، نحو 17 وزيراً ومديراً عاماً ومستشارا أول، فضلاً عن نحو 17 من موظفي الصف الثاني.
في هذا السياق، بات كبير المسؤولين في البيت الأبيض، الجنرال جون كيلي، مرشحاً للانضمام إلى هذه القافلة، ومن المرجّح أنها مسألة وقت قبل تقديمه الاستقالة. فتعامله الملتوي مع الفضيحة الأخيرة التي أطاحت بواحد من العاملين في سكرتاريا الرئاسة روب بورتر، وضعته على اللائحة. فقد تبيّن أنه كان على دراية بسوء سلوك بورتر (كان يضرب زوجته الأولى ثم الثانية)، وسكت على فعلته، علماً أنه من المفترض حرمانه من العمل في هذا الموقع الحساس، باعتباره من أصحاب السوابق الجرمية. حتى أن تعيينه تم في البداية من دون الحصول على "شهادة حسن سلوك أمنية" مطلوب توفرها لدى كافة العاملين في البيت الأبيض.
وانكشاف تقصير الجنرال، الذي كان يعوّل عليه لضبط الأمور في البيت الأبيض، هزّ مصداقيته ودفعه إلى عتبة الخروج. كما يُشاع بأن الرئيس يستطلع ويبحث عن بديل وأن كيلي نفسه يطرح الاستقالة. بالتالي يصبح رحيله بحكم تحصيل الحاصل، خصوصاً أن له سقطات عدة مشوبة بشبهات عنصرية.
الأخطر من ذلك هو تبيان أن هناك أكثر من مئة موظف ومسؤول في البيت الأبيض يعملون في ظروف أمنية شديدة، ويطّلعون على معلومات سرية، من غير أن يحصلوا على الشهادة الأمنية. من بين هؤلاء، صهر الرئيس وزوجته. وهي مخالفة صريحة للأنظمة السارية التي تحكم العمل في الجهاز الرئاسي، وحالة غير مسبوقة من الانفلات وسقوط الضوابط والمقاييس في الممارسة داخل البيت الأبيض.
غير أن كل هذا ليس سوى صورة مصغّرة عن خلل أكبر وأوسع، بدأت فصوله قبل بداية عهد ترامب وتضخمت بعد مجيئه. وترددت المخاوف والتحذيرات من خروج المؤسسات على الدستور والآليات الضابطة لتوازن السلطة بينها منذ سنوات. وفي كتابه الجديد حذّر الوزير الديمقراطي السابق جوزف كالافانو من "تزايد ضعف المؤسسات وشلل الكونغرس وحرص كل رئيس على تعزيز صلاحياته في ظل وضع يتسم بضمور الثقة بالحكومة وتعمق الشرخ العنصري". تردٍ قال إنه "وضع الديمقراطية الأميركية في مشكلة عميقة".
وهو رأي شاركه فيه آخرون من بينهم محافظون، محذرين من أن "الديمقراطية الأميركية في خطر" على حد تعبير النائب الجمهوري السابق جو سكاربورو. أزمات وصدمات رئاسة ترامب المتتالية، خلخلت الثقة والسمعة والصورة، ومعها تحولت السياسات إلى ردات فعل تحكمها حسابات آنية أو حاجة لتغيير الحديث وصرف الاهتمام عن متاعب اللحظة، تحديداً متاعب التحقيقات الروسية التي تستهلك معظم اهتمامات وطاقات البيت الأبيض. وما يفاقم حالة "الفوضى" السائدة في هذا الأخير، أن تركيبة جهازه لم تستقر بعد رغم مرور أكثر من سنة عليها. نزيف الاستقالات وما تتسبب به من إحراجات وانكشافات تزيد من البلبلة التي تنعكس على القرارات والسياسات العشوائية في كثير من الأحيان. وهو ما يؤدي إلى الانسداد في بعض الحالات، مثل اعتراف الرئيس بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل؛ أو فرض التراجع عن بعضها كما حصل في الحالة الكورية الشمالية. وسواء غادر الجنرال كيلي قريباً أو بقي لفترة تحاشياً للتداعيات، فإن مثلث الجنرالات، المكوّن من وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي، أتش. أر. مكماستر وكيلي، الركيزة الأقوى والضمانة في رئاسة ترامب، هبطت هالته.