الأمن السوري المفقود: الرقة نموذجاً لتجاوزات "قسد" (10/9)

01 يناير 2019
قيادة "قسد" لا تعاقب عناصرها (بولنت كيليتش/فرانس برس)
+ الخط -
بات أهالي وسكان منطقة شرقي الفرات، التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، عرضة لكل أنواع التجاوزات والانتهاكات التي لا تهدد راهن هذه المنطقة فحسب، بل يصل التهديد إلى المستقبل، مع محاولات حثيثة لفرض ثقافة دخيلة، خصوصاً في محافظة الرقة ذات الوجه العربي الخالص.

وتتوزع الانتهاكات ما بين اعتقالات بتهم جاهزة والتعذيب في السجون والفلتان الأمني، مع ما يصحب ذلك من حالات سرقة وتعدٍ على حرمات المنازل، إلى تعمد إبقاء الوضع الطبي والخدمي متخلفين، إلى التلاعب بقطاع التربية والتعليم، إلى غض الطرف عن انتشار المخدرات في منطقة خرجت منهكة بعد سنوات من سيطرة تنظيم "داعش"، والتي انتهت بتدمير مدينة ومقتل وإصابة الآلاف من سكانها وتشريد من بقي منهم.

وتسيطر "وحدات حماية الشعب" الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، على نحو ربع مساحة سورية، إذ تسيطر على غالبية محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور، شمال نهر الفرات، إلى جانب سيطرتها على غالبية محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. كذلك تسيطر هذه الوحدات، المدعومة من أميركا، على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تابعة لمحافظة الرقة تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.

وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن محافظة الرقة تعيش حالة من الفلتان الأمني "المقصود"، منذ أن سيطرت عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) منذ نحو عام، تحت غطاء من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وأوضحت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، أن "مدينة الرقة وريفها يشهدان تجاوزات متعددة، أبرزها الاعتقالات والتعذيب داخل السجون"، مشيرة إلى شبه غياب للأمن، ما أدى إلى انتشار ظاهرة السرقة، خصوصاً من قبل عناصر "قسد" التي تضم فصائل ومجموعات غير متجانسة، تحركها الوحدات الكردية. وأكدت المصادر أن الفلتان الأمني "مقصود ومتعمد" من قبل هذه القوات لتسهيل عمليات سرقة البيوت وسيارات المدنيين وما تبقى من المدينة من قبل متنفذين في "قسد"، التي شكلت من قبل التحالف الدولي أواخر العام 2015 كذراع عسكرية لها لمحاربة تنظيم "داعش" في سورية.

وحول وضع القضاء في مدينة الرقة، أوضحت المصادر أن المحكمة موجودة في بلدة الكرامة في ريف الرقة الشرقي، ولا تلبي حاجة الناس، مشيرة إلى أن القضاء محصور بين المدنيين، مضيفة أنه "لا يوجد قضاء عسكري، ومن ثم ليس هناك أي محاسبة للعناصر، وهو ما أغراهم للتجاوز على حقوق الناس". وأكدت أن هناك تمييزاً واضحاً بين العرب والأكراد رغم ندرتهم في المحافظة، موضحة أنهم يعاملون بطريقة سيئة في مقرات "قوات سورية الديمقراطية". وأشارت المصادر إلى أن قيادة "قسد" لا تعاقب أي عنصر تابع لها قام بمخالفة أو تجاوز بحق مدنيين، مضيفة "إذا حدث إشكال بين مدني وعنصر من هذه القوات تكتفي قيادة الأخيرة بالقول نحن نعاقب العنصر ولكن النتيجة تكون سلبية في الغالب".

وكشفت المصادر أن عناصر مسلحة من "قسد" يبيعون الحبوب المخدرة في مدينة الرقة، مضيفة أن حواجز هذه القوات تبيع حبوب "كابتيكول"، و"السيتا فيد" المخدرة التي تنتشر بشكل كبير، خصوصاً بين الشباب، من دون أن تعمل قيادة القوات على الحد منها. وأشارت المصادر إلى أن "قوات سورية الديمقراطية" تعمل على إفقار الناس في الرقة، مشيرة إلى أن سعر طن القطن، الذي تشتهر به الرقة، يصل عند النظام إلى 375 ألف ليرة سورية (أقل من 700 دولار أميركي)، بينما لا يتجاوز 270 ألف ليرة سورية لدى "قسد"، وهو ما يضرب أوضاع المزارعين. وأشارت المصادر إلى أن ما يُسمى بـ"لجنة الزراعة" التابعة لـ"قسد" لم تتحرك من أجل مكافحة آفة "الدودة الأميركية" التي فتكت بمحصول القطن هذا العام، وهو ما أدى إلى تضرر عدد كبير من الفلاحين الذين يعتمدون على هذا المحصول من أجل معيشتهم لعام كامل.

وأكدت مصادر أخرى، لـ"العربي الجديد"، أن تجاوزات "قسد" التي يترسخ الطابع الكردي فيها يوماً بعد يوم لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى مراحل متقدمة ونوعية، خصوصاً لجهة محاولات بث خطاب وثقافة يتناقضان بالمطلق مع طبيعة محافظة الرقة ذات الوجه العربي الخالص. وأوضحت أن هذه القوات تتخذ من المدارس مدخلاً للتغلغل في مجتمع الرقة، مدينة وريفاً، مضيفة أن نسبة كبيرة من المعلمين والمدرسين تحمل شهادات دنيا وغير مؤهلة للتعليم، مع استمرار محاولات تطبيق منهاج كردي على بيئة عربية خالصة. وأشارت إلى أن الأهالي هم الذين قاموا بتنظيف وتأهيل المدارس من دون أي مساعدة من اللجان المدنية المتعددة المرتبطة بـ"قوات سورية الديمقراطية"، موضحة أن لجنة التربية في المحافظة "تضم شخصاً غير سوري قادم من جبال قنديل التي يتمركز فيها حزب العمال الكردستاني". وأشارت إلى أنه "تم استبعاد كثر ممن يحملون شهادات عليا عن سلك التعليم بسبب عدم ولائهم المعلن للوحدات الكردية التي تتحكم بكل شيء في الرقة"، مضيفة "الأدهى قيام هذه القوات بتعيين شخص كان أمير الزكاة في تنظيم داعش، والملقب بأبو سفيان الأنصاري، معلم صف في إحدى قرى ريف الرقة الغربي". وأوضحت المصادر أن الواقع الطبي في المحافظة "يُرثى له"، مشيرة إلى أن الوحدات الكردية، التي وضعت يدها على ثروات منطقة شرقي الفرات، خصوصاً البترول، لم تعد تأهيل المستشفيات، وما هو موجود يفتقر للأجهزة الطبية، ما يدفع المرضى للمغامرة بحياتهم في الذهاب إلى مناطق النظام، في حلب وحمص وحماة ودمشق، للحصول على علاج مجاني في مستشفيات النظام في هذه المدن، مشيرة إلى انتشار مرض التيفوئيد في مدينة الرقة بسبب تلوث مياه الشرب.

وأكدت المصادر أن مجموعات تابعة لـ"قسد" تبتز المدنيين من أجل الحصول على أموال و"من لا يدفع فالتهمة جاهزة وهي الانتماء إلى تنظيم داعش"، مضيفة "خرجت الرايات السوداء من الرقة بعد تدمير المدينة ومقتل وإصابة عشرات آلاف المدنيين، وجاءت الرايات الصفراء (راية الوحدات الكردية) لتفرض واقعاً لا يقل سوءاً وخطراً على مستقبل منطقة تعتبر سورية المفيدة بثرواتها". وأشارت إلى أن مجموعات تتبع لـ"قوات سورية الديمقراطية" تداهم البيوت في مدينة الطبقة، غربي الرقة، بحجة البحث عن عناصر من تنظيم "داعش"، مؤكدة قيام أفراد هذه المجموعات بنهب البيوت تحت نظر سكانها الذين لا حول لهم ولا قوة، فـ"التهم جاهزة لمن يعترض". وأضافت "إنهم يتصرفون تصرف محتلين، كما كان يفعل تنظيم داعش ومن قبله النظام". وأوضحت مصادر في ريف الرقة الشرقي، لـ"العربي الجديد"، أن المدعو "لقمان"، وهو كردي، يمارس "التشليح" العلني في المنطقة الممتدة من حي المشلب، شرقي مدينة الرقة، وحتى بلدة الكرامة و"من يعترض يهدد بالاعتقال".

ولا يختلف الوضع كثيراً في باقي مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، التي تعتبر القوات الكردية عمودها الفقري، وتضم مكونات قومية أخرى، من عرب وسريان وآشوريين، إذ يتم التعامل مع تلك المكونات بالإقصاء ذاته الذي يمارس في الرقة، كما يتم التمييز بين الأكراد الذين يؤيدون حزب الاتحاد الديمقراطي والأكراد الذين ينتمون للتيارات السياسية الأخرى ويتم اعتقالهم بطرق تعسفية. كما تعمل "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، على الظهور إعلامياً بمظهر التنظيم الحضاري، خصوصاً لناحية مشاركة المرأة، إلا أن هناك الكثير من الفتيات تم تجنيدهن نتيجة استغلال خلافات عائلية، كما تم تجنيد العديد من القصر.

المساهمون