أزمة ومقتل

13 فبراير 2018
خرجت هذه الإصلاحات للجزائر جيلاً هجيناً (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
كل أزمات الجزائر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومخرجاتها من انكسار التجربة الديمقراطية، وتفشي البيروقراطية والفساد والاختلاس وغياب العدالة وانهيار قيمة العمل وهجرة الشباب وتفاقم العنف والجريمة، وما إلى ذلك من الإخفاقات المتكدسة، هي أقل بكثير من أزمة المدرسة والتعليم التي أصابت الجزائر في مقتل. ففي العام 1999، بادر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وذلك بعد أشهر من وصوله إلى سدة الحكم، لإنشاء لجنة لإصلاح منظومة التعليم، وعُدت حينها أكبر ورشة لمراجعة نظام التعليم والمناهج والمقررات الدراسية. وبعد فترة توصلت اللجنة إلى محددات الإصلاح، وأعلنت عن مخرجاتها التي جرى تطبيقها خلال ما يقارب العقدين من الزمن.
وكان واضحاً أن لجنة الإصلاح هذه وضعت مشروع الإصلاح بناءً على فكرة مسبقة، تتهم المدرسة الجزائرية بإنتاج الإرهاب والتطرف. وكان كل هم الإصلاحات إبعاد التربية الدينية، مواءمة مع دواعي تفريغ المناهج التي أفرزتها هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وتحييد اللغة العربية، لدرجة اقتراح التدريس باللغة الشعبية (لغة الشارع تحت مسمى اللغة الأم)، وإدخال التقنية على مناهج التعليم.

بعد ما يقارب الـ20 سنة، برزت ملامح الإصلاحات الهجينة لقطاع التعليم. وبدا أن المدرسة الجزائرية تعرضت إلى عملية اغتيال ممنهج، أبعدت المدرسة عن بيئتها الحاضنة، ثقافياً وحضارياً، وأفرغت فيها شحنة أيديولوجية، وكدست فيها مضامين جافة ومفاهيم فارغة من كل روح، واستبعدت الفنون والموسيقى والمسرح، وحاولت نقل المتعلمين إلى منحى علمي غارق في القيم التقنية، ما أدى إلى حالة من التخبط واستبدال الكتب المدرسية كل سنة بسبب الأخطاء، ومراجعة المناهج والتغيير السريع لوزراء في وقت قصير. وخرجت هذه الإصلاحات للجزائر جيلاً هجيناً، ليست له القدرة على التحكم، لا في اللغة العربية ولا الفرنسية، وتدنت مستويات التعليم والتحصيل العلمي ومعدلات النجاح في امتحانات البكالوريا، وتراوحت خلال السنوات الأخيرة بين 43 و55 في المائة، وتفشت ظاهرة الغش المدرسي وتسريب الامتحانات، كما حدث في امتحانات البكالوريا في 2016. وانعكس كل ذلك على الجامعة الجزائرية ومخرجاتها أيضاً.

ليست المعارضة في الجزائر من تزعم فشل إصلاح التعليم، لكن الحكومة نفسها تدين نفسها، وتعترف به صراحة وزيرة التربية المثيرة للجدل، نورية بن غبريط، التي أقرت بالفشل، قائلة إن "النصوص التي وضعناها في الكتب المدرسية هي نصوص البؤس والميزيرية (الغبن) والزلازل. كل المواضيع تدفع نحو اليأس". ومع ذلك تصر الوزيرة على أن تكرر الفشل والإخفاق، فليس في بال المسؤولين في الجزائر أمر اسمه الاستقالة. مفاتيح المدارس الجزائرية الضائعة هذه الأيام بين نقابات الأساتذة والحكومة، ضاعت منذ أن وضع قطار الإصلاح على سكة غير سكته، وأسندت مهمة الإصلاح إلى الأيديولوجيا.
المساهمون