ترجّح التطورات الميدانية في سورية، مع استمرار النظام السوري بالتوسع في إدلب، في ظل صمت تركيا المنهمكة في حرب عفرين ضد عدوها الكردي، احتمالات وجود ما يشبه "الصفقة" بين تركيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى، تقوم على قاعدة "إدلب مقابل عفرين"، والتي انطلقت بموجبها عملية "غصن الزيتون" التركية لاستئصال المليشيات الكردية من عفرين، على غرار ما قيل عن مقايضة سابقة تمثلت في حلب، مقابل جرابلس-أعزاز نهاية عام 2016.
فالنظام السوري وبدعم من مليشيات أجنبية، يواصل التوسع في ريف إدلب الشرقي، بعد سيطرته على مطار أبو الظهور العسكري، مستهدفاً الوصول إلى مدينة سراقب التي بات على بُعد أقل من 15 كيلومتراً منها، وذلك في سياق مسعاه للوصول إلى بلدتي كفريا والفوعا المواليتين له والمحاصَرتين من فصائل المعارضة في ريف إدلب الشمالي. وفي حال نجح النظام في السيطرة على سراقب، يستطيع حينها تأمين كامل ريف حلب الشرقي والجنوبي الواقع تحت سيطرته.
في موازاة ذلك، تواصل تركيا وفصائل من الجيش السوري الحر، عملياتها ضد المليشيات الكردية ضمن عملية "غصن الزيتون" في عفرين، مع تقدّمها في محاور مختلفة وسيطرتها على قرى جديدة.
وسيطرت قوات النظام خلال اليومين الماضيين على قرى تل السلطان، تل كلبة (الحسينية)، مزارع تويم، الدبيشة، مسعدة، براغيثي، وجديدة، وسكرية، وطويل الحليب، والذهيبية، وتل خطرة، ومغارة ميزة، في ريف إدلب الشرقي قرب أبو الظهور. ووفق مصادر إعلامية تابعة للنظام، فإن الهدف الذي تصبو إليه قوات النظام في المنطقة هو مدينة سراقب بهدف تأمين كامل ريف حلب الشرقي والجنوبي. وكانت قوات النظام قد سيطرت في الأسابيع القليلة الماضية على عشرات القرى والبلدات ومساحات واسعة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، فضلاً عن ريف حلب الجنوبي ومنطقة جبل الحص بالكامل، وسط اتهامات لـ"هيئة تحرير الشام" بالانسحاب منها.
ويقول مراقبون عسكريون إن قوات النظام تعتمد على كثافة القصف الجوي والمدفعي لقطع طرق الإمداد إلى مناطق الاشتباكات ومناطق أخرى بعيدة عن المنطقة وخالية من الوجود العسكري، إذ كثفت القصف على كل القرى الواقعة بين مدينتي أبو الظهور وسراقب بشتى أنواع الصواريخ والبراميل، موقعة قتلى وجرحى بين المدنيين، بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية لمقاتلي فصائل المعارضة. وطالب ناشطون معارضون فصائل المعارضة بتدعيم جبهات القتال وخطوط التماس، فيما يحاول السكان المدنيون في مدينة سراقب تحصين مدينتهم من الجهة الشرقية بشكل جماعي، خوفاً من وصول النظام السوري إليها.
وبالتوازي مع جبهة أبو الظهور، صعّدت قوات النظام والمليشيات المساندة لها أمس من عملياتها العسكرية في ريف حلب الجنوبي. وشنّت مقاتلات النظام غارات جوية على قرى أم الكراميل وتل علوش والواسطة، في ظل موجة نزوح كبيرة تشهدها المنطقة. كما قتل عدد من المدنيين بقصف مدفعي لقوات النظام على قرية جزرايا جنوب حلب، فيما تحاول قوات النظام التقدّم نحو بلدة العيس وتلتها الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي. وتحشد قوات النظام والمليشيات عناصرها في جبل عزان وبلدة الحاضر في ريف حلب الجنوبي، لمهاجمة مناطق ريف حلب الجنوبي بهدف الوصول إلى بلدتي كفريا والفوعة، متجاهلة اتفاق خفض التصعيد ونقاط المراقبة في ريفي حلب وإدلب، من خلال منع وصول الجيش التركي إلى بلدة العيس الاستراتيجية.
وكان رتل عسكري من الجيش التركي حاول الإثنين الماضي الوصول إلى بلدة العيس في ريف حلب الجنوبي لتثبيت نقاط مراقبة في مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاقات أستانة، وما إن وصل إلى قرية الكماري التي تبعد مسافة 4 كيلومترات عن بلدة العيس، حتى عمدت المليشيات الموالية للنظام المتمركزة في جبل عزان وبلدة الحاضر إلى استهداف المنطقة براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، ما دفعه للعودة إلى منطقة تل الكرامة في ريف إدلب، وتمركز حتى ظهر الثلاثاء. وحاول يومها مجدداً الوصول إلى ريف حلب الجنوبي، وعند وصوله إلى منطقة الصومعة، استهدفته قوات النظام مجدداً، ما دفعه للعودة إلى مكان تمركزه السابق، وعند وصوله إلى مدينة الأتارب، تعرض لعملية تفجير بعبوة ناسفة في إحدى حاملات الآليات، نجم عنها مقتل وإصابة عدد من جنوده، ليعود إلى معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية.
وتعتبر هذه الحادثة الثانية التي تعمل فيها إيران على إفشال اتفاق روسي-تركي تم بمعزل عنها، بعد محاولتها إفشال اتفاق نقل أهالي كفريا والفوعة في شهر إبريل/نيسان الماضي، بموجب اتفاق المدن الأربع. ويرى مراقبون أن هذه الحادثة تعبّر عن اعتراض إيران على ما تعتبره محاولة لتحجيم نفوذها في تلك المنطقة، وإن كان من المتوقع أن تتم تسوية الأمر عبر التفاهمات التركية الروسية. وبالفعل، اتفق الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي بينهما الأربعاء، على تسريع إنشاء نقطة المراقبة الرابعة في محافظة إدلب.
والجدير بالذكر أن منطقة ريف حلب الجنوبي، تقع تحت سيطرة الميلشيات الإيرانية، التي أقامت قاعدة عسكرية في جبل عزان الاستراتيجي، والذي كانت سيطرت عليه بشكل كامل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، ومناطق أخرى وصولاً إلى بلدة العيس، قبل استعادتها من قبل "جيش الفتح" في شهر إبريل/نيسان من عام 2016.
وحسب بعض المصادر، فإن اتفاقية "خفض التصعيد" قسّمت محافظة إدلب إلى ثلاث مناطق جغرافية، تكون الأولى شرق السكة منزوعة السلاح وخالية من المسلحين والفصائل تحت الحماية الروسية، على أن تدار من قِبل مجالس محلية، بينما تسيطر تركيا على المنطقة الثانية القريبة من حدودها، وتعتبر الثالثة الواقعة بين سكة الحديد والأوتوستراد، منزوعة السلاح.
وحتى الآن تمكنت قوات النظام مدعومة من روسيا، مع ما يعتقد أنه غض نظر تركي، من تنفيذ "خرائط أستانة"، باحتلالها كامل منطقة شرق سكة الحديد مع توغلها غرب السكة مسافات متفاوتة تصل في بعض النقاط إلى 15 كيلومتراً، وهذا مخالف لبنود أستانة التي أوصت بوضع شرق سكة الحديد تحت حكم محلي عشائري لا وجود فيها لقوات النظام أو الفصائل، فيما تمضي قوات النظام اليوم في التوغل غرب السكة أيضاً، ضمن منطقة ليس من المفترض أن يكون لها فيها أي وجود.
ويرى مراقبون أن قوات النظام ما كانت لتتجرأ على التحرك غرب السكة، لولا وجود ضوء أخضر روسي، وبتغطية من الطيران الروسي، فضلاً عن الدعم الإيراني السياسي والميداني، ما يشير إلى إخلال الضامنين الروسي والإيراني باتفاقهما مع تركيا، مستغلين تركيز الجانب التركي على الشق الكردي في الملف السوري، وإهماله النسبي لمصالح فصائل المعارضة التي باتت المساحات التي تسيطر عليها تتقلص كل يوم، وهو أمر ساهمت فيه الخلافات والصراعات الداخلية بين تلك الفصائل، خصوصاً بين "هيئة تحرير الشام" الفصيل الأقوى في المنطقة، وبقية الفصائل سواء الإسلامية مثل "حركة أحرار الشام" أم المحسوبة على الجيش الحر، وهي خلافات أعاقتها حتى الآن عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة تمدد قوات النظام.
في سياق آخر، يمضي النظام السوري في سياسة القضم المتدرج لمناطق المعارضة في محيط دمشق، فقد أصيب مدنيون بحالات اختناق، عندما قصفت قوات النظام مدينة دوما بريف العاصمة دمشق بصواريخ محملة بغاز الكلور السام، بينما شنّت هجوماً، فجر أمس على محاور مدينة عربين في الغوطة الشرقية المحاصرة. وأعلن "فيلق الرحمن" العامل في الغوطة الشرقية مقتل أكثر من 10 عناصر من قوات النظام خلال تصدي مقاتليه لتلك القوات عند مدينة عربين. وتحدّث الدفاع المدني السوري في ريف دمشق، عن إصابة العشرات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال ومتطوع من الدفاع المدني، بحالات اختناق، نتيجة استهداف قوات النظام لأطراف مدينة دوما بصواريخ أرض-أرض "جولان"، محمّلة بغاز الكلور السام. كما قتل طفلان وجرح آخرون نتيجة قصف مدفعي لقوات النظام على مدينة دوما، بالتزامن مع قصف مكثف على مدينتي عربين وحرستا القريبتين.
كما سيطرت قوات النظام أمس على عدة قرى شمالي مدينة السلمية في محافظة حماة وسط سورية، بعد انسحاب تنظيم "داعش" منها دون قتال. وقال ناشطون إن قوات النظام سيطرت على قرى جب زريق، وعبيان، ومزرعة العو، وأبو خنادق التابعة لبلدة الصبّورة في منطقة السلمية.