السيسي يعيد هيكلة المخابرات العامة... ويخطط لعزل 40 ضابطاً

02 فبراير 2018
يقود عباس كامل عملية الهيكلة في الجهاز(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -


يتجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمزيد من قمع الدوائر المعارضة له داخل أجهزة النظام، على خلفية الأحداث التي سبقت وواكبت فتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية، وعلى رأسها كشف الاتصالات بين رئيس أركان الجيش الأسبق سامي عنان، وعدد من وكلاء جهاز المخابرات العامة، ثم الإطاحة بمدير الجهاز خالد فوزي وتكليف مدير مكتب السيسي، اللواء عباس كامل، بإدارة الجهاز حتى إشعار آخر، ليصبح أول مسؤول يأتي على رأس هذا الجهاز إلى جانب عمله الإداري برئاسة الجمهورية، ثم إعلان عنان ترشحه للرئاسة، وبعدها إعلان الجيش مخالفته للقواعد والقبض عليه وتفتيش منزله وحبسه.

وكشفت مصادر حكومية واسعة الاطلاع، لـ"العربي الجديد"، أن عباس كامل عاد من الزيارة التي رافق خلالها السيسي إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع الأسبوع الحالي، ليقود عملية "إعادة هيكلة واسعة وعاجلة" في جهاز المخابرات العامة. ويمكث كامل في مقر الجهاز بشكل شبه دائم على مدار اليوم، ويعقد اجتماعات على مدار الساعة بوكلاء الجهاز من كل الإدارات، ويشاركه في ذلك فريق من قيادات الجهاز المنتقلين حديثاً من المخابرات الحربية، يضم بين أعضائه محمود السيسي نجل الرئيس المصري، الذي يحمل رتبة مقدم، وكان يعمل في المخابرات الحربية وانتقل إلى المخابرات العامة عام 2013 وتم تصعيده بصورة لافتة في عهد مدير الجهاز الأسبق محمد فريد التهامي، الذي اختاره السيسي لقيادة الجهاز بعد الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين".

وأضافت المصادر أنه تم تحديد أسماء نحو 40 من ضباط الجهاز بمختلف الإدارات سيتم استصدار قرارات بعزلهم خلال أيام من قِبل السيسي، لوجود شكوك حول مدى ولائهم للنظام، وتواصل مجموعات منهم مع عنان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق وكذلك شخصيات معارضة أخرى، بالإضافة إلى ادعاء تلقيهم توجيهات من إدارة الجهاز بالتنسيق مع بعض الإعلاميين لتوصيل رسائل خاطئة وغير مسؤولة، من وجهة نظر النظام، تخرج عن الإطار المتفق عليه والتعليمات الصادرة من مكتب السيسي بواسطة ضباط في المخابرات الحربية.

ومن بين الوقائع المنسوبة أيضاً للضباط المزمع عزلهم، نشر وتسريب مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُقصد بها تأليب الرأي العام على السيسي، والترويج لشخصيات عسكرية وسياسية أخرى كالراحل عمر سليمان والرئيس المخلوع حسني مبارك ونجله جمال، ولسامي عنان وغيرهم.
وكان السيسي قد أصدر في عهد مدير المخابرات المعزول خالد فوزي، 18 قراراً جمهورياً بإحالة أكثر من 200 ضابط وموظف كبير للمعاش أو للعمل الإداري في جهات أخرى، من بينهم بحسب المصادر، المسؤولون عن ملفات الحركات الإسلامية وجماعة "الإخوان" والتواصل مع حركة "حماس" والشؤون السودانية والإثيوبية، في إطار "تطهير" الجهاز من فلول مدير الجهاز الأسبق عمر سليمان، والمشكوك في ولائهم للسيسي شخصياً.


ولن يكتفي السيسي بإعادة هيكلة الجهاز على أساس سياسي، بل يتجه إلى فرض قيود على المكاسب المالية والفئوية التي حققها ضباط الجهاز على مدار سنوات طويلة كانوا يتمتعون فيها بمزايا استثنائية، خصوصاً في عهد مبارك. فقد أصدر السيسي تعليماته لصديقه رئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان بسرعة إجراء تحقيقات في وقائع تضخم ثروة وغسل أموال واستغلال أراضٍ تشمل نحو 30 من وكلاء الجهاز الأقدم والأكثر حظوة في عهود سابقة، وذلك بهدف إحكام الرقابة على الجهاز وفرض قيود على العاملين به، كما حدث من قبل في أجهزة حكومية أخرى.

ولن تقتصر هذه الإجراءات على الضباط بل ستشمل أيضاً الموظفين الكتابيين والفنيين بحجة تسلل العشرات من المنتمين فكرياً للتيارات الإسلامية للعمل بالجهاز في عهود سابقة، فضلاً عن وجود شبهات استغلال نفوذ حول عدد قليل من الموظفين، بحسب التحريات الأولية للرقابة الإدارية.

وكشفت المصادر أيضاً عن أن عباس كامل، وفي إطار خطة توحيد الخطاب الإعلامي للسلطة، اجتمع بضباط المخابرات الحربية والعامة المختصين بالتواصل مع الإعلام منذ أيام، وأكد ضرورة العمل على تلاشي التناقض بين الخطاب الرسمي وتناول الإعلام الموالي للسلطة له في بعض المناسبات كتضخيم معلومات تعثر مفاوضات سد النهضة في غير الأوقات التي يرغب فيها السيسي بذلك، والمعارضة الحادة في بعض الأحيان لقرار نقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس المحتلة والاحتفاء بالتظاهرات الرافضة، والحديث عن ضرورة وجود منافس للسيسي في الانتخابات وإفساح المجال لبعض المعارضين للحديث في الفضائيات المملوكة أو القريبة لأجهزة النظام.

وكانت مصادر قد ذكرت في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن تغيير إدارات وسائل الإعلام القريبة من المخابرات، سواء التابعة لمجموعة "إيغل كابيتال" أو "فالكون"، لم يكن لها صلة على الإطلاق بما حدث على مستوى الخسائر المالية والمشاكل الإدارية، لأن المجموعتين ليستا تابعتين إدارياً للمخابرات، ولكن تساهم في إدارتهما جهات رسمية أخرى على رأسها الجيش فضلاً عن رجال أعمال محل ثقة. لكن التغيير كشف للسيسي أيضاً وجود مشاكل على المستوى التوجيهي، تتمثل في عدم السيطرة على المعلومات والتوجيهات الصادرة من الجهاز لوسائل الإعلام التابعة للمجموعتين.

ولازم القلق من المخابرات، السيسي منذ ترشح مدير المخابرات ونائب رئيس الجمهورية الأسبق عمر سليمان للرئاسة عام 2012 بغير رضا المجلس العسكري الحاكم آنذاك، بسبب الخلافات التاريخية بين سليمان والمشير حسين طنطاوي، الذي يعتبره السيسي بمثابة أبيه الروحي، خصوصاً أن فترة ترشح سليمان وما تلاها من استبعاده ثم تعاون بعض أجنحة الجهاز مع نظام حكم "الإخوان المسلمين"، أثبتت للسيسي وغيره أن النواة الصلبة للجهاز ما زالت تدين بالولاء لسليمان ولن تقبل الانضواء تحت إدارة الجيش.

وكان أول قرارات السيسي بعد عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 الإطاحة بمدير المخابرات رأفت شحاتة الذي كان ابناً لجهاز الأمن القومي وصاحب باع طويل في متابعة الملف الفلسطيني تحديداً، وعين بدلاً منه اللواء محمد فريد التهامي الذي كان قد عمل من قبل في المخابرات العامة والرقابة الإدارية، لكنه قضى معظم مشواره المهني في المخابرات الحربية وكان رئيساً للسيسي نفسه وأحد معلميه، بهدف إحكام الرقابة على الجهاز.

المساهمون